تكرار الفشل يخيم على صناعة المركبات في الجزائر
رخّصت الحكومة الجزائرية للعشرات من العلامات الآسيوية والأوروبية الناشطة في مجال تركيب وتجميع المركبات السياحية والنفعية، من أجل الاستفادة من فرص الاستيراد مقابل تشييد مصانعها خلال أجندة زمنية معينة، الأمر الذي يؤشر لتحريك عجلة القطاع المتوقفة منذ عدة سنوات، بسبب التجربة الفاشلة في هذا المجال، والتي كانت أحد أوجه الفساد المالي والاقتصادي في البلاد، بدليل تواجد رجال أعمال ومسؤولين من القطاع في السجن.
وتوقع مقداد عقون مدير الذكاء الاقتصادي والإدارة التقنية لمتابعة ملف السيارات على مستوى وزارة الصناعة والإنتاج الصيدلاني حدوث انتعاشة حقيقية في سوق السيارات في الجزائر خلال السداسي الثاني من العام الجاري، وذلك بالنظر إلى التدابير والتسهيلات المقدمة من قبل السلطات العمومية للمتعاملين الاقتصاديين في مجالي الإنتاج والاستيراد.
وأوضح المتحدث في تصريح للإذاعة الحكومية بأن “وزارة الصناعة والإنتاج الصيدلاني منحت إلى حد الآن 44 اعتمادا للمتعاملين الذين قاموا باستيفاء جميع الشروط، من بينها 33 في المئة خاصة بالسيارات النفعية والسياحية و29 في المئة لأصحاب الدراجات و12 في المئة للجرارات والمقطورات والحافلات والآلات المتحركة، كما أن الوزارة منحت أيضا 81 رخصة مسبقة وننتظر استيفاء الشروط قصد منحها الاعتماد النهائي”.
للجزائر تجربة فاشلة في صناعة المركبات كانت أحد أوجه الفساد المالي والاقتصادي في البلاد
وكانت السوق الجزائرية عرفت أزمة غير مسبوقة في قطاع السيارات والمركبات، تراكمت خلال السنوات الأخيرة، بسبب إجراء حكومي بوقف الاستيراد سواء للمنتوجات الكاملة أو القطع الموجهة للتركيب، كما عمدت إلى غلق وتأميم المصانع السابقة، نظرا لضلوع ملاكها في ممارسات الفساد المالي والاقتصادي، حيث يتواجد العديد منهم في السجن، على غرار محي الدين طحكوت، مراد العلمي، أحمد معزوز ومحمد بايري.. وغيرهم.
وأفضى القرار المذكور إلى أزمة غير مسبوقة في السوق المحلية، مما أدى إلى الندرة وارتفاع الأسعار بشكل كبير، وتراكم الطلب الداخلي الذي يفوق الآن بحسب بعض التحاليل سقف المليون سيارة ومركبة، الأمر الذي أرغم الحكومة على مراجعة حساباتها بفتح تدريجي للاستيراد للخواص في أول الأمر ثم للمتعاملين الاقتصاديين.
ويبدو أن الحكومة الجزائرية لا تريد تكرار التجربة السابقة، نظرا لما شابها من شكوك وممارسات سلبية، ولذلك استغرقت سنوات بأكملها من أجل إعادة ترتيب وتنظيم القطاع بدفتر شروط أثري في أكثر من مرة، أين تم التركيز فيه على السماح بالاستيراد مقابل تشييد أصحابه لمصانع تركيب وتجميع، ووضع أجندة زمنية محددة لتحقيق تدريجي لنسبة الاندماج يبدأ من 5 في المئة ليصل الى 30 في المئة، فضلا عن تنشيط نظام المناولة ونشاط صناعة القطع في النسيج الداخلي.
وفي هذا الشأن أكد المسؤول الحكومي بأنه “يتواجد حاليا 24 متعاملا من بين الـ44 المعتمدين من قبل وزارة الصناعة والإنتاج الصيدلاني، تحصلوا على رخصة الاستيراد من قبل مصالح وزارة التجارة خلال شهر نوفمبر من العام الماضي وتعرف برخصة احترام ومطابقة الشروط، وينتظر أن يحصل بقية المتعاملين الـ20 على هذه الرخصة خلال السنة الجارية”.
الحكومة الجزائرية لا تريد تكرار التجربة السابقة، نظرا لما شابها من شكوك وممارسات سلبية
وأضاف “الشحنات الأولى من السيارات المستوردة دخلت السوق الوطنية بدءا من ديسمبر الماضي، وتصدرتها العلامات التجارية المعروفة فيات وشيري وأوبل وجاك وكذلك جيلي التي كانت مبرمجة في الرابع من شهر يناير الجاري، غير أن هذه العملية تأجلت بالنسبة إلى هذا المتعامل إلى غاية شهر فيفري القادم، بسبب عوامل جيو – سياسية مرتبطة بتعطل التجارة البحرية عبر البحر الأحمر”.
ولأجل احترام دفتر الشروط، وتقديم البضاعة في آجالها، قدمت الحكومة تسهيلات لهؤلاء المتعاملين ورصدت غلافا ماليا قيمته 1.9 مليار دولار لتمويل عمليات الاستيراد، وكان من المفروض أن يقوم هؤلاء المتعاملون الـ44 باستيراد ما يقرب من 180 ألف سيارة من مختلف الأنواع قبل نهاية شهر ديسمبر الماضي، ولكن عملية الاستيراد تمت بنسب متفاوتة بين المتعاملين.
وأكد مدير الذكاء الاقتصادي والإدارة التقنية لمتابعة ملف السيارات على أن “السلطات العمومية ستقدم حوصلة في غضون الأسبوعين القادمين على أبعد تقدير، خاصة وأن التأخر المسجل غير مقبول، في ظل الطلب الكبير على السيارات في البلاد، وتباعد مؤشري العرض والطلب، مما أفرز فئة من التجار ‘السماسرة’ الذين ألهبوا الأسعار، لكن هذه الوضعية مؤقتة، لأن السلطات تعمل من أجل تخفيض الأسعار عن طريق تشجيع الإنتاج المحلي وتحفيز المنافسة بين الوكلاء”.
وكانت شركة “فيات” الإيطالية أول المستثمرين الجدد في القطاع بالجزائر، وقد دخلت في مرحلة الإنتاج المحلي نهاية العام الماضي، بمصنعها الكائن بمدينة وهران في غرب البلاد، بطاقة إنتاج أولية تبلغ 50 ألف سيارة من أربع طرز، مستفيدة بذلك من التقارب القائم بين الجزائر وإيطاليا في مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والتجارية.
وتعهد المدير التنفيذي لمجموعة ستيلانتيس كارلوس تافاريز، أن تصل نسبة صناعة أجزاء وقطع السيارة محليا 35 في المئة في 2026 بعد إضافة الهيكل المعدني والطلاء.
وأكد على أننا “أنجزنا مصنعا في وقت قياسي وهو عام واحد بقدرة إنتاجية تصل إلى 90 ألف سيارة في السنة ما يدل على ثقتنا بالسوق الجزائرية، وأن المجموعة فتحت 50 معرض بيع يديرها 900 موظف لبيع 9 طرز من علامتي فيات وأوبل وتم استيراد 75 ألف سيارة فيات و3 آلاف من أوبل، لطرحها في السوق الجزائرية خلال 2023 قبل افتتاح المصنع”.