أوروبا: الاعتراف بإسرائيل شرطا لإحراز الجنسية؟
قبل عامين عرضت وزيرة الداخلية البريطانية السابقة بريتي باتيل مشروع «قانون للمواطنة والحدود» ينص في البند التاسع على تخويل وزارة الداخلية سلطة إسقاط الجنسية عن أي مواطن دون إخطار، وبالتالي دون شرح أسباب القرار، علما أن الافتراض المفهوم ضمنا هو أن هذه الأسباب تتعلق بالأمن القومي. حيث إن القانون، الذي أقره البرلمان في ربيع 2022 رغم اعتراض منظمات حقوق الإنسان، ينص على أن من صلاحيات الحكومة أن تتخذ قرار الحرمان من الجنسية ضد أي شخص حصل عليها بالاحتيال (مثل تقديم معلومات زائفة أو وثائق مزورة) وضد الأشخاص الخطرين، مثل الإرهابيين والمتطرفين وأفراد عصابات الجريمة المنظمة.
وبريتي باتيل هذه امرأة عنصرية (ضد الأجانب) وانعزالية (ضد الأوروبيين)، فقد كانت من بطلات التطبيل لحملة البركسيت الشائنة، رغم أن أصلها ليس بريطانيّا، فهي سليلة إحدى العائلات الهندية-الأوغندية التي كانت وزارة الداخلية قد قبلت التماسها اللجوء إلى بريطانيا في الستينيات (أي قبل موجة اللجوء الأوغندية الكبرى زمن عيدي أمين). وقد اضطرت باتيل للاستقالة من منصب وزيرة التنمية الدولية أواخر 2017 في أعقاب اكتشاف الصحافة البريطانية أنها عقدت ما لا يقل عن 12 اجتماعا سريا (!) في إسرائيل مع مسؤولين حكوميين، كان أحدَها اجتماع مع نتنياهو. كل ذلك دون أن تكلف الوزيرة نفسها مجرد إبلاغ رئيسة الحكومة تيريزا ماي بأي حلقة من مسلسل الاجتماعات المديد هذا. وقد تبين أن باتيل سافرت إلى إسرائيل مع السياسي النشيط في اللوبي المؤيد لإسرائيل، اللورد بولاك، وأنها أمضت هناك عطلة استجمام عائلية استغرقت 13 يوما. واعترفت أنها كانت تريد، في ختام الزيارة، أن تسلم معونات مالية بريطانية للجيش الإسرائيلي في مرتفعات الجولان السوري (التي لا تعترف بريطانيا بقانونية ضمها إلى إسرائيل).
أوجه التشابه بين بريتي باتيل وسوالا برافمان لا تنحصر في أن الأخيرة خلفتها في منصب وزيرة الداخلية في سبتمبر 2022. ذلك أن برافمان هي أيضا عنصرية رغم أنها من أصول هندية-كينية.
والعجيب أن أوجه التشابه بين بريتي باتيل وسوالا برافمان لا تنحصر في أن الأخيرة خلفتها في منصب وزيرة الداخلية في سبتمبر 2022. ذلك أن برافمان هي أيضا عنصرية رغم أنها من أصول هندية-كينية، وقد تزعمت حملة تنصل بريطانيا من التزاماتها الدولية عن طريق حيلة نفي طالبي اللجوء إلى رواندا، التي لا يعلم أنه سبق للعالم أن اتخذها قدوة في مجال احترام حقوق الإنسان وإجارة المستجير. إلا أن برافمان متفوقة على باتيل في مجال الحب العذري لإسرائيل. فإذا كانت هذه تتكتم على العلاقة الغرامية وتلتقي الحبيب خفية، وتظن التبرع لجيش الاحتلال من عمل البِرّ وصدقة السر، فإن برافمان أعلنت في أكتوبر أنها تعدّ مجرد رفع الأعلام الفلسطينية في شوارع لندن عملا لاساميّا تحريضيا ضد إسرائيل. وكان كل مناها أن تعتقل الشرطة كل من يرفع علما فلسطينيا وأن تمنع المظاهرات المنددة بهمجية العدوان الإسرائيلي على شعب غزة الصابر المصابر.
ويبدو كما لو أن بلجيكا أرادت أن تستثمر روائع التقاطع بين غرائب باتيل وعجائب برافمان، فإذا بها تتوصل إلى النتيجة المدهشة التالية: ينبغي إسقاط الجنسية البلجيكية عن كل طفل مولود في بلجيكا لأبوين فلسطينيين!!! فيا للحكمة القانونية ويا للرفعة الأخلاقية في قلب البلاد التي تؤوي مؤسسات الاتحاد الأوروبي الذي يحسب قوانينه وسياساته ذروة ما بلغته المدنية الإنسانية من حسن المقاصد ومكارم الأخلاق. ولأن بلجيكا، ذات التراث الاستعماري الزاخر بجرائم التعذيب وتقطيع الأوصال، دولة تلتزم الأصول فإنها حرصت على التوضيح بأنه لا علاقة لأحداث غزة بقانون إسقاط الجنسية عن أبناء الفلسطينيين، بدليل أن القانون صدر في أغسطس الماضي. وإنما الذي حدث، بمحض الصدفة (!)، أن السلطات المحلية في عدد من المدن البلجيكية بدأت تنفيذ القانون بالتزامن مع أحداث غزة.
الرسالة مجلجلة: بدل أن تجد السلطات البلجيكية في العدوان الهمجي على غزة ما يثير لديها أدنى التضامن مع الفلسطينيين، فإنه قد زادها تعاطفا، بل تماهيا، مع إسرائيل المسالمة المظلومة على الدوام.
أما ألمانيا، فقد بلغت في مزايدات التعامي الغربي عن حقائق الاحتلال الإسرائيلي شأوا غير مسبوق. من ذلك أن ولاية صاكص-أنهالت الشرقية قد أضافت شرطا جديدا للحصول على الجنسية الألمانية. ويتمثل الشرط في التوقيع على التعهد التالي: «أعترف صراحة بأن لألمانيا مسؤولية مخصوصة تجاه دولة إسرائيل، وأعترف بحق إسرائيل في الوجود. كما أدين كل أشكال اللاسامية. ولا أسعى، ولم يحدث أن سعيت، إلى إنكار حق دولة إسرائيل في الوجود».