سقوط رؤس كبيرة..هل يُنهي المغرب زمن إفلات المفسدين من العقاب؟
بات واضحا أن مسطرة الإحالة على النيابة العامة التي باشرها مؤخرا المجلس الأعلى للحسابات بوتيرة سريعة، وكان آخرها إحالة ملفات تكتسي طابعا جنائيا، أصبحت تضيق الخناق على ناهبي المال العام، حيث سقط منذ نونبر الماضي العديد من الرؤوس الكبيرة، بتهم جنائية ثقيلة تتعلق بالفساد و تبديد الأموال العمومية.
النائب الأول للوكيل العام للملك لدى استئنافية فاس المكلف بالبت في جرائم الأموال قرر متابعة 5 أشخاص في حالة اعتقال احتياطي، من أصل 9 أشخاص مثلوا أمامه، نهاية الأسبوع المنصرم، بشبهة التلاعب في برنامج “أوراش”بمدينة فاس.
وبفاس أيضا برمجت غرفة الجنايات الابتدائية لجرائم الأموال في نونبر الماضي، ملفين فقط للبث فيهما ، يتعلقان باختلاس وتبديد أموال عامة من ميزانية وبرامج ومشاريع الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين، والفساد المالي والإداري بجماعة فاس، ويتابع فيهما أكثر من 33 متهم نسبة مهمة منهم مسؤولون بالأكاديمية والجماعة.
وأفضت نتائج الأبحاث المنجزة تحت إشراف هذه النيابة العامة للكشف عن الأشخاص المشتبه تورطهم مع أحد المعتقلين من جنسية أجنبية، توبع في إطار قضية تتعلق بالاتجار الدولي في المخدرات (قضية اسكوبار الصحراء)، إلى تقديم 25 شخصاً أمام النيابة العامة، من بينهم من يتولى مهام نيابية أو مسؤولية جماعات ترابية أو مكلف بإنفاذ القانون بالإضافة إلى أشخاص آخرين ارتكبوا افعالاً لها ارتباط بالموضوع.
وأحال الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى للحسابات، خلال الفترة ما بين سنة 2022 إلى متم شهر أكتوبر 2023، ثمانية عشر (18) ملفا ذات صبغة جنائية على الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة، وذلك قصد اتخاذ المتعين بشأنها.
ووقف التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم 2022-2023، على بعض الأفعال التي تكون موضوع متابعات أمام المحاكم المالية، والتي تندرج أيضا ضمن جرائم الاعتداء على المال العام، استنادا إلى منطوق المادة 111 من مدونة المحاكم المالية التي تؤكد أن المتابعات أمام المحاكم المالية لا تحول دون ممارسة الدعوى الجنائية.
في هذا السياق، أكد محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، أن القضاء لابد أن يلعب دوره في تخليق الحياة العامة، والتصدي لقضايا الفساد المالي المتعلقة باختلاس وتبديد الأموال العمومية.
وسجل المحامي بهيئة مراكش، ضمن تصريح لـه أن المشرّع المغربي، اعتبر هذه الجرائم “خطيرة”، و تمس بالثقة العامة، مشددا على أن قضاء المجلس الأعلى للحسابات والنيابة العامة مطالبون بالتصدي بحزم وشجاعة لمن أسماهم بمختلسي ولصوص المال العام، إضافة إلى إصدار عقوبات قضائية، تتناسب وخطورة هذه الأفعال، وكذا اتخاد إجراءات وتدابير لضمان استرجاع الأموال المنهوبة أو المختلسة.
ونبه الغلوسي إلى العديد من الملاحظات فيما يخص القضايا المتعلقة بالفساد المالي، معتبرا أن ملفات الفساد المفتوحة أمام محاكم المملكة، تستغرق وقتا طويلا خلال مراحل البحث والتحقيق والمحاكمة، حيت هناك ملفات يصل زمن البت إلى 10 سنوات، في مقابل تسجيل صدور “أحكام مخففة” لا تتناسب وخطورة جرائم الفساد المالي.
وأشار رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، إلى أن المتابعات التي تقع حول هذه الجرائم، تتعلق فقط بالمنتخبين والموظفين دون غيرهم، مسجلا أن القضايا المتعلقة بنهب المال العام معظمها تهم ” صغار الموظفين” والمقاولين وكذا المنتخبين.
ولاحظ الغلوسي، أن أغلب المتابعات في قضايا المال العام ، يتم تمتيع المتورطين في بحالة سراح، مع الحكم باسترجاع الأموال التي تبت اختلاسها، قبل أن يستدرك “لكن إمكانية التنفيذ من أجل الاسترجاع تبقى محدودة، وهو ما يتطلب القيام بإجراءات وتدابير أكثر نجاعة، لضمان استرجاع الأموال المنهوبة والمختلسة.
وبخصوص الشكايات التي تقدمت بها الجمعية المغربية لحماية المال العام، كشف الغلوسي أن أغلبها تضمنت ا”ختلالات وتجاوزات” في الصفقات العمومية، بالنظر إلى أن هذه الصفقات تشكل مجالا خصبا لاختلاس الأموال العمومية، لافتا أن المسؤولين يستغلون إمكانية إبرام صفقات عمومية، ليعمدوا بطرق متعددة من خلال سلطتهم إلى التلاعب في هذه الصفقات، قبل و بعد نيل الصفقة.
وأوضح المحامي بهيئة مراكش، أن نظام الاستشارة الذي يوضع قبل الصفقة، يوضع على مقاس الشركات والمقاولات التي يريدها المسؤول أن تفوز بالصفقة، حيث يتبين ذلك من خلال الشروط التي تضمنها هذا النظام لتعبيد الطريق أمام الشركات المحظوظة للفوز بهاته الصفقة.
وتابع الغلوسي، أنه،” بعد نيل الصفقة من طرف المقاولة تحصل تلاعبات أخرى، سواء تعلقت بحجم الأشغال أو بجودتها، أو في إصدار أوامر بالتوقف عن العمل، أو استئنافه، وغيرها من التلاعبات الأخرى التي تحدث وتتسبب في هدر أموال عمومية، ينتج عنها فشل الأشغال أو عيوب في الإنجاز”.
هذا، وتطالب الجمعية المغربية لحماية المال العام، محاكمة لصوص المال العام والمفسدين واسترجاع الأموال المنهوبة والتصدي لتبييض الأموال “، معتبرة أن “معركة مكافحة الفساد والرشوة ونهب المال العام وتبييض الأموال وتهريبها الى الخارج وتخليق الحياة العامة وبناء أسس دولة الحق والقانون على قاعدة فصل السلط وربط المسؤولية بالمحاسبة، هي معركة مجتمعية تهم كافة الفاعلين والمؤسسات وكل شرائح المجتمع لما للفساد من خطورة على الدولة والمجتمع”.
وتؤكد جمعية “حماة المال العام”، وفق بلاغ لها” بنسخة منه، أن العديد من المؤشرات والتقارير أن حجم الفساد يزداد ويتعمق في كل مناحي الحياة العامة في ظل غياب ارادة سياسية حقيقية لمواجهته وتنصل الدولة والحكومة من التزامات المغرب الدولية والوطنية في مجال مكافحة الفساد والإثراء غير المشروع، يضاف إلى كل ذلك ضعف الترسانة القانونية والتشريعية الكفيلة بمكافحة هذه الآفة الخطيرة والتي تهدد كل مقومات التماسك الاجتماعي والتنمية المستدامة وحكم القانون’’.