سيكون المغرب خلال الفترة المقبلة على تماس دبلوماسي مع ستيفان سيجورني، الذي عُين وزيرا للشؤون الخارجية في الحكومة الفرنسية الجديدة، كونه مهندس الحملة التي شنت ضد المغرب من داخل برلمان الاتحاد الأوربي بخصوص مزاعم التجسس عبر برنامج “بيغاسوس” والادعاءات بأن المغرب يضيّق على حرية الصحافة وحقوق الإنسان، وذلك في فترة الأزمة غير المسبوقة بين الرباط وفرنسا.
ويعتبر سيجورني الأمينُ العام لحزب “النهضة” الذي أسسه الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون، من المتسببين الرئيسيين في تلك الأزمة. وقاد حملة لاستصدار قرارات ضد المغرب، أهمها توصية غير ملزمة تبناها البرلمان الأوروبي، في يناير 2023، بخصوص “تدهور حرية الصحافة في المغرب”.
وكان لحسن حداد، رئيس اللجنة البرلمانية المشتركة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، قد تحدث بشكل صريح عن أن ستيفان سيجورني لعب دورا كبيرا في هذا القرار، وكان من مهندسيه، ناسبا إياه أنه “جزء من الدولة العميقة في فرنسا، الذي لم تعجبه الانتصارات الأمنية والدبلوماسية للمغرب”.
وبعد فوز المملكة برئاسة المجلس الأممي لحقوق الإنسان في جنيف كتعبير عن المجهود الايجابي الذي يقوم به المغرب، إضافة إلى المبادرات التي قام بها عدد من المسؤولين الفرنسيين لتقريب وجهات النظر بين البلدين لتجاوز الأزمة الدبلوماسية غير المسبوقة بين الرباط باريس التي طال أمدها، سيكون على سيجورني أن يقوم بتغيير في محددات سياسته ومواقفه السابقة من المملكة في ظل حكومة الوزير الأول الجديد غابرييل أتال.
واعتبر خالد شيات أستاذ العلاقات الدولية بجامعة مراكش أن ما قام به سيجورني داخل البرلمان الأوروبي، بعدما انتخب عضوا في يوليو 2019، يعبر عن بعض التوجهات التي تقول إن فرنسا قادرة على إيلام المغرب من داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي للضغط عليه في تلك الأثناء.
ووزير الخارجية الفرنسي الجديد من المقربين من ماكرون وجزء من الأغلبية الداعمة له وسبق أن عمل مستشارا له نهاية عام 2020 إلى أكتوبر 2021، كما كان مسؤولا عن جمع التبرعات لحملته في الانتخابات الرئاسية سنة 2017.
وأكد شيات، في تصريح لـه أن سيجورني سيكون عليه التعامل مع ملفات حقيقية وليس ملفات مرتبطة بالدعاية السياسية، لافتا إلى أن هناك ملفات مهمة كالهجرة والأمن والاقتصاد والاستثمار ستحدد طبيعة العلاقة بين المغرب وفرنسا في المرحلة المقبلة عنوانها المصالح التي يمكن أن تجنيها باريس، إما بالمزيد من التقارب مع الرباط مع وجود مؤشر إيجابي بعودة السفيرة المغربية إلى باريس، أو بالمزيد من التباعد.
وكان غابرييل أتال، باعتباره ناطقا رسميا باسم الحكومة السابقة، قد زاد من تشنج العلاقات الثنائية بين باريس والرباط أثناء أزمة التأشيرات ووصفه قرار تقليص التأشيرات إلى النصف بالنسبة إلى مواطني المغرب بـ”الصارم وغير المسبوق والضروري”، ما جعل وزيرة الخارجية السابقة كاثرين كولونا تزور المغرب لتؤكد أن باريس اتخذت إجراءات من أجل العودة إلى تعاون كامل مع الرباط في مجال الهجرة.
واتهم أتال المغرب والجزائر وتونس بأنها ترفض استعادة مواطنيها الذين تريد فرنسا ترحيلهم. وأضاف بأن مواقف الدول الثلاث “تبطئ فعالية” عمليات الترحيل من الأراضي الفرنسية عند صدور قرارات في هذا الصدد. وتابع “حصل حوار ثم وجهت تهديدات. اليوم ننفذ التهديد”.
ويرد عليه وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة بالقول إن هذا الأمر “غير مبرر” وإن حججه “غير حقيقية”، مشددا على أن الرباط “لن تغير قوانينها” إرضاء للحكومة الفرنسية.
ولفت شيات إلى أن هناك إشارات إيجابية تفيد بأن باريس مازالت تحافظ على موقفها من الوحدة الترابية للمملكة داخل مجلس الأمن، رغم أن المغرب يطالبها بالدعم المباشر لسيادته على الصحراء، وبالتالي فموضوع الوحدة الترابية ملف حساس في طبيعة العلاقات الثنائية ومطلوب من الدبلوماسية الفرنسية تجاوز المرحلة السابقة بالسير على نهج دول أخرى ودعم مقترح الحكم الذاتي.
من جهته يعتقد محمد لكريني أستاذ العلاقات الدولية المغربي أن عودة العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وفرنسا إلى حالتها الطبيعية ترتبط أساسا باحترام مجموعة من المبادئ التي تضمنتها مواثيق القانون الدولي، وعلى رأسها احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية ووحدة أراضيها، بمعنى أنه إذا أرادت باريس استمرار العلاقات الثنائية وتطويرها في المجالات الاقتصادية والتنموية والأمنية فهذا الأمر يتطلب عدم تجاوز تلك المبادئ.
وضمت التشكيلة الحكومية الجديدة في فرنسا، رشيدة ذاتي، عمدة الدائرة السابعة في باريس، ووزيرة العدل، حارسة أختام الجمهورية سابقا في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي، حيث جرى تعيينها وزيرة للثقافة، وهو الأمر الذي دفع حزبها “الجمهوريون”، إلى اتخاذ قرار بفصلها بسبب عدم التزامها بصف المعارضة.
وكانت ذاتي من بين مهندسي التقارب بين زعيم حزب “الجمهوريون” إريك سيوتي، والمغرب خلال فترة الأزمة بين الرباط وقصر الإليزيه، حيث رافقته إلى المملكة خلال زيارة قادته للقاء رئيس الحكومة عزيز أخنوش باعتباره رئيسا لحزب التجمع الوطني للأحرار، ووزير التجهيز والماء نزار بركة بوصفه أمينا عاما لحزب الاستقلال، والتي أعلن في أعقابها بشكل صريح أن “سيادة المغرب على الصحراء لا جدال فيها”.