تعطي أحدث التقييمات أن رهان الحكومة المغربية على رقمنة الخدمات الإدارية بشكل كامل لا يزال يواجه تحديات، وأنه يتطلب تسريع تطوير البنية التحتية التكنولوجية وتأهيل الكوادر الملائمة لتحقيق أهداف الجودة وتعزيز الشفافية للحد من البيروقراطية.
كشف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المغربي أن ثمة حاجة إلى بذل المزيد من الجهود لمعالجة العقبات المتعلقة برقمنة الخدمات الإدارية رغم أنها شهدت تطورا في السنوات الأخيرة.
وأتاحت برامج وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة والوظيفة العمومية العديد من التغييرات على مستوى الخدمات، وخاصة عبر التطبيقات والبوابات الإلكترونية لتيسير الحصول على الوثائق المطلوبة لإنجاز الإجراءات الإدارية.
وأكد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أمام لجنة برلمانية مؤخرا أن البلد يشهد تعثرا على مستوى رقمنة الإدارة، موردا أن لديه طموحا لتكون 50 في المئة من البرامج الإدارية إلكترونية بحلول 2025، وأن يصل رضا المستخدمين إلى معدل 80 في المئة.
وسجل أحمد رضى الشامي رئيس المجلس تأخر المغرب على مستوى الرقمنة في العديد من القطاعات، منبها إلى أن تعزيز القيمة عبر التكنولوجيات تجاوز باقي مجالات القيمة، كالمالية والطاقة والصحة، عالميا.
وأشار إلى غياب منصة للحجز على الصعيد الوطني في قطاع السياحة، مع تفاوت في مستوى تقدم الرقمنة من قطاع إلى آخر.
وتطرق الشامي إلى مجال التربية الذي سجل عدم تمكن 40 في المئة من طلبة المدارس من مواصلة تعليمهم عن بعد خلال فترة الحجر الصحي.
ولفت أيضا إلى تأخر إرساء أداء التكنولوجيا المالية عبر الهاتف المحمول، وغياب الملف الطبي الإلكتروني، وتأخر التطبيب عن بعد، وكذلك التأخر في الأداء الإلكتروني واللوجستي، بالإضافة إلى النقص في عدد صناع المحتوى الثقافي على الإنترنت.
ويرى المجلس أن تحديث الخدمات الإدارية يمر عبر رقمنة مختلف البرامج الإدارية، وذلك في غضون ثلاث سنوات، والعمل على تمكين السكان من الوصول إلى الإنترنت.
وتعمل السلطات على جعل الإدارة أكثر فاعلية عبر تطوير البنية التحتية للاتصالات، من أجل تقريبها للمتعاملين مع تحسين خدماتها عبر تسريع وتيرة التحول الرقمي.
وتقول إنه انسجاما مع أهداف النموذج التنموي الجديد والتزامات البرنامج الممتد بين 2021 و2026، فقد جعلت من إصلاح الإدارة العمومية ورقمنتها، حجر الزاوية لكل إصلاح إداري واقتصادي واجتماعي للدفع بعجلة التنمية وتقديم أفضل الخدمات.
وفي إطار عملية التحول الرقمي، أكد رئيس الحكومة عزيز أخنوش أن ورش التحول الرقمي تندرج ضمن أولويات الدولة التي تؤمن بأن رقمنة الإدارة وسيلة أساسية لتحقيق الفعالية والشفافية وتعزيز الثقة مع المواطنين.
ويظهر النموذج التنموي الجديد أن الرقمنة تعتبر أداة حقيقية للتنمية المستدامة ومحركا للتحولات المهيكلة وآلية أساسية لبلوغ الشمول الرقمي.
كما أنه يسهم في كسب رهان الثقة الرقمية لدى مختلف الفاعلين من إدارة وشركات وأفراد، وكذلك يرفع من فرص الاستثمار وتحسين تنافسية الاقتصاد ودعم الابتكار وتأمين السيادة الإلكترونية.
ويرى رشيد لزرق، رئيس مركز شمال أفريقيا للدراسات والأبحاث، أن الاختيارات التي ينتهجها المغرب على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والمشاريع الكبرى التي أطلقت في السنوات الأخيرة، سرعت التوجه إلى خيار رقمنة الإدارة لما لها من فوائد.
وقال إن “التعاطي الإيجابي مع الثورة الرقمية يسهم في تجاوز الأنظمة التقليدية وضبط الاختلالات التي تعرفها الإدارة في تعاملها مع المواطن والمستثمرين”.
أما بخصوص تجاوز البيروقراطية الإدارية وتسهيل الحصول على الوثائق عن بعد، فأكد لزرق أن رقمنة الإدارة تعزز الشفافية أكثر ولكنها مشروطة بتأهيل العنصر البشري أكثر من كونها مسألة قوانين.
واستنادا على ذلك شدد لزرق على ضرورة تغيير العقليات لتتمكن الإدارة من دخول مرحلة الشفافية والنزاهة خدمة للتنمية بالبلاد للمضي قدما في طريق الدول التي دمجت الرقمنة في معاملاتها.
وذهب النائب رشيد حموني، رئيس تكتل التقدم والاشتراكية بالبرلمان، في هذا الاتجاه وطالب بضرورة توفير الموارد البشرية المؤهلة والكافية والكفؤة، لتعزيز الأمن الرقمي مع بلورة إستراتيجية وطنية قوية للتكوين المستمر في نُظم المعلومات.
وردا على مطالب بتوسيع رقمنة الإدارات وتأمين المعطيات، أكدت الوزيرة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة غيثة مزور أن المغرب حقق 90 في المئة من الربط الرقمي وأنشأ صندوقا خاصا أسهم في تأمين الانتقال الرقمي بالبلديات.
وقالت إن ذلك يأتي في إطار مواكبة الدولة لمسار “تحسين الخدمات الإدارية المقدمة للمواطنين والشركات”.
والربط الرقمي ليس هدفا في حد ذاته، كما تقول مزور، بل وسيلة لخدمة السكان، مبرزة أن بلادها لديها إحدى أفضل البنيات التحتية للاتصالات في أفريقيا وهي قادرة على الصمود، بما في ذلك البنيات المتواجدة في القرى والأرياف.
ومع ذلك، يعتقد الشامي أن من المهم وضع إطار تنظيمي متكامل ومناسب في مجال الرقمنة، لاسيما في ما يتعلق بالعمل عن بعد وحماية المعطيات وإعطاء الأولوية للرقمنة وجعلها وسيلة ونمطا تلقائيا لتطبيق القوانين والنصوص التنظيمية وتوفير الخدمات.
ويرى أن ذلك يجب أن يترافق مع تطوير مراكز معطيات وطنية وجهوية سيادية اعتمادا على الشراكات بين القطاعين العام والخاص.
كما شدد الشامي أمام لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بالبرلمان على ضرورة انخراط الجامعات والقطاعات الاقتصادية والصناعية في مشاريع البحث والتطوير ذات الصلة بالتحول الرقمي.
وقال إن ذلك سيؤدي إلى “منظومات ملائمة لتطوير الشركات الناشئة والصناعة الرقمية سواء في ما يتعلق بالبنية التحتية والتجهيزات أو بإيجاد حلول في مجال البرمجيات والتطبيقات”.
وأوصى بالدفع إلى اعتماد منظومة رقمية عن طريق استخدام الصفقات العمومية وآليات تمويل مبتكرة لفائدة الفاعلين في القطاع، وتزويد الشركات الصغيرة ومتناهية الصغر والمتوسطة، التي تستثمر في عملية رقمنتها بحوافز مالية وتعزيز التحفيزات الضريبية.