الجزائر تبقي الغموض تجاه بلد عربي يهدد مصالحها في الساحل
أبقت الجزائر الغموض على موقفها تجاه بلد عربي تزعم تهديده لمصالحها في منطقة الساحل الأفريقي دون أن تسميه. واكتفت في بيان مقتضب، في ختام اجتماع المجلس الأعلى للأمن، بالتعبير عن أسفها لدور “بلد عربي شقيق”، وهو ما يقود إلى التساؤل عن خلفية هذا الغموض وما إذا كان مجرد تحذير أم هو تمهيد لخطوات أخرى هدفها التصعيد؟
وتناول المجلس الأعلى للأمن الجزائري في آخر اجتماع له، لأول مرة وبشكل رسمي، ما تردد في تقارير إعلامية وتصريحات سياسية أدلى بها قادة حزبيون حول تهديدات تطال مصالح الدولة في منطقة الساحل الأفريقي، ما يشير إلى دخول نظرية “المؤامرة” خانة التداول الرسمي المفتوح على جميع الاحتمالات.
وتزامن اجتماع المجلس مع الأزمة المفاجئة التي تفجرت خلال الأسابيع الأخيرة بين الجزائر والمجلس العسكري الحاكم في مالي، والتي وصلت إلى حد استدعاء السفراء، إلى جانب حملة شحن دبلوماسي وإعلامي في الجزائر وباماكو.
وذكر بيان للرئاسة الجزائرية أن “الرئيس عبدالمجيد تبون رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة وزير الدفاع الوطني، ترأس (الأربعاء) اجتماعا للمجلس الأعلى للأمن، خصّص لدراسة الوضع العام في البلاد، والحالة الأمنية المرتبطة بدول الجوار والساحل، وفي هذا الصدد أبدى المجلس الأعلى للأمن أسفه للتصرفات العدائية المسجلة ضد الجزائر، من طرف بلد عربي شقيق”.
بيان المجلس الأعلى للأمن الجزائري لم يكشف عن “البلد العربي الشقيق” وترك الباب مواربا أمام مختلف التكهنات
والمجلس الأعلى للأمن الجزائري هيئة دستورية تؤدي دورا استشاريا، وتتكون من كبار مسؤولي الدولة في الحكومة وقيادة أركان الجيش ومديرية الاستخبارات والأمن، وعادة ما يلتئم في الظروف الاستثنائية والطارئة، لكنه منذ قدوم الرئيس تبون إلى قصر المرادية في نهاية عام 2019 صار يلتئم بشكل دوري للنظر في مختلف القضايا والملفات الداخلية والخارجية.
وترك البيان الذي أصدره المجلس بشكل مقتضب العديد من التساؤلات؛ فهو إلى جانب أنه لم يكشف عن هوية “البلد العربي الشقيق” ترك الباب مواربا أمام مختلف التأويلات والتكهنات، فكما يمكن اعتباره رسالة عتاب وتحذير يراد لها أن تصل بعيدا عن التداول الإعلامي، يمكن اعتباره أيضا مقدمة لخطوات أخرى تصب في وعاء أزمة جديدة بين الطرفين.
وبات الوضع في منطقة الساحل مصدر قلق حقيقي للجزائر في أعقاب سلسلة الانقلابات العسكرية والتحولات السياسية في دول الجوار، قياسا بما يحمله من أخطار أمنية وإستراتجية على الشريط الحدودي بين الجزائر وهذه الدول، لاسيما في ظل الانتشار الواسع لشبكات الاتجار بالبشر والسلاح والتهريب والجماعات الجهادية.
وشكل تصدر نخب عسكرية للمشهد الرسمي في دول مجاورة كمالي والنيجر، بعقيدة سياسية جديدة تناهض أطراف النفوذ التقليدي وتنفتح على قوى إقليمية ودولية أخرى، تهديدا لرصيد متراكم بين الجزائر والدول المجاورة، بما في ذلك اتفاق المصالحة الوطنية في مالي الذي ترعاه الجزائر منذ عام 2015.
ويبدو أن دخول أطراف عديدة على خط الصراع في منطقة الساحل قد خلط أوراق الجزائر، بين القوى التي تراعي مصالحها في المنطقة وبين تلك التي تريد تجاوزها أو منافستها عليها، ولذلك بات تحرك أي طرف عربي صوب هذه الوجهة مصنفا جزائريا في خانة تهديد المصالح.
وانتهجت الجزائر خلال السنوات الأخيرة دبلوماسية وصفت بـ”المتشنجة”، ما أدخلها في سلسلة من الأزمات والتوترات بينها وبين محيطها الإقليمي والعربي، من ذلك مثلا الحملة التي قادتها وسائل إعلام جزائرية وبعض قادة الأحزاب ضد الإمارات من دون وجود أي مبرر واضح لها.
وزادت الحملة الجزائرية على الإمارات بعد زيارة العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى أبوظبي ولقاء القمة مع رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وما انتهى إليه اللقاء من اتفاقيات كبرى تدعم التوجه المغربي الجديد الذي يسعى لتحويل الصحراء المغربية إلى منطقة ربط بين العالم والدول الأفريقية.
وكانت تقارير إعلامية جزائرية قد اتهمت أبوظبي بالوقوف وراء العديد من الوقائع التي استهدفت أمن البلاد واستقرارها، الأمر الذي يرشح الإمارات لأن تكون هي “البلد العربي الشقيق”، الذي ورد في بيان المجلس الأعلى للأمن.
وسبق لزعيمة حزب العمال اليساري لويزة حنون أن اتهمت، عقب استقبالها مِن قِبَل الرئيس تبون في قصر المرادية، أبوظبي بتهديد المصالح الوطنية في الداخل والخارج، ودعت إلى وقف جميع أشكال التعاون الاقتصادي والتجاري مع الإمارات، بما فيها الاستثمارات التي تنفذها على الأراضي الجزائرية.
وذهب رئيس حركة البناء الوطني عبدالقادر بن قرينة إلى اتهام دولة الإمارات بـ”الضغط وابتزاز” دول وحكومات مجاورة، من أجل التضييق على الجزائر، والعمل على مد موجة التطبيع مع إسرائيل إلى المنطقة، كما حدث مع تونس، بحسب المتحدث.
وتتجاهل الإمارات الحملات الإعلامية الجزائرية المتكررة وتحافظ على استمرار أنشطتها الاقتصادية والتجارية، مثل استحواذ موانئ دبي على ميناءي العاصمة وجن جن بمحافظة جيجل في شرق البلاد ومركّب تجميع المركبات العسكرية لعلامة مرسيدس الألمانية وشركة “مدار” للتبغ التي تستحوذ هي الأخرى على نادي شباب بلوزداد الناشط في دوري المحترفين.