العالم لا يريد أن يترك قضية الصحراء المغربية نهبا للتداخلات الإقليمية
تنامى منسوب الوعي العالمي بضرورة اعتراف الدول بالصحراء المغربية لكونها خطوة تتوافق مع الحقوق المشروعة والقانون الدولي، فضلا عن دعمها لمصالح الدول الحيوية مع المغرب الذي يعتبر بوابة نحو العمق الأفريقي وشريكا إستراتيجيا مهما للانفتاح على المنطقة.
يزداد الاهتمام الدولي بقضية الصحراء المغربية، في ظلّ اعتراف عدد من القوى العالمية بسيادة المغرب على صحرائه، واتساع دائرة الدعوات في بلدان أخرى تطالب بالخروج من الدائرة الرمادية بشأن النزاع المفتعل.
وتتوالى اعترافات الدول، بسيادة المغرب على صحرائه، ودعم مقترح الحكم الذاتي، الذي تعرضه المملكة كحلّ وحيد للملف العالق منذ عقود، بينما تدعو جبهة بوليساريو الانفصالية إلى استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر.
ويرى مراقبون أن العالم اليوم لا يريد أن يترك قضية مثل الصحراء المغربية نهبا للتداخلات الإقليمية في هذه المرحلة التي يشهد فيها الإقليم تغييرات كبرى.
وتحظى الصحراء المغربية بأهمية إستراتيجية من منطلق السلام والتعاون الدولي، باعتبارها رقعة حيوية من القارة الأفريقية يجب أن تكون مستقرة وآمنة لأنها مساحة للتبادلات التجارية وممرات للمواد الحيوية كالطاقة وغيرها نحو أوروبا.
وثمة وعي جماعي من الدول المعترفة بسيادة المغرب على صحرائه، بأن المملكة تملك وزنا ونفوذا وتواجدا داخل القارة الأفريقية، وتتحرك من خلال رؤيتها الخاصة التي تتقاطع في أبعادها مع مصالح الدول الكبرى ومنها لندن وواشنطن على وجه الخصوص، فضلا عن القوى الأخرى ضمن خطة تنويع الشركاء.
ويعزز تزايد اعتراف الدول بالصحراء المغربية، مطالبة دول أخرى أو سياسيين غربيين باتخاذ خطوة مماثلة، نظرا إلى أن هذا الاعتراف يتوافق مع الحقوق المشروعة والقانون الدولي، وكذلك مع مصالح هذه الدول الحيوية مع المغرب الذي يعتبر بوابة أفريقيا وشريكا مهما للانفتاح على المنطقة.
ويبدو أن بريطانيا ستسير على منوال أقرب حلفائها مثل الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإسبانيا وهولندا التي تدعم جميعها مبادرة الحكم الذاتي.
وأكد عضو مجلس اللوردات البريطاني دانيال هانان على إيجابيات اعتراف بلاده بـ”سيادة المغرب الكاملة” على صحرائه خصوصا على مستوى العلاقات التجارية بين المملكتين.
ويأتي ذلك بعد الرسالة التي بعثها قبل أيام النائب البريطاني ليام فوكس إلى وزير الشؤون الخارجية ديفيد كامرون أكد فيها على ضرورة تقديم بريطانيا دعمها الكامل للمغرب واعترافها بسيادته على الصحراء.
وقال اللورد هانان في مقال نشرته اليومية البريطانية “ذا ديلي تلغراف” السبت “لا يجب أن نلغي الرسوم الجمركية فحسب، بل يتعين أن ننشئ ممرا رقميا بين طنجة وموانئنا لتقليل المعاملات الورقية وتسهيل الاستثمارات، ونسهر على أن تعترف سياستنا التجارية بشكل كامل بسيادة المغرب على الصحراء”.
وأعرب اللورد هانان، الذي كان قد قام بزيارة إلى المملكة الأسبوع الماضي، عن انبهاره الشديد بالمواقع الصناعية المغربية، واعتبر أن ميناء طنجة المتوسط “هو الأكبر، ليس في أفريقيا فحسب، بل أيضا في البحر الأبيض المتوسط”، مسجلا أن “صناعة ضخمة لصناعة السيارات تطورت حول هذه البنية التحتية”.
وذكر هانان وهو أيضا رئيس معهد التجارة الحرة أنه على مدى السنوات العشرين الماضية تم تطوير مركز للطيران في الدار البيضاء، فضلا عن ربط المدن الرئيسية في البلاد بقطارات فائقة السرعة، معتبرا أن “عددا قليلا من البلدان تتمتع بموقع جيد لإنتاج طاقة الرياح، والطاقة الشمسية ومنتجها الثانوي، الهيدروجين الأخضر”.
كما أكد اللورد هانان أن المغرب اتخذ القرار الإستراتيجي لتنويع اقتصاده، ما دفع معهد التجارة الحرة إلى طرح سلسلة من الاقتراحات لتحرير التجارة بين المملكتين، وأوضح أنه من شأن مثل هذه السياسة أن تسمح للمملكة المتحدة بالاستفادة الكاملة من الفرص التي يتيحها بريكست.
ونظرا للمتغيرات الكبرى التي يعرفها العالم والواقع الجيو – سياسي الجديد في المنطقة أكد محمد الطيار الخبير في الدراسات السياسية والأمنية أن “هناك توجهات حثيثة من قبل أصحاب القرار ببريطانيا لتبني خطوات أكثر إيجابية في اتجاه دعم سيادة المغرب على صحرائه، على غرار مواقف العديد من الدول الوازنة، باعتباره السبيل الوحيد لتسوية النزاع الإقليمي وتحصين وحدة المملكة من انحرافات بعض المتدخلين الإقليميين التي ستهدد استقرار المنطقة”.
وأضاف أن “دعوة دانيال هانان إلى الاعتراف بسيادة المغرب الكاملة على صحرائه وتعزيز العلاقات التجارية بين المملكتين متناسبة مع تطور العلاقات بين البلدين وبنائها على أسس جديدة ومتينة على كافة المستويات، الأمر الذي سيجعلها تتبنى موقفا من قضية الصحراء لا يختلف عن الموقف الأميركي الذي أعلن اعترافه بسيادة المغرب الكاملة على صحرائه، وستتعزز أكثر مع انطلاق مشروع الأطلسي الذي سيربط دول الساحل والصحراء بالمغرب وما له امتيازات تجارية وتنموية واقتصادية كبيرة”.
العالم اليوم لا يريد أن يترك قضية مثل الصحراء المغربية نهبا للتداخلات الإقليمية في هذه المرحلة التي يشهد فيها الإقليم تغييرات كبرى
وأكد هشام معتضد الأكاديمي والخبير في العلاقات الدولية أنه “مع تنامي العديد من الأصوات السياسية في بريطانيا بمطالبتها بسرعة اتخاذ موقف قوي بخصوص هذا الملف من أجل حماية مصالح لندن الإستراتيجية وتطويرها مع المملكة المغربية نظرا لموقع الصحراء في العقيدة السياسية والدبلوماسية للمغرب، وكذلك لما تزخر به من منافع اقتصادية واستثمارية، ما يخدم رؤية البلدين في تقوية حضورهما داخل القارة الأفريقية والحفاظ على استقرار وأمن المنطقة من أيّ مغامرات غير محسوبة من طرف خصوم المغرب”.
ويعد التقارب مع المغرب أمرا حيويا بالنسبة إلى بريطانيا، خاصة بعد توقيع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية بين الرباط ولندن عقب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث تعول بريطانيا على المغرب في تعويض المبادلات التجارية مع الاتحاد الأوروبي والحصول على حاجياتها، خاصة من المنتوجات الفلاحية.
وعينت بريطانيا مؤخرا مبعوثا تجاريا خاصا إلى المملكة المغربية في إطار برنامج المبعوثين التجاريين لرئاسة الوزراء البريطانية، الذي يروم دعم وتعزيز العلاقات الاقتصادية مع الدول.