مستقبل بريطانيا داخل أفريقيا يمر عبر الصحراء المغربية
لندن واعية بأن بوابة أفريقيا تمر من خلال المغرب وبشكل خاص عبر الصحراء المغربية، هذا المتغير الجيوإستراتيجي شكل جوهر رسالة النائب البريطاني ليام فوكس إلى وزير الشؤون الخارجية ديفيد كامرون، يحثه فيها على ضرورة اتخاذ “موقف أكثر فاعلية ودعما” من قبل المملكة المتحدة بشأن قضية الصحراء والسير على منوال أقرب حلفائها مثل الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإسبانيا وهولندا، والذين يدعمون، جميعهم، مبادرة الحكم الذاتي، توجه يعززه عضو مجلس اللوردات البريطاني ستيوارت بولاك، بقوله “إن الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه هو الموقف الصائب الذي يجب اتخاذه وسنشجع الحكومة البريطانية على اتباع نفس المسار”.
هنا تكمن الأهمية الإستراتيجية للصحراء المغربية التي يفصل فيها النائب المحافظ عندما يربط دعم بلده للمبادرة المغربية للحكم الذاتي، ليس فقط بتعميق العلاقات الدبلوماسية لأن هذا المحدد الدبلوماسي موجود لقرون طويلة، ولكن صياغته من منطلق السلام والتعاون الدولي، أي أن هذه الرقعة الحيوية من القارة الأفريقية يجب أن تكون مستقرة وآمنة لأنها مساحة للتبادلات التجارية وممرات للمواد الحيوية كالطاقة وغيرها نحو أوروبا.
نفهم هذا من كلام النائب البريطاني ليام فوكس، عندما يؤكد أن “المغرب أظهر دائما أنه فاعل محوري وحليف للمملكة المتحدة، خصوصا في المجالات ذات الاهتمام المشترك مثل الأمن والتجارة والدبلوماسية”، وأن لندن تعي بأن المغرب يملك وزنا ونفوذا وتواجدا داخل القارة السمراء، ويتحرك من خلال رؤيته الخاصة التي تتقاطع في أبعادها الكبرى مع مصالح الدول الكبرى منها لندن وواشنطن على وجه خاص، دون أن ننسى القوى الأخرى ضمن خطة تنويع الشركاء.
◙ من الناحية الجيوسياسية، النهج المنسق للبلدين مع الحلفاء الآخرين هو وحده القادر على ضمان قدرة المملكتين معا على مواجهة هذه التحديات بنجاح، وهذا كله يمر من الصحراء المغربية
النائب البريطاني يبحث بالضرورة عن مصالح بلده، وهذا لا يمنع من توسيع دائرة المنفعة، فلندن لم تكن يوما مقصية من طاولة اللاعبين الكبار الذين يشكلون القرار العالمي سياسيا واقتصاديا وتجاريا، فبعدما فككت ارتباطها المؤسساتي بهياكل الاتحاد الأوروبي بدأت المملكة المتحدة في إعادة تشكيل قراراتها وإستراتيجياتها كوسيلة للمنافسة مع القوى الأخرى داخل وخارج القارة الأفريقية، ما يدفعها إلى زيادة التركيز على التجارة والاقتصاد مع اللاعبين الأفارقة الكبار بشكل خاص.
أفريقيا منطقة مزدحمة للغاية بالمتنافسين الدوليين على النفوذ الاقتصادي والسياسي والاستثمار في تملك الموارد الطبيعية، لهذا نرى أن فكرة تشبيك العلاقات متعددة المنافذ مع المغرب ستكون قادرة على التوجه لتطوير العلاقات التجارية مع دول غرب أفريقيا إلى جانب كينيا ونيجيريا وجنوب أفريقيا، والمنافسة مع الاقتصادات الكبرى بكل أريحية خصوصا مع تضاعف المبادلات التجارية بين البلدين إلى مستويات مهمة إضافة إلى مشاريع تخص الطاقة النظيفة.
صانع القرار البريطاني يقرأ إستراتيجيا أن الموقع الإستراتيجي واستقرار البلد يجعلان منه شريكا ثمينا في منطقة يطبعها اللايقين، كما أكد فوكس، فهو هنا يتحدث عن ثلاث نقاط أساسية: التزام المغرب في بمكافحة التهديدات الإقليمية، فضلا عن نموه الاقتصادي ووزنه القاري، وهذا ما يتيح فرصا عديدة للحكومة والشركات البريطانية.
الأهداف المشتركة تتمثل في الأمن والسلم والتنمية والتجارة بالقارة الأفريقية، لهذا يدافع طيف واسع من السياسيين البريطانيين عن أهمية تعزيز التحالف مع المغرب في ظرفية تتسم بتقلبات عالمية وسيناريوهات دبلوماسية متغيرة، لا يريدها الطرفان المغربي والبريطاني أن تكون نسخة طبق الأصل للترتيبات القديمة التي كانت قائمة مع بعض الدول الأوروبية التي تأسست على المنطق الاستعماري الاستغلالي.
◙ القادة في لندن يتطلعون إلى التعاون مع المغرب كأول مستثمر أفريقي في غرب أفريقيا، وبطرق مختلفة لإدارة العديد من القضايا الأمنية والتجارية والاقتصادية في غرب أفريقيا وغيرها من المناطق
الموقع الجيوإستراتيجي للمغرب على واجهتي الأطلسي والبحر المتوسط من خلال ميناء طنجة المتوسطي أكبر ميناء على البحر المتوسط وفي أفريقيا من حيث القدرة، والذي يقع على مضيق جبل طارق، وأهمية موارد الطاقة في غرب أفريقيا، والتخفيف من التهديدات الأمنية المتزايدة بمنطقة الساحل والصحراء وعدد من الدول الأفريقية، تعد أسبابا موضوعية لفتح مجالات التنسيق والتعاون على أفق واسع.
لا بد من التذكير بأن لندن تعي جيدا الأهمية الوجودية للصحراء عند الدولة المغربية، ما جعل محكمة الاستئناف في مايو 2023 ترفض بشكل حاسم طلب الاستئناف المقدم من المنظمة غير الحكومية الموالية للانفصاليين “WSC” ضد قرار سابق للمحكمة الإدارية ورفض طلبها الذي حاول التشكيك في اتفاقية الشراكة التي تربط المغرب بالمملكة المتحدة، وعقدت المملكتان في نفس الشهر الدورة الرابعة لحوارهما الإستراتيجي في الرباط، وهي فرصة أكدت لندن خلالها أن هذه الشراكة ستزداد قوة، خاصة أنها تتوسع إلى عدد من القطاعات الرئيسية.
بالعودة إلى غرب البحر المتوسط والمحيط الأطلسي فهي منطقة حيوية للتجارة البحرية في المواد الخام والسلع بين أوروبا وأفريقيا، وتموقع المملكة المتحدة في هذه المنطقة مفيد لسياستها الأفريقية، وهذا ما دفع سياسييها إلى الضغط في اتجاه المرور إلى السرعة الأخرى في العلاقات مع المملكة المغربية، واتخاذ خطوة متقدمة بالاعتراف بسيادتها على الصحراء سيمكنها بسلاسة أن تبدأ في النظر إلى التعاون الأطلسي الشامل.
لم تكن خطوة العاهل المغربي الملك محمد السادس في نوفمبر الماضي، بفتح الطريق نحو الأطلسي أمام مجموعة دول الساحل (مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد)، إلا استشرافا مبنيا على رؤية ودراسة أخذت القيادة المغربية وقتها في الإعداد والتقييم والتقديم لهذا المشروع الإستراتيجي، الشيء الذي تنبه له المسؤولون في المملكة المتحدة دون شك لاستغلال الفرصة والذهاب بعيدا في توثيق الصلة مع المغرب الذي وصفه النائب البريطاني بالحليف والشريك، في إطار المصالح الجيواقتصادية والأمنية المتزايد للمملكة المتحدة في غرب أفريقيا.
◙ لندن تعي بأن المغرب يملك وزنا ونفوذا وتواجدا داخل القارة السمراء، ويتحرك من خلال رؤيته الخاصة التي تتقاطع في أبعادها الكبرى مع مصالح الدول الكبرى منها لندن وواشنطن على وجه خاص
علاوة على ذلك، يعد شمال وغرب أفريقيا منطقة حاسمة بالنسبة إلى الأهداف الإستراتيجية طويلة المدى للمملكة المتحدة في أفريقيا، ونذهب بعيدا في التحليل بأن أهداف المملكتين متقاربة تجعل العلاقة وثيقة بين التحديات الجيوسياسية والاقتصادية والأمنية التي تواجه البلدين وهي أكثر وضوحا من أي وقت مضى، تساهم في إعادة تشكيل المنطقة وتحويلها إلى شريان حيوي مع تمكين دولها من التحكم في ثرواتها ومستقبلها.
من الناحية الجيوسياسية، النهج المنسق للبلدين مع الحلفاء الآخرين هو وحده القادر على ضمان قدرة المملكتين معا على مواجهة هذه التحديات بنجاح، وهذا كله يمر من الصحراء المغربية، فاعتراف الحكومة البريطانية بسيادة المغرب على صحرائه على غرار دول أخرى يفتح الباب أكثر للتعاون وتحقيق الأهداف في ظل التقييم الشامل للتعاون الأمني والعسكري والاقتصادي والثقافي، الذي يباشره الطرفان في هذه المرحلة.
في سياق عدم الاستقرار المتزايد فالصين الشريك التجاري الرائد لأفريقيا، وروسيا منافسان شرسان للمملكة المتحدة على النفوذ في المنطقة، ومن غير المرجح أن تتعاون المملكة المتحدة وروسيا، لهذا يتطلع القادة في لندن إلى التعاون مع المغرب كأول مستثمر أفريقي في غرب أفريقيا، وبطرق مختلفة لإدارة العديد من القضايا الأمنية والتجارية والاقتصادية في غرب أفريقيا وغيرها من المناطق.