الجزائر تبحث عن مخرج لعلاقتها المضطربة مع واشنطن
تضاعفت الاتصالات الدبلوماسية على محور الجزائر – واشنطن في الأيام الأخيرة؛ فبعد اللقاء الذي جمع بين السفير الجزائري في واشنطن صبري بوقادوم ونائب مساعد كاتب الدولة للشؤون الخارجية، المكلف بشؤون شمال أفريقيا جوشوا هاريس، وجاء عقب جولة لهاريس في المنطقة، أجرى وزيرا خارجية البلدين أحمد عطاف وأنتوني بلينكن اتصالا هاتفيا تضمن عدة ملفات إقليمية، على غرار الوضع في غزة وقضية الصحراء والساحل الصحراوي.
ويبدو واضحا أن الجزائر باتت تريد مخرجا لاضطراب علاقتها مع واشنطن أكثر من أي وقت مضى، حيث تدرك أن المنطقة ككل تسير إلى التأزم في وقت تجد فيه نفسها أمام مشاكل مع فرنسا ومنطقة الساحل التي ترفض تعاملها المتعالي معها.
◙ علاقات ومصالح الطرفين تقاطعت في الآونة الأخيرة بشكل غير مسبوق، خاصة بعد إحساس الجزائر بتعرضها لخديعة روسية في منطقة الساحل
ومنذ انتكاسة رفض مجموعة البريكس -التي انعقدت قمتها بجنوب أفريقيا في شهر أغسطس الماضي- لطلب الانضمام الجزائري أظهر الطرفان الجزائري والأميركي تقاربا لافتا، فالأول أراد التأكيد على وفرة الخيارات الإستراتجية لديه، أما الثاني فأراد ملء الفراغ واستقطاب الجزائر رغم بعض الخلاقات القائمة بينهما، ولذلك جاءت الاتصالات في سياق من التعاون، خاصة وأن واشنطن أبدت انفتاحا ملحوظا من خلال التعبير عن رغبتها في توسيع التعاون ليشمل الاقتصاد والتكنولوجيا والزراعة والسلاح، إلى جانب الطاقة والأمن.
ويرى مراقبون أن علاقات ومصالح الطرفين تقاطعت في الآونة الأخيرة بشكل غير مسبوق، خاصة بعد إحساس الجزائر بتعرضها لخديعة روسية في منطقة الساحل، حيث صارت مجموعة فاغنر الروسية تمثل ذراعا عسكرية قوية للحكومات الانقلابية في مالي والنيجر اللتين لم تتوانيا في تهديد مصالح وأمن الجزائر في حدودها الجنوبية، وهو ما يقابله استعداد أميركي للتدخل عسكريا لضرب النفوذ الروسي، إذا تلقت دعوة لذلك من طرف الفصائل والمكونات المسلحة والاثنية في مالي أو النيجر.
وأجرى وزير الخارجية الجزائري اتصالا هاتفيا مع نظيره الأميركي مساء السبت تناولا فيه العلاقات الثنائية والملفات الإقليمية وبؤر التوتر المتصاعدة في المنطقة، على غرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والوضع في منطقة الساحل والنزاع الصحراوي.
وذكر بيان لوزارة الخارجية الجزائرية أن “هذه المكالمة كانت فرصة لتبادل وجهات النظر وإجراء مشاورات معمقة حول العديد من المسائل المطروحة على جدول أعمال مجلس الأمن خلال هذا الشهر، لاسيما تلك المتعلقة بأمن وسلامة الملاحة في البحر الأحمر، والأوضاع في قطاع غزة المحاصر على ضوء حتمية الإسراع في توفير الظروف الضرورية لتحقيق حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية على أساس صيغة الدولتين، إلى جانب قضية الصحراء وتعزيز انخراط الولايات المتحدة في دعم المسار السياسي الذي تقوده الأمم المتحدة”.
وجاء هذا الاتصال بين رئيسي دبلوماسية البلدين بعد مرور أيام قليلة على اللقاء الذي جمع في مبنى السفارة الجزائرية بواشنطن صبري بوقادوم وجوشوا هاريس، حيث بحثا العلاقات الثنائية بين البلدين والملفات الإقليمية المطروحة.
واكتفت السفارة الجزائرية ببيان مقتضب أعلنت فيه عن اللقاء الذي جمع المسؤولين، غير أن متابعين للملف يجزمون بأن ملف الصحراء كان حاضرا بقوة في المحادثات، لاسيما العلاقات الجزائرية – المغربية التي هي في حالة قطيعة منذ صيف 2021.
◙ لا يستبعد أن تكون الاتصالات الأميركية – الجزائرية قد تكثفت مؤخرا بسبب نية واشنطن تأطير الموقف الجزائري داخل مجلس الأمن
ويعزى ذلك إلى الزيارة التي أداها الدبلوماسي الأميركي منذ أسابيع إلى المنطقة، حيث زار الجزائر والرباط، وقدم وجهة نظر بلاده لحل النزاع والتطبيع بين البلدين، وتحييد المنطقة عن أي تصعيد، في ظل التوتر القائم بين البلدين الشقيقين والجارين، وعدم حاجة واشنطن إلى أي بؤرة جديدة بعد اللتين انفجرتا في أوكرانيا وقطاع غزة.
ويبدو أن الولايات المتحدة عازمة على احتواء الموقف في المنطقة، ودفع الفاعلين فيها إلى بلورة حل مرض لجميع الأطراف، عبر دعم جهود المبعوث الأممي إلى الصحراء المغربية ستيفان دي ميستورا، لأنها مقتنعة بضرورة إضفاء حالة من الاستقرار، والتفرغ للصراع المحتدم بين مختلف القوى المتنافسة على مواطئ النفوذ في منطقة الساحل.
ولا يستبعد مراقبون أن تكون الاتصالات الأميركية – الجزائرية في الآونة الأخيرة قد تكثفت بسبب نية واشنطن تأطير الموقف الجزائري داخل مجلس الأمن، بعدما صارت عضوا غير دائم منذ مطلع العام الجديد، لاسيما وأن خطابها السياسي يبدي انحيازا واضحا لأدبياتها التقليدية، على غرار “حركات التحرر، ودعم الشعوب المضطهدة، والتنديد بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة”.