يواصل المغرب التأكيد على قدرة التكيف مع التغيرات السريعة لسوق صناعة السيارات، الذي شهد في 2023 سنة استثنائية تميزت بتطورات مهمة دفعت القطاع إلى آفاق جديدة من حيث تحقيق نتائج إيجابية بشكل مطرد.
حققت مبيعات السيارات في المغرب قفزة مهمة خلال 2023 وسط توقعات من البنك المركزي بأن ترتفع صادرات القطاع خلال السنتين المقبلتين لتبلغ 190 مليار درهم (18.8 مليار دولار).
وحسب المؤشرات الأخيرة للمبادلات الخارجية الصادرة عن مكتب الصرف، ارتفعت مبيعات القطاع بنسبة 30.5 في المئة لتبلغ حوالي 116.4 مليار درهم (نحو 11 مليار دولار) بنهاية أكتوبر الماضي.
وتمثل هذه المداخيل أكثر من 25 في المئة من العائدات الإجمالية للصادرات المختلفة في مختلف القطاعات في الأشهر العشرة الأولى من العام الماضي.
كما أظهرت التوقعات أن صادرات السيارات سترتفع بنسبة 5.8 في المئة خلال 2024، مما يعكس مواصلة الأداء الجيد للقطاع الذي سيشهد ارتفاع مبيعاته إلى 15 مليار دولار، فضلا عن الانتعاش المرتقب لصادرات الفوسفات ومشتقاته بنحو 8.4 مليار دولار.
ويعكس الأداء الإيجابي للقطاع الجهود الحثيثة لمختلف الفاعلين، بهدف تعزيز تنافسية هذه الصناعة وجاذبيتها، لاسيما عبر الاستثمار في البنية التحتية وتكوين اليد العاملة المؤهلة مما سيشجع على تأسيس مصانع جديدة وتوفير فرص عمل وازدهار الصادرات.
وتساهم صناعة السيارات بنحو 16 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، ومن المتوقع أن ترتفع إلى 20 في المئة بمجرد أن تبدأ بيجو – سيتروين الإنتاج.
واستمرت العائدات المالية لتصدير السيارات المصنعة في السوق المحلية في منحى تصاعدي، حيث يرتقب أن تعرف ارتفاعا بنسبة 40 في المئة.
وتمثل المنتجات الصناعية نحو 86 في المئة من مجموع الصادرات المغربية، وهي مواد مصنَّعة، تدر 36.6 مليار دولار سنويا.
وأظهر تقرير مؤسسة كابيتال إيكونوميكس البحثية أن إنتاج السيارات في المغرب سيتجاوز سوقي رومانيا وإيطاليا، وربما يصبح الأكبر في قارة أفريقيا ليتجاوز جنوب أفريقيا مع اقتراب الطاقة الإنتاجية من 700 ألف سيارة سنويا.
وقال رياض مزور وزير الصناعة والتجارة في جلسة برلمانية مؤخرا إن بلده “يحمي المصنّعين من المنافسة غير الشريفة عن طريق عدد من الإجراءات، كالمراقبة، وفرض معايير محددة”.
وأكد أن عمليات المراقبة على مستوى الجمارك استهدفت 60 ألف ملف خلال السنة الماضية.
وأوضح مزور أن قطاع السيارات يوفر 238 ألف فرصة عمل في 260 مصنعا، مشيرا إلى أن الأشغال تجري حاليا لبناء 60 مصنعا جديدا في عدد من المناطق.
وتشجع الحكومة على الاستثمار في القطاع من خلال إعفاء الشركات من أداء بعض الضرائب في السنوات الخمس الأولى وتدعيم البنية التحتية. وأدى هذا الوضع إلى تعزيز نشاط القطاع والاستثمار الأجنبي من قبل المُصَنّعَين الفرنسيين رونو – نيسان وبيجو سيتروين والمُصَنع الصيني بي.واي.دي، بالإضافة إلى وجود شركات صناعية محلية صغيرة.
ودخل المغرب مصافّ الدول المنتجة للسيارات، بعد سنوات من التجربة في التركيب والتجميع، وجلب استثمارات لشركات دولية، حيث أعلن في مايو الماضي عن إنتاج أول سيارة محلية الصنع، كما كشف عن نموذج أولي لمركبة تعمل بالهيدروجين. ومن شأن هذين المشروعين المبتكرين ترسيخ تشجيع علامة “صنع في المغرب” وتأكيد مكانة البلاد كمنصة تنافسية لصناعة السيارات.
ويبرز تقديم سيارة نيو موتورز، وهي شركة مملوكة لمستثمرين مغاربة، وكذلك النموذج الأولي لسيارة الهيدروجين أتش.يو.في التي صنعتها شركة نام إكس الرغبة في تشجيع المبادرات الريادية، خاصة لدى الشباب، والتي تجسدها هذه المشاريع.
11 مليار دولار حجم صادرات قطاع السيارات خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الماضي
وأقيم حفل تسليم أولى سيارات نيو موتورز في مستهل شهر ديسمبر الماضي، الأمر الذي يعلن عن مرحلة تاريخية فارقة في صناعة السيارات المحلية والإطلاق الرسمي لتسويق هذه المركبات للعموم.
وتتماشى المبادرتان الصناعيتان مع رؤية العاهل المغربي الملك محمد السادس الهادفة إلى توجيه القطاع الخاص نحو الاستثمار الإنتاجي، لاسيما في القطاعات المتطورة والمستقبلية، وتحفيز ظهور جيل جديد من المقاولات في المملكة.
وبدأ المغرب يهتم بالسيارات الكهربائية، حيث قامت شركة تسلا الأميركية بتدشين أولى محطات الشحن في طنجة وأخرى في الدار البيضاء، إضافة إلى 4 محطات للشحن السريع بقوة 150 كيلوواط.
ويطمح المسؤولون إلى الوصول إلى قدرة إنتاجية بنحو مليون سيارة سنويا بحلول 2025، وتحقيق معدل اندماج أكبر بعدما وصل عام 2020 إلى قدرة سنوية تبلغ 700 ألف سيارة.
وتتوقع جهات حكومية أن تحقق صناعة السيارات نموا كبيرا خلال السنوات المقبلة، من خلال تنفيذ 3 خطوات، وهي رفع مستوى الاندماج المحلي إلى 80 في المئة، وتحقيق الحياد الكربوني في القطاع. وتتمثل الخطوة الثالثة في دفع الاستثمارات المحلية للعمليات الإنتاجية، بعد تحقيقها نهضة تؤهلها لإنتاج مليون سيارة.
ويرى خبراء أن هذا النهج خطوة هامة في الانتقال إلى عهد جديد من السيادة الصناعية، تحت قيادة الملك محمد السادس، مما يدل على الالتزام المستمر بالجودة والابتكار وتعزيز علامة “صنع في المغرب”.
وللحفاظ على النمو وتعزيز استدامة سلسلة التوريد أكد آخر تقرير لمنظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) على ضرورة تنويع وجهات تصدير السيارات واستهداف سوق قطع الغيار الأفريقية التي تهيمن عليها المركبات المستعملة. وشدد خبراء أونكتاد في تقرير نشرته الوكالة الأممية مؤخرا على أن صناعة السيارات في المغرب تشهد تطورا.