ثورة المزارعين في أوروبا تتسع ضد ارتفاع التكاليف وتراجع الدعم
خرج المزارعون الغاضبون في مختلف أنحاء أوروبا إلى الشوارع، وخاصة منها الرئيسية، اعتراضًا على الأضرار الاقتصادية التي لحقت بقطاعهم. وعقب احتجاجات نظموها أمام البرلمان الأوروبي في بروكسل، الأربعاء الماضي، قررت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين فتح حوار إستراتيجي معهم.
انتفض المزارعون وتصاعد غضبهم، وأغلقوا الطرق ونظموا مواكب احتجاج بالجرارات خلال الأسابيع الماضية، بعدما خرجوا في احتجاجات بشوارع فرنسا وألمانيا وليتوانيا وبولندا ورومانيا، وقبل ذلك في هولندا.
في ألمانيا واصل المزارعون الاحتجاجات على مدار أسابيع لرفضهم إصلاح الضرائب على الديزل الزراعي، والذي ينصّ على إلغاء الإعفاء الذي استفاد منه المزارعون، بحلول عام 2026.
ووافقت الحكومة على تخفيف حدة الإجراء عبر إلغاء تدريجي لدعم وقود الديزل على مدار ثلاث سنوات، بدلا من الإلغاء بأثر فوري، ولكنها تمسكت بهذه السياسة. ويتعرض الائتلاف الحاكم في ألمانيا بقيادة المستشار أولاف شولتس لضغوط متزايدة من أجل زيادة عائدات الضرائب أو خفض الإنفاق لسد فجوة كبيرة في الميزانية.
أما في فرنسا فيبدو أن الغضب المتنامي بين المزارعين يشكل التحدي الرئيسي الأول للحكومة المعينة حديثا في البلاد.
واتخذت تعبئة المزارعين الغاضبين الاثنين مسارا جديدا في مختلف أنحاء فرنسا مع إعلانهم فرض “حصار” على باريس، وسط مخاوف من “أسبوع ينذر بالمخاطر” بين المزارعين وقوات حفظ الأمن.
ويندد المزارعون بالسياسة الزراعية الأوروبية المشتركة، معتبرين أنها منفصلة عن الواقع.
وعبرت الأوساط الزراعية السويسرية عن دعم مطالب المزارعين في ألمانيا وفرنسا بإطلاق عريضة تتضمن عدة إجراءات مع عدم استبعاد اتخاذ إجراءات احتجاجية.
وأعرب اتحاد المزارعين السويسريين والغرف الزراعية في المناطق الناطقة بالفرنسية عن قلقهما على وضع المزارعين في البلاد.
ولاحظت الهياكل القطاعية أن أوضاع المزارعين “هشة” ومحفوفة بـ”عدم اليقين”، معتبرة أن الاعتمادات المخصصة للقطاع لا تساعد على تحسين الأوضاع.
ودعت إلى التحرك “إذا أردنا الاستمرار في العثور على الطعام السويسري في أطباقنا”، حسب ما ورد في البيان الصحفي الذي حذر من أن المزارعين السويسريين “يختنقون في ظل السياسة الزراعية وتعقيداتها، ويتوقعون الحصول على عائدات أفضل من السوق”.
وتطالب الهيئات الزراعية بزيادة أسعار المنتجين بنسبة 5 إلى 10 في المئة هذا العام. وفي المستقبل ينبغي تحديد الأسعار على أساس تكاليف الإنتاج والمخاطر المحتملة، وذلك للسماح بدخل عادل، حسب ما جاء في البيان ذاته.
وخلال الأشهر الأخيرة انتشر سخط مماثل في بولندا ورومانيا وسلوفاكيا والمجر وبلغاريا، حيث ندد المنتجون بما يرونه منافسة غير عادلة بسبب الواردات الأوكرانية، والتي أدت إلى تراجع أسعار الحبوب لدى هذه الدول.
ويندد المزارعون الأوروبيون كذلك بالمنافسة غير العادلة مع المنتجات المستوردة التي لا تخضع للمعايير نفسها.
وعقب بدْء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022 أدى تصدير المنتجات الزراعية الأوكرانية إلى الاتحاد الأوروبي معفاةً من الرسوم إلى اضطرابات في الأسواق الداخلية لهذه الدول، وهو ما زاد من استياء المزارعين.
ويتعين أن تعلن المفوضية الأوروبية قريبا ما إذا كانت تعتزم تجديد الإعفاء الجمركي للمنتجات الأوكرانية، الذي سينتهي في يونيو المقبل.
وفي مسعى لنزع فتيل الغضب أطلقت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين صيغة حوار إستراتيجي جديد يجمع المزارعين والمنظمات البيئية والهيئات الزراعية معا، من أجل إيجاد حلول لمشاكل الزراعة في أوروبا.
وتشمل القضايا الرئيسية دخْل المزارعين والاستدامة والابتكار التكنولوجي والقدرة التنافسية، وقد خضعت للمناقشة خلال اجتماع وزراء زراعة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مؤخرا. ويشمل البرنامج أيضا التخوّف من أن يُسْهم التحول إلى الاقتصاد الأخضر في المزيد من تدهور أوضاع المزارعين.
والهدف من الحوار الذي يجرى على مستوى الاتحاد الأوروبي هو التوصل إلى رؤية مشتركة بحلول منتصف عام 2024 وتقديمها إلى المفوضية.
وكانت فون دير لاين تعهدت بهذه المبادرة في سبتمبر الماضي، لكن تم تأكيدها نهاية الأسبوع الماضي فقط، وهي تدعو إلى “تقليص الاستقطاب” والتأكيد على أن الزراعة وحماية البيئة يمكن أن تسيرا جنبا إلى جنب.
ونظم المزارعون الأربعاء الماضي مظاهرات أمام مبنى البرلمان الأوروبي في بروكسل، حيث قال مزارع فرنسي يدعى ستيفان بلوزيه “ستزداد المظاهرات بسبب تصاعد السخط، وسيؤثر ذلك على الانتخابات الأوروبية… جئنا إلى بروكسل لأن هذا هو المكان الذي يتم فيه سنّ القواعد التي تؤثر فينا”.
وشاركت في احتجاجات بروكسل ماريون ماريشال التي ستقود حزب حركة “ريكونكويت”( الاستعادة) الفرنسية اليمينية، في الانتخابات الأوروبية، وهي ابنة شقيقة مارين لوبان.
وقالت النقابة العامة للمزارعين في الدنمارك إن التحرك “يمثل صرخة أخرى من أجل المساعدة… لا يطلب المزارعون الكثير، فقط الوفاء بدورهم الاجتماعي، والمعاملة العادلة”.