تقنين زراعة القنب الهندي لأغراض طبية في المغرب
يطمح المغرب إلى جلب استثمارات عالمية من خلال استقطاب الشركات المتخصصة في الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي في الأغراض الطبية والصناعية بعد أن تم تقنينها. وتشرف الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي على مراقبة كل حلقات السلسلة من الإنتاج إلى التصنيع. وشجع هذا القرار المزارعين على الانخراط في هذه الزراعة، وبالتالي المساهمة في التنمية الاقتصادية للمناطق المعنية.
بعد انقضاء الموسم الأول لزراعة القنب الهندي لأغراض مشروعة، صناعية وطبية، بدأت معالم ديناميكية تنموية تبرز على مستوى المناطق المعنية بهذه الزراعة.
وأكد عدد من الفاعلين في المجال، في تصريحات استقتها وكالة المغرب العربي للأنباء، أن النتائج المحققة خلال الموسم الأول تبرز الجدوى الاجتماعية والاقتصادية لتقنين زراعة القنب الهندي، الذي مكّن من إطلاق منظومة قائمة على هذه الزراعة لأغراض مشروعة، وتحويل منتجاتها إلى مواد طبية وصيدلية وصناعية، وتصديرها إلى الأسواق الدولية.
وقال رئيس مجموعة ذات نفع اقتصادي متخصصة في تحويل القنب الهندي، ع. مخلوف، إن الموسم الأول لتقنين زراعة القنب الهندي للاستعمالات المشروعة كان “ناجحا بالرغم من بعض الإكراهات”، مبرزا أن النتائج واعدة بالرغم من التحديات المرتبطة بتأخر انطلاق زراعة القنب الهندي وارتفاع درجة الحرارة خلال فصل الصيف وشح المياه.
وأشار إلى أن المجموعة حققت مردودية جيدة خلال هذا الموسم، ناهزت 7.2 كيلوغرام بالنسبة للنبتة (البذرة) الواحدة، مشددا على أن نجاح الموسم ساهم في زيادة إقبال المزارعين على الانخراط في مشروع التقنين، حيث يرتقب أن يتضاعف عدد المزارعين المتعاملين مع المجموعة بأربع مرات ليصل إلى 80 مزارعا سنة 2024 عوض 20 مزارعا عام 2023.
القطاع الصيدلي يتابع عن كثب تطور السلسلة الجديدة المتعلقة بزارعة القنب الهندي الطبي منذ نشر القانون 13.21 المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي
وأشار إلى أن المجموعة ذات النفع الاقتصادي بصدد وضع اللمسات الأخيرة لافتتاح وحدة لتحويل منتجات القنب الهندي بطاقة استيعابية تتراوح بين تحويل 30 إلى 50 طنا في السنة، وهو ما سيمكن من صناعة بين 500 و700 ألف وحدة من المنتجات.
وقال خالد العطاوي مسؤول بشركة صيدلية إن الترخيص للاستعمال المشروع للقنب الهندي الطبي شجع المزارعين على الانخراط في هذه الزراعة، وبالتالي المساهمة في التنمية الاقتصادية للمناطق المعنية، موضحا أن المزارعين في هذه المناطق بدأوا بالفعل في التعامل مع التعاونيات والوحدات التحويلية المتخصصة.
وشدد على أن القطاع الصيدلي يتابع عن كثب تطور السلسلة الجديدة المتعلقة بزارعة القنب الهندي الطبي منذ نشر القانون 13.21 المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي والمراسيم التنظيمية ذات الصلة في الجريدة الرسمية، موضحا أن هذه القوانين فتحت الباب أمام إحداث منظومة تقوم على الاستعمال الصيدلي لهذه النبتة الطبية.
وأضاف العطاوي أنها “السنة الأولى في تاريخ المغرب التي تم فيها القيام بجني حوالي 2000 كيلوغرام من القنب الهندي ذي معدل مرتفع من مكون “تي إتش سي”، في أفق الشروع في التحاليل الضرورية لصناعة أدوية جديدة من القنب الهندي الطبي”، مبرزا أنها “مبادرة مهمة وجد إيجابية بالنسبة إلى المغرب بالنظر إلى عدة عوامل”.
وتابع أن العامل الأول يتمثل في ولوج المغرب إلى مجال استعمال هذه النبتة لأغراض طبية لأول مرة، والثاني يكمن في إدماج مزارعي النبتة في اقتصاد قانوني وتمكينهم من التعامل مع المختبرات الصيدلية والمجموعات الاقتصادية والمساهمة في التنمية الاقتصادية، وثالثا تشجيع المختبرات الصيدلية على تصدير المنتجات عبر وضع معايير رفيعة من الزراعة إلى التحويل لإنتاج منتجات تنافسية وقادرة على ولوج الأسواق الدولية.
كما أكد عبدالمنعم المروني، رئيس تعاونية متخصصة في تحويل القنب الهندي وتعاونيتين فلاحيتين بإقليم الحسيمة، أن تقنين زراعة القنب الهندي كان “بمثابة حلم، تحقق على أرض الواقع، والمزارعون منخرطون في جهود الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي”.
واعتبر المروني أن مشروع التقنين يفتح الباب أمام الفلاحين بالمناطق المعنية للانخراط في هذه الزراعة المشروعة لأغراض ستعود بالنفع على البشرية، طبية وصناعية، داعيا إلى تجاوز مجموعة من الإكراهات ذات الصلة بتوفير الدعم التقني والمالي، لاسيما بالنسبة إلى صغار المزارعين والمستثمرين.
ونوه بالمجهودات الجبارة التي تبذلها الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي لتغيير “الثقافة السائدة” حول زراعة القنب الهندي، وحرصها على إنجاح إطلاق هذا القطاع الجديد، الذي من شأنه أن يحقق إقلاعا واستفادة لسكان المنطقة وللمستثمرين، داعيا باقي الفاعلين إلى دعم سلسلة القنب الهندي الجديدة.
وأثير جدل واسع في المغرب بين رافض ومؤيد لقرار السلطات السماح بالتعامل الطبي والصناعي مع مستحضرات القنب الهندي، وسط تحذيرات من أن يؤدي ذلك إلى تفاقم ظاهرة الاتجار بالمخدرات.
وفي 10 أكتوبر 2022 وافقت الوكالة الوطنية لتقنين القنب الهندي (حكومية) على منح رخص لممارسة أنشطة تحويل المادة وتصنيعها ومن ثم تسويقها وتصديرها لأغراض طبية وصناعية. ويأتي هذا القرار بعد عام من تصديق الحكومة على قانون يقضي بتقنين استخدام “القنب الهندي” لأغراض طبية وصناعية.
وأكدت وزارة الداخلية في مرسوم أنها تهدف إلى منع استغلال هذه المادة في أغراض غير قانونية، من خلال كشف المزارعين عن تفاصيل المخزون بشكل دوري شهريا.
ورحّب منسق “الائتلاف المغربي من أجل الاستعمال الطبي والصناعي للكيف” (غير حكومي) شكيب الخياري، بقرار السلطات بشأن القنب الهندي.
وقال الخياري إن “قرار منح عشر رخص لمنشآت تصنيع القنب الهندي مهم للغاية في الظرفية الحالية، إذ أن المزارعين في حالة انتظار”.
وأضاف “القرار فرصة لمعرفة المخاطر دون انتشار الاتجار غير المشروع بالقنب الهندي، بحيث لن يشمل قرار الرخص الجميع، إنما فئة منهم في مرحلة أولى وفق متطلبات السوق”.
وأشار الخياري إلى أن الترخيص لن يكون كافيا للمزارعين في ظل غياب قرار وزير الزراعة الذي سيحدد نوعية البذور والشتائل التي سيكون استعمالها مقبولا.
وتابع “الترخيص يوفر للمزارعين ضمانة لتنظيم كيفية الحصول على الرخصة والطعن في القرارات المتعلقة بها، كما أنه يفرض قواعد محترمة لصالح البيئة في تنظيم في الدورات الزراعية”.
وبشأن السوق العالمية، قال الخياري إن “الحكومة أعدت دراسة أبانت الآفاق الحقيقية لاستثمار القنب الهندي المغربي في مجال الاستعمالات الطبية”.
وأضاف أن “الأسواق الأوروبية هي الوجهة المهمة بالنسبة إلى المغرب مثل إسبانيا وهولندا والمملكة المتحدة وألمانيا، حيث بلغت التوقعات المالية نحو 25 مليار دولار في سنة 2028، ومن الممكن أن تصل إلى 42 مليار دولار إذا استهدف المغرب السوق الفرنسية والإيطالية”.
وفي يوليو 2021، نُشر في الجريدة الرسمية قانون يقنن استخدام “القنب الهندي” للأغراض الطبية والصناعية ليدخل حيز التنفيذ. ويطمح المغرب إلى جلب “استثمارات عالمية من خلال استقطاب الشركات المتخصصة في الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي في الأغراض الطبية والصناعية”.
وفي 5 أكتوبر 2022 أعلنت الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي منح عشرة تراخيص تسمح لأصحابها بتحويل وتصنيع النبتة الخضراء التي يستخرج منها مخدر الحشيشة، وتسويق وتصدير منتجاتهم لأغراض طبية وصيدلية وصناعية. وينتظر نحو نصف مليون مغربي تشريع إنتاجهم لتحسين أوضاعهم المعيشية، في ظل تراجع عائداتهم بسبب المنافسة الأوروبية وضعف الطلب والجفاف الاستثنائي الذي ضرب المملكة.
وتشرف الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي على مراقبة كل حلقات السلسلة من الإنتاج إلى التصنيع. وبناء على الاحتياجات المرتقبة للمستثمرين الذين يتم الترخيص لهم، ستتسلم الوكالة محاصيل القنب الهندي من المزارعين الذين يتوجب عليهم أن يؤسسوا تعاونيات. ولا يجب أن تتجاوز المحاصيل القانونية “حدود الكميات الضرورية لتلبية حاجيات إنتاج مواد لأغراض طبية وصيدلية وصناعية”، وفق نص القانون.
وطبّق القانون في ثلاث محافظات بشمال البلاد اشتهرت تاريخيا بزراعة القنب الهندي. وبلغت مساحتها في 2019 حوالي55 ألف هكتار، وفق أرقام رسمية. في انتظار ذلك يحاول نشطاء المجتمع المدني بالمنطقة شرح الجوانب التقنية للمشروع للمزارعين. ويقول الناشط المحلي سفيان زحلاف إن هذه “الوساطة معقدة لأسباب مسطرية، لكن إذا عملت السلطات على مقاربة تدمج الجميع ستتحقق أشياء جميلة”.
ويعيش من هذه الزراعة نحو نصف مليون مغربي، وفق تقديرات رسمية. وتغطي نبتة القنب الهندي حقول قرية أزيلا الواقعة عند سفح جبل تدغين بمنطقة الريف شمال المغرب جاهزة للحصاد حيث يستخرج منها مخدر الحشيشة، في انتظار أن يدخل تقنينها لاستعمالات مشروعة حيز التنفيذ.