تحدي الجزائر للغرب في مجلس الأمن: استعراض لن يدوم طويلا
عبرت الجزائر عن رفضها للضربات العسكرية التي استهدفت بها الولايات المتحدة وبريطانيا معاقل الحوثيين في اليمن، كما امتنعت عن التصويت على قرار مجلس الأمن ذي الصلة بالوضع في البحر الأحمر، ما يعكس تحديا ظاهريا للقوى الغربية يستبعد محللون أن يستمر طويلا.
وأعرب بيان لوزارة الخارجية عن “قلقها (الجزائر) البالغ وأسفها، جراء القصف الأميركي البريطاني الذي طال عدة مدن في الجمهورية اليمنية الشقيقة”.
وأكد على أن “هذا التصعيد الخطير سيؤدي إلى تقويض الجهود التي بذلتها الأمم المتحدة ودول المنطقة من أجل إيجاد حل للصراع في اليمن”.
ويتطلع المراقبون إلى مدى قدرة الجزائر على الصمود أمام نفوذ وضغوط القوى الغربية، التي تريد رسم خارطة معينة للعالم، خاصة وأن الاتصالات في هذا الشأن تصاعدت في الآونة الأخيرة بين عواصم القوى الغربية والجزائر من أجل بلورة قواسم مشتركة تضفي حالة من السلاسة على عمل مجلس الأمن.
وكان معهد واشنطن للأبحاث والدراسات قد أشار إلى أن “ولاية الجزائر في مجلس الأمن ستكون مثيرة، ويمكن أن تؤثر على أداء الأعضاء غير الدائمين في اتجاه بعض الملفات والقضايا، خاصة وأنه بإمكان آليات العمل الرسمية وغير الرسمية داخل المجلس أن تمنحها بعض النفوذ”.
ورشح التقرير أن تؤدي الجزائر دورا لافتا في ملفات فلسطين وأوكرانيا والصحراء المغربية، خاصة مع إمكانية حدوث تغيرات وتبدّل موازين القوى داخل مجلس الأمن، بالنسبة إلى الأعضاء غير الدائمين الذين بإمكانهم اكتساب صلاحية النقض، لاسيما وأن عددهم تسعة أعضاء من ضمن 15 عضوا.
غير أن متابعين للشأن الجزائري يرون أن تحمّس الجزائر لأداء دور قومي بارز داخل مجلس الأمن لن يصمد طويلا أمام آلة القوى الغربية المؤثرة في الشأن الجزائري، كما هو الشأن بالنسبة إلى فرنسا والولايات المتحدة، فضلا عن أن الانحياز الكلي للمعسكر الروسي غير متاح وغير مجد لها، خاصة بعد خيبة الانضمام إلى مجموعة البريكس، الأمر الذي سيحتم عليها عدم الابتعاد عن القوى المذكورة، ولو تطلب ذلك تقديم بعض التنازلات.
تحمّس الجزائر لأداء دور قومي بارز داخل مجلس الأمن لن يصمد طويلا أمام آلة القوى الغربية المؤثرة في الشأن الجزائري
ويستكمل موقف الجزائر المعارض لاستهداف الحوثيين مواقف سابقة حيث رفضت المشاركة في الحلف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن بقيادة السعودية كما رفضت تصنيف حزب الله اللبناني تنظيما إرهابيا.
وأضاف بيان الخارجية أن الجزائر “تؤكد على أن مسألة الأمن البحري في البحر الأحمر لا يمكن معالجتها بتجاهل الرابط الواضح الذي يراه الجميع بين هجمات الحوثيين على السفن التجارية وما يرتكبه الاحتلال الصهيوني من مجازر في قطاع غزة منذ ثلاثة أشهر وما أثاره هذا العدوان الظالم من مشاعر في العالمين العربي والإسلامي بسبب القصف العشوائي للسكان المدنيين الأبرياء”.
وتابع قائلا “وإذ تؤكد الجزائر مجددا موقفها الداعي إلى وقف التدخلات العسكرية لما لها من نتائج كارثية على السلم في العالم ويدفع ثمنها المدنيون العزل، فإنها تناشد جميع الأطراف وقف هذا التصعيد العسكري الخطير وغير المتناسب والتركيز على معالجة الأسباب الجذرية والحقيقية للأزمة”.
وكانت الجزائر قد امتنعت عن التصويت على مشروع قرار لمجلس الأمن يُدين هجمات الحوثيين على السفن التجارية وسفن النقل في البحر الأحمر، حيث أعرب سفير الجزائر لدى الأمم المتحدة عمار بن جامع عن الأسف لعدم الأخذ بعين الاعتبار عنصرين مهمين في مشروع القرار.
وفي كلمة له حول أسباب امتناع بلاده عن التصويت أوضح أن بلاده “تؤمن بأن أي تدخل عسكري في المنطقة وخاصة في اليمن يجب أن يتم التعامل معه بأقصى درجات الحيطة، ومثل هذا التدخل قد يحمل مخاطر تقويض الجهود التي بذلتها الأمم المتحدة في السابق من كل الوكالات، وخاصة من المبعوث الأممي لليمن هانس غروندبرغ”. وأضاف أن “المفاوضات الأخيرة بين السعودية والحوثيين ولدت قدرا كبيرا من الأمل في المنطقة بشأن احتمال حل الصراع في اليمن”.
ولفت إلى أن “الوفد الجزائري عمل مع مقدمَي مشروع القرار كي يتسنى للمجلس عدم تجاهل الرابط الواضح الذي يراه الجميع بين هجمات الحوثيين على السفن التجارية وما يحدث منذ ثلاثة أشهر في غزة”.
وأكد على ضرورة عدم تجاهل مجلس الأمن المشاعر التي أثيرت في العالمين العربي والإسلامي بسبب القصف العشوائي الذي استهدف السكان المدنيين الأبرياء، “ولذلك فضلنا الامتناع عن التصويت لأننا لا يمكن أن نرتبط بنص يتجاهل 23 ألف شخص لقوا مصرعهم خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة في غزة”.
ووافق مجلس الأمن الدولي على مقترح الجزائر الذي يرفض التهجير القسري للفلسطينيين، الأمر الذي ستعتبره إنجازا كبيرا حققته لصالح القضية الفلسطينية، ولا يستبعد أن توظفه في الدعاية السياسية الداخلية لتمرير أجندة السلطة.