مخاطر القيود الأوروبية الجديدة على الهجرة واللجوء
ملف الهجرة واللجوء كان طوال السنوات الماضية الشاغل الأكبر في دوائر صنع القرار الأوروبي، إلا أن عام 2023 شكل جرس إنذار مع الإعلان عن أنه العام الأسوأ من حيث مواجهة العدد الأكبر من حالات وصول المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا منذ عام 2015.
تصاعد ملف الهجرة واللجوء على رأس أجندة المؤسسات الأوروبية، إذ استضافت بروكسل على مدار الشهور الماضية اجتماعات لوزراء داخلية التكتل الأوروبي بهدف التوصل إلى اتفاق لإصلاح سياسات الهجرة واللجوء الأوروبية، وكانت الاجتماعات تشهد مفاوضات ماراثونية وسط خلافات سياسية وحقوقية، إلا أن مع انعقاد دورة مجلس العدل والشؤون الداخلية في يونيو الماضي، تم التوصل إلى اتفاق بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على تأسيس موقف تفاوضي بشأن الميثاق المقترح للهجرة واللجوء، والذي طُرح في سبتمبر 2020، أملا في التوصل إلى اتفاق جديد بحلول نهاية العام.
وهكذا، شهدت القارة الأوروبية “لحظة فارقة” في تاريخها في العشرين من ديسمبر الماضي بعد أن توصل الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق سياسي بشأن إصلاح واسع لنظام الهجرة واللجوء، ينهي أكثر من سبع سنوات من المفاوضات المشحونة حول كيفية تشديد النظام وتقاسم المسؤولية، وفي الوقت ذاته، أقر البرلمان الفرنسي تشريعا جديدا بشأن الهجرة، بموجبه سيتم تشديد شروط استقبال الأجانب في فرنسا، الأمر الذي أثار جدلا واسعا في فرنسا ما بين ارتياح اليمين المتطرف، والذي اعتبر الخطوة بمثابة انتصار أيديولوجي، وانزعاج اليسار والخضر ويمين الوسط من أن القانون سيضر بالمهاجرين غير النظاميين.
ويقول أندرو ألبير شوقي، الباحث في الشؤون الدولية والإستراتيجية، في تقرير نشره موقع المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة إن ما بين بروكسل وباريس يبدو أن المزاج العام في دول الاتحاد الأوروبي بات يركّز على ضرورة ألّا تتكرر أزمة عامي 2015 و2016 عندما دخل إلى أوروبا قرابة مليون شخص، معظمهم من الشرق الأوسط.
إجراءات مشددة
ثمة دلالات تشير إلى أن الاتفاق السياسي الأوروبي سوف يقود أوروبا نحو المزيد من تشديد قوانين الهجرة واللجوء، وبالتالي، تشديد الإجراءات الأمنية على الحدود الأوروبية، ويتضمن الاتفاق الأوروبي الجديد سلسلة من النصوص تقضي بالمزيد من مراقبة عمليات وفود المهاجرين إلى الاتحاد الأوروبي، فمن خلال هذا الاتفاق، سوف تتم إقامة مراكز مغلقة بالقرب من الحدود الخارجية للاتحاد لإعادة الذين تُرفض طلباتهم للجوء بسرعة أكبر، وبمقتضى هذا الاتفاق سوف يقوم الاتحاد الأوروبي بزيادة جهوده في مجال حماية الحدود وتكثيف التعاون مع دول ثالثة، وبالتالي، ضمان الأمن على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي.
وكانت المشكلة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي هي اختلاف تعريف “آلية التضامن” من حكومة إلى أخرى، وكذلك تباين وجهات النظر بشأن المحاصصة في توزيع اللاجئين بين الدول الأعضاء، إلا أن الاتفاق الجديد يقضي بحزمة من التدابير التي من شأنها أن تنشئ إطارا مشتركا للتعامل مع اللاجئين، إذ ستكون المعايير أكثر صرامة وموحدة لتسريع عمليات اللجوء في جميع بلدان التكتل القاري، بدلا من المماطلة والتأخر بسبب تباين السياسات الحكومية.
◙ الاتفاق الأوروبي قد يعد إنجازا سياسيا لكنه أهمل الأسباب المتأصلة وراء تصاعد موجات الهجرة واللجوء
ولا يؤدي الاتفاق إلى إصلاح كبير في نظام دبلن، الذي ينص على أنه يجب على الأشخاص طلب الحماية في الدولة التابعة للاتحاد الأوروبي التي يدخلونها أولا، مما يضع عبئا أكبر على دول مثل إيطاليا واليونان. وبدلا من اشتراط نقل طالبي اللجوء من بلدان الجنوب إلى بلدان الشمال التي يقل عدد الوافدين إليها، فإن هذا النقل سيصبح الآن طواعية، إذ يمكن للدول الأعضاء التي ترفض استقبال المزيد من المهاجرين أن تدفع بدلا من ذلك تعويضات مالية، إما إلى دولة عضو تستضيف أعدادا أكبر أو إلى دول خارج الاتحاد الأوروبي تدعم الجهود الرامية إلى الحد من تدفقات الهجرة.
وعلى الصعيد الفرنسي، تضمن قانون الهجرة الفرنسي بنودا تعكس المزيد من الصرامة في التعامل مع الأجانب والمهاجرين، إلى درجة أن منتقديه اعتبروه يحمل في طياته روح اليمين المتطرف. وأوضح القانون أنه بمجرد رفض طلب اللجوء لأجنبي يجب على السلطة الإدارية إصدار قرار بوجوب مغادرة الأراضي الفرنسية بحقه، إلا إذا قررت السلطات منحه حق الإقامة لسبب آخر، ويتزامن مع هذا الإجراء تعليق الرعاية الطبية للأجانب الذين تم رفض حقهم في اللجوء بشكل نهائي، وفي هذا الصدد، أضر القانون بفئات من الأجانب كانت تتمتع بالحماية سابقا وهي: الأجانب الذين وصلوا قبل سن الـ13 عاما إلى الأراضي الوطنية، وأولئك الذين لديهم روابط عائلية في فرنسا، والمرضى الذين يحتاجون إلى رعاية طبية، والأجانب المقيمون بانتظام في فرنسا منذ أكثر من 20 عاما، وأيضا مواطنو الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
وسيتم تشديد شروط السماح للأجنبي بإحضار عائلته إلى فرنسا، إذ أقر القانون الجديد زيادة فترة الانتظار للموافقة على طلب الأجنبي بإحضار أسرته إلى 24 شهرا بدلا من 18 شهرا في القانون القديم. وسيتعين عليه إثبات أن لديه موارد “منتظمة ومستقرة وكافية”، كما أفسح القانون للسلطات إذا اشتبهت بوجود احتيال في طلب لم شمل، أن
تطلب من عمدة البلدية التي يقيم فيها مقدم الطلب التحقق من “ظروف السكن والموارد في الموقع”. كما ألزم القانون الأشخاص المدعوّين عبر لم الشمل، إثبات معرفة باللغة الفرنسية مما يسمح لهم على الأقل بالتواصل بطريقة أولية. ووضع القانون قيودا على الأجانب العاطلين عن العمل، إذ يتعين عليهم قضاء 5 سنوات في فرنسا قبل أن يصبحوا مؤهلين للحصول على المساعدة، وفي ما يتعلق بمنح السكن، حدد القانون شرط الإقامة بـ5 سنوات لأولئك الذين لا يعملون، و3 أشهر فقط للعاملين.
ورفض المشرعون الفرنسيون منح الجنسية الفرنسية لأبناء المهاجرين بشكل تلقائي، وبالتالي، أقر النص الجديد أن الشخص المولود في فرنسا من أبوين أجنبيين يجب أن يتقدم بطلب للحصول على الجنسية الفرنسية بين سن 16 و18 عاما، وفي حالة الإدانة بارتكاب جرائم فإن أي تجنيس لأي شخص أجنبي وُلد في فرنسا بات أمرا مستحيلا.
دوافع كامنة
ونص القانون على إنشاء وديعة تأمين تصل إلى 3070 يورو يتم إيداعها من قبل الأجانب الذين يطلبون تصريح إقامة “طالب”، بهدف تغطية “تكاليف” النقل المحتملة. ويلزم القانون المتقدمين بطلب الحصول على الجنسية الفرنسية بالتوقيع على “عقد التزام باحترام مبادئ الجمهورية” والتي تشمل “الحرية الشخصية، وحرية التعبير والضمير، والمساواة بين المرأة والرجل واحترام شعار الجمهورية ورموزها”.
وأكد القانون أنه سيتم ترحيل مرتكبي الجرائم إلى بلدانهم الأصلية في أسرع وقت ممكن، كما سيتم سحب الجنسية الفرنسية من الأفراد مزدوجي الجنسية الذين يرتكبون جرائم خطرة. ويتضمن القانون بندا يدعو إلى تحديد عدد الأجانب المسموح لهم بالدخول إلى فرنسا على مدى السنوات الثلاث المقبلة، وذلك لاعتبارات اقتصادية.
يعود التطلع إلى إصلاح قوانين الهجرة واللجوء على المستوى الوطني أو على مستوى التكتل القاري بالأساس إلى تنامي شعبية اليمين المتطرف داخل أوروبا. وعلى الصعيد الوطني، كان إلى حد كبير بسبب قضايا الهجرة واللجوء، الأمر الذي أثار مخاوف أحزاب يمين الوسط الحاكمة من فقدان ناخبيها وتكبد المزيد من الخسائر الانتخابية.
◙ التطلع إلى إصلاح قوانين الهجرة واللجوء يعود بالأساس إلى تنامي شعبية اليمين المتطرف داخل أوروبا
وعلى هذا النحو، يمكن ملاحظة أن الدافع الرئيسي وراء إقرار قانون الهجرة الجديد هو الهاجس من فوز مارين لوبان، زعيمة حزب التجمع الوطني، في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2027، وبالتالي، صوت اليمين المحافظ مع بعض قيادات الوسط من حزب ماكرون لصالح نص القانون الجديد، تحت ذريعة أن القانون يدعم القيم الجمهورية، إلا أن الحقيقة هي أنهم يرغبون في استرجاع الناخبين الفرنسيين الذين انتقلوا من دائرة يمين الوسط إلى اليمين المتطرف.
وأما على صعيد التكتل القاري فإن الاتحاد الأوروبي يسعى إلى التوصل إلى اتفاق بشأن نظام اللجوء الأوروبي المشترك لمنع الفوز المحتمل والمخيف لليمين المتطرف في انتخابات البرلمان الأوروبي المقرر انعقادها في يونيو 2024. ومن الواضح أن مسؤولي الاتحاد الأوروبي لديهم مخاوف حقيقية من تصاعد نسبة ممثلي أحزاب اليمين المتطرف في البرلمان الأوروبي، إذ يقود ذلك إلى تراجع القيم الأوروبية مع تنامي الشكوك في فاعلية وديمقراطية المؤسسات الأوروبية.
ويحد الاتفاق السياسي الأوروبي حول إصلاح نظام الهجرة واللجوء بشدة من حقوق المهاجرين واللاجئين. وقد يكون الاتفاق الأوروبي إنجازا سياسيا، وقد يكون التشريع الفرنسي الجديد لحظة تاريخية لصالح الفرنسيين، إلا أن تلك الخطوات لم تأخذ في اعتبارها الأسباب المتأصلة وراء تصاعد موجات الهجرة واللجوء، إذ تغفل تزايد عدد الصراعات العسكرية حول العالم وبالتحديد في منطقتي الشرق الأوسط والساحل الأفريقي، فضلا عن تزايد عدد الأشخاص الذين سيضطرون إلى الفرار من الكوارث المناخية