شهدت العلاقات بين المغرب ونيجيريا خلال السنوات الأخيرة تطورا ملحوظا، توّج بتوقيع عدد من اتفاقيات الشراكة في مجالات عديدة، أهمّها مشروع أنبوب الغاز بين البلدين.
وتعبر كل من الرباط وأبوجا بشكل دائم عن التزامهما ورغبتها في تفعيل هذا المشروع الإستراتيجي والذي يرتقب أن يمر على طول ساحل الغرب الأفريقي وصولا إلى أوروبا عبر المغرب.
وتعد نيجيريا شريكا إستراتيجيا مهما جدا للمغرب، وتقوم المملكة بالفعل بأكبر استثماراتها الأجنبية في هذا البلد.
وأجرى العاهل المغربي الملك محمد السادس، مساء الثلاثاء، مكالمة هاتفية، مع بولا أحمد أديكونلي تينوبو، رئيس جمهورية نيجيريا الفيدرالية، تناولت الدينامية الإيجابية التي تشهدها العلاقات الثنائية بين البلدين، فضلا عن مشروع خط أنبوب الغاز الأطلسي الأفريقي نيجيريا – المغرب.
وقال الديوان الملكي في بلاغ، إن هذا المشروع سيشكل رافعة إستراتجية للاندماج الإقليمي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية لمجموع بلدان غرب أفريقيا.
وأكد محمد بودن رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية، والخبير في الشؤون الدولية المعاصرة، أن “المكالمة الهاتفية بين الطرفين هي جزء من الرحلة الإيجابية للعلاقات بين البلدين وتعزيز ركائز العمل، حيث يمثل مشروع خط أنابيب الغاز الأطلسي الأفريقي نيجيريا – المغرب أحد عناوينه المحورية”.
وأوضح في تصريح لـه، أن “المحادثات الهاتفية التي جمعت قائدي البلدين، تعزز أفاق مشروع أنبوب الغاز المغرب – نيجيريا الهيكلي وتبرز قيمته الإستراتيجيه، كونه يمثل شريانا حيويا، حيث أن الرؤية المغربية – النيجيرية بخصوص المشروع أخذت بعين الاعتبار معطيات الأمن والاستقرار وفرص التكامل والتنمية المستدامة في نطاق واسع على الواجهة الأطلسية”.
ولفت بودن إلى أن “التطورات الدولية الأخيرة أدت إلى التركيز الإستراتيجي على مصادر الطاقة، والتي ساهمت في ترسيخ الأهمية الاقتصادية والأهداف الجيوسياسية للمشروع والذي جاء كثمرة لإرادة مشتركة بين بلدين رائدين في القارة الأفريقية، سيخدم التنمية والتكامل على نطاق واسع وعابر للحدود يروم تحسين أمن الطاقة ويعزز بدوره التعاون بين البلدين إلى مجال مكافحة التطرف والإرهاب في المنطقة وخاصة شمال نيجيريا”. مشيرا إلى أن “مشروع خط أنابيب الغاز الأطلسي الأفريقي نيجيريا – المغرب يعد ضمن عمق الرؤية الأطلسية للملك محمد السادس، إذ يركز على الأهداف المشتركة لمختلف الشركاء بما يرتقي بالتنمية في غرب أفريقيا ويسخر القدرات التنموية لدعم الأهداف المشتركة، ويستجيب لمختلف التحديات على الواجهة الأطلسية التي تمثل اليوم فضاء جيو سياسيا واعدا ويتمتع بميزة تنافسية”.
وتعززت العلاقات الثنائية بين نيجيريا والمغرب في مختلف المجالات من الحقل الديني إلى الاقتصاد والزراعة مرورا بالطاقة والثقافة.
وقامت مجموعة المكتب الشريف للفوسفات بتدشين أول مصنع لها متطور لمزج الأسمدة بالقارة الأفريقية خلال سنة 2022 بكادونا شمال نيجيريا.
وينسج الرئيس الجديد أحمد بولا تينوبو، على منوال سلفه عندما قال إنه “يريد بناء نيجيريا جديدة تنافس دولا كالمغرب”، مؤكدا أنه “يمكننا إنعاش اقتصادنا… يمكننا أن نبني أمة مثل المغرب ونستطيع ذلك”، لافتا أنه “يتخذ من المغرب نموذجا للاقتداء كمرجع في التطور بالنسبة للبلدان الأفريقية”.
وفي أواخر سنة 2016، تمّ الإعلان عن مشروع أنبوب الغاز، وذلك في إطار زيارة رسمية قام بها العاهل المغربي إلى نيجيريا. وفي 2018، وقع البلدان اتفاقيات للتعاون الثنائي مرتبطة بالمشروع.
ويعد خط أنبوب الغاز نيجيريا – المغرب أحد المشاريع الكبرى التي تربط بين البلدين مرورا بالعديد من البلدان بغرب أفريقيا، حيث سيساهم في تحسين مستوى عيش السكان، والتقليص من التصحر بفضل الإمداد المستدام والموثوق بالغاز.
وحسب العديد من الخبراء، سيساهم المشروع الجديد في تعزيز الترابط الطاقي بين دول غرب أفريقيا وخلق بيئة مستقطبة للأنشطة الاقتصادية ذات الطابع التنموي.
وإلى جانب ما ستقدمه مبادرة الأطلسي من خدمة اقتصادية وتنموية لدول الساحل والصحراء، سيكون ربط أنبوب الغاز نيجيريا – المغرب بأنبوب الغاز المغاربي– الأوروبي وبشبكة الغاز الأوروبية، أداة مهمة لتزويد الدول غير الساحلية كالنيجر وبوركينافاسو ومالي.
ووصلت الدراسات المتعلقة بهذا المشروع الضخم إلى مراحل متقدمة، كما وُقعت مذكرات تفاهم خلال الأشهر الأخيرة، بين المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا وجمهورية نيجيريا الاتحادية والمملكة المغربية، كما وقعت إثنتان أخريان على التوالي، بين المغرب ونيجيريا وموريتانيا من جهة، والمغرب ونيجيريا والسنغال من جهة ثانية، فضلا عن خمس مذكرات تفاهم أخرى ثلاثية الأطراف على التوالي وبالتتابع بين المغرب ونيجيريا من جهة، وغامبيا وغينيا بيساو وغينيا وسيراليون وغانا من جهة ثانية.
ويكتسي هذا المشروع المهيكل أهميته من كونه سيربط بين 13 عاصمة أفريقية ممتدة على الشريط الساحلي الأطلسي، انطلاقا من لاغوس النيجيرية بغرب أفريقيا مرورا بالبنين والتوغو وغينيا وصولا إلى سواحل المملكة المغربية على طول 5,660 كلم، في إطار تكملة لمشروع قديم يسمى “أنبوب الغاز الغرب أفريقي”. كما أن هناك إمكانية كبيرة لربط الأنبوب بالقارة الأوربية عبر إسبانيا التي لا تبعد عن المغرب سوى 14 كلم.
وتقدّر كلفة المشروع الذي سيكون أطول أنبوب غاز في العالم بـ 25 مليار دولار بتمويل مشترك بين المغرب ونيجيريا ومؤسسات إقليمية ودولية ودول مانحة. ويرجح أن تنتهي الأشغال مع نهاية سنة 2045، بعد أن استكملت مرحلة التصميم التقني الأولي.