نواب مغاربة يطالبون وزير العدل بإعادة قانون الإثراء غير المشروع إلى البرلمان
أثار مشروع قانون الإثراء غير المشروع الذي تم سحبه جدلا في البرلمان المغربي بين وزير العدل عبداللطيف وهبي والنواب المنتمين إلى صفوف المعارضة، حيث طالبوا بإعادة مشروع القانون الجنائي الذي سحبته الحكومة من البرلمان، في أقرب فرصة إلى المؤسسة التشريعية، لدعم جهود الدولة في محاربة الفساد.
يأتي ذلك تزامنا مع الجدل الذي أثارته قضية “إسكوبار الصحراء” التي أفضَت إلى متابعة عدد من البرلمانيين والمسؤولين بتهم جنائية. وأكد عبداللطيف وهبي أن “الإثراء غير المشروع كلمة حق أريد بها باطل، وهي قصة تم اختلاقها، فالقانون الجنائي كله يتحدث عن الإثراء غير المشروع، ويسائل مجموعة من الدلائل إذا كانت هناك اختلالات”.
وأضاف وهبي في معرض جوابه على سؤال حول “مآل مشروع القانون المجرّم للإثراء غير المشروع”، أن “القانون الجنائي والإجراءات الجنائية ينصان على قرينة البراءة، مما يعني أن تجريم الإثراء غير المشروع رهين بتحقيق نوع التوازن ما بين المساءلة وقرينة البراءة”.
وعرف مشروع القانون الجنائي تأخرا كبيرا في عرضه من طرف الحكومة على البرلمان، حيث برر وزير العدل إقدام الحكومة على سحب مشروع مجموعة القانون الجنائي من البرلمان بأن بعض الفصول التي سحبت تطرح إشكالا، منها الإثراء غير المشروع الذي إذا تم تطبيقه فكيف سنتعامل مع مبدأ قرينة البراءة المنصوص عليها دستوريا، أليس هذا تناقضا؟ لكن إذا ارتأيت أن الإثراء دون سبب له قيمة قانونية وسيلعب دورا اجتماعيا مهما سأحافظ عليه، رافضا اختزال مشروع القانون في قضية واحدة.
وقالت مليكة الرخنيني النائبة البرلمانية عن مجموعة الاتحاد الاشتراكي مخاطبة الوزير إنه “لا بد من تذكيركم بالسياق الوطني اليوم، حيث وجود فئة تحوم شبهات كبيرة حول ثرائها، تخترق كل المجالات، من الفن إلى الرياضة والمال والأعمال، والسياسة، وتشكل تهديدا على المؤسسات والخيار الديمقراطي”.
وأشارت إلى أن “الظاهرة موجودة اليوم، ولكم أن تلتفتوا ذات اليمين واليسار، وأنتم تنظرون حتى تحت أخمص القدمين سترون أن الظاهرة موجودة، وتأطيرها القانوني يسائلكم”.
ويرى عدد من النواب أن الأصل في تجريم الإثراء غير المشروع هو تدخل تشريعي لمعالجة مظاهر الاختلال التي تعرفها منظومة التصريح الإجباري بالممتلكات، على اعتبار أنها لا تعاقب أيّ تحول مالي كبير وغير مبرر لكل ملزم بالتصريح، بما يسهم في محاربة الفساد وتخليق الحياة العامة.
واعتبر أستاذ العلوم السياسية رشيد لزرق أن “تراكم ثروات كبيرة في فترة زمنية ما ومتزامنة مع وجود المسؤول في منصبه يطرح إمكانية حصوله على منافع غير مشروعة ما يفتح الباب للجهات المختصة بالتدقيق في هذا الملف”، مؤكدا أن “تجريم الإثراء غير المشروع ضرورة إستراتيجية لمكافحة الفساد تقتضي الحسم فيها داخل البرلمان، كمؤشر على جدية الأحزاب في مواجهة الفساد، باعتبار أن هناك بعض القيادات السياسية تستمد قوتها في توفير الحماية السياسية للفاسدين”.
وبخصوص التأخر في حسم هذا الموضوع يقول رشيد لزرق لـه”، “التأخر نجده في عدم الحسم بتشريع النصوص الترتيبية اللازمة وعرقلة المصادقة البرلمانية على القانون الجنائي، وهكذا تتأكد عوائق في القيام بأبحاث في ملفات الفساد الكبرى بها شبهة الغنى غير المشروع لشخصيات عمومية لم تكن تملك شيئا مع تحقيق لأهداف من وراء التجريم في إطار احترام القانون”.
وعرجت إحدى النائبات على توالي الفضائح والمتابعات القضائية، لتشن هجوما على الحكومة، مؤكدة “إذا عرف السبب بطل العجب، اليوم مع توالي الفضائح وما يقع وكثرة المتابعات القضائية، وكل يوم فضيحة، لا بد أن تظهر الحكومة أنها تملك الجدية اللازمة لمحاربة الفساد”.
وفي هذا الصدد أكد محمد بشير الراشدي رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة، (مؤسسة دستورية) خلال لقاء أكاديمي نظمته مؤسسة الفقيه التطواني، الجمعة، أن “الإثراء غير المشروع هو مؤشر من بين المؤشرات التي يمكن أن تكشف عن أفعال فساد”، مشددا على “أهمية تأطير محاربة الإثراء غير المشروع كمدخل لمحاربة الفساد في المملكة”.
وفضلا عن كون القانون يعاقب على الشطط في استغلال مواقع النفوذ ينص الدستور في فصله الأول على أنه من الأُسس التي يقوم عليها النظام الدستوري للمملكة المغربية ربط المسؤولية بالمحاسبة، والمرجعية الاتفاقية المتمثلة أساساً في مقتضيات المادة 20 من الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد التي صادق عليها المغرب.
واختار المشرع المغربي تضمين مقتضيات هذا التجريم في القانون الجنائي وفِي مادة وحيدة مُدرجاً إياها ضمن جرائم الفساد التي يرتكبها الموظفون ضد النظام العام والمتعلقة بالرشوة واستغلال النفوذ، عوض إفراد جريمة الإثراء غير المشروع بقوانين خاصة من قبيل قوانين عدد من الدول.