هجرة الأدمغة المغربية …. الأسباب و الحلول
يراود حلم الهجرة الملايين في المجتمع المغربي، فنصف السكان على الأقل يفكرون في الرحيل، أيا كانت الوسيلة أو الوجهة.
تابعت أخبارنا الجالية رحلة الأدمغة المغربية ؛ إذ أعرب أكثر من نصف السكان تقريبا عن رغبتهم في الهجرة، والأكثر حرصا على هذه الهجرة هم الحاصلون على شهادات جامعية ومستويات تعليمية أعلى.
و لا نستتني من المواطنين الراغبين في الهجرة الموظفين و الخبراء و غيرهم من ذوي المستوى المعيشي المتوسط ، حيث نرى أن المديرية العامة للامن الوطني أصدرت مذكرة تهدف لمراجعة تراخيص السفر الممنوحة لموظفي الامن بعد تنامي ظاهرة السفر نحو الخارج و عدم العودة إلى المغرب كان آخرها 40 حالة من رجال الامن .
أما الوجهة فكانت دول أوروبا وأميركا و كندا ، كما تشير الدراسات أيضا إلى أن 54% من الطلاب المغاربة الذين يسافرون للدراسة لا يعودون إلى المغرب بحثا عن فرص العمل.
أسباب وتداعيات
وفي هذا السياق، قال الصحفي بوشعيب البازي إن الكثير من الخبرات المغربية تقصد أوروبا لكونها تضمن العديد من الجوانب الإيجابية، ومنها ضمان الحريات ومنح الجنسية للمقيمين فيها، واستفادتهم بعد ذلك من كل امتيازات المواطنين الأصليين، مشيرا إلى أن مغادرة الكفاءات من المغرب تفرض حالة فراغ في المواقع التي غادرت منها في بلدها الأصلي.
وأشار إلى أنه في المغرب هناك رؤية لاستقطاب الأدمغة المهاجرة خصوصا في هذه المرحلة التي ينظم فيها المغرب كأس العالم ، وقامت البلاد بخطوات عملية؛ وكان منها إحصاء الكفاءات العليا المغربية في الخارج، ولكن هذه المبادرة اصطدمت ببيروقراطية الإدارة المغربية و عدم تجاوب الطاقات المغربية بالمهجر ، موضحا أنه لا يمكن منع الناس من الهجرة، ولكن يمكن الاستفادة منهم وجذبهم لبلدانهم.
و أكد البازي أن هجرة الأدمغة من المغرب تسببت في غياب الخدمات الطبية والتعليمية، كما انعكست على الجانب الاقتصادي الذي تدهور بشكل كبير بسبب تكرار المشاكل نفسها وعدم تجديد الإستراتيجيات المستخدمة، كما أن هذه الظاهرة تؤثر على النمو الاقتصادي للمغرب.
وذهب إلى أنه يجب خلق بيئة لجذب هذه الأدمغة إلى بلدهم للاستفادة من خبراتهم، وذلك من خلال البحث عن إستراتيجيات وطنية تراعي المجالين الاجتماعي والسياسي، مشددا على أن السوق المغربية لا تحتمل عودة الجميع، ولكن المغرب الحالي يظل في حاجة ماسة إلى الاستفادة من خبراتهم المتراكمة.
و من جهة أخرى يتضح أن هجرة الأدمغة من المغرب كان مخططا لها بإتفاقيات دولية بين المغرب و فرنسا و امريكا و غيرها من الدول التي تستقبل الطلبة المغاربة .
و حسب البازي ، فهجرة الأدمغة تسهل على المسؤولين المغاربة الحكم بالمغرب ، فلن يجدوا أمامهم طاقات تتساءل عن الحقوق و الخروقات ، طاقات تدقق في الصغيرة و الكبيرة ، طاقات بإمكانها تعويض الفراغ الحاصل في جميع مؤسسات الدولة ، بحيث لا يمكن تتبع أي تغيير تدريجي في طريقة الحكم أو التعامل مع المواطنين .
كما وقف الصحفي المغربي عند مدى خطورة ظاهرة هجرة الكفاءات المغربية في ضوء الحديث عن قدرة المؤسسات التعليمية على تعويضها عن حقيقة الفرص التي توفرها هجرة هذه الكفاءات لمجتمعها الأصلي .
دقت “مؤسسة أساتذة الطب بالقطاع الحر”، ضمن دراسة حديثة بعنوان “هجرة الأدمغة في المجال الطبي بالمغرب.. تهديدات أم فرص؟”، ناقوس الخطر بشأن إشكال هجرة الأدمغة في المجال الطبي، قائلة إنه في فجر تعميم التغطية الطبية يواجه المغرب عجزا على مستوى الكفاءات الطبية، إذ لا يتجاوز معدل توفر الأطباء 7.3 أطباء بدلا من 23 طبيبا لكل 10 آلاف نسمة (معيار منظمة الصحة العالمية)؛ وهو رقم بعيد أيضا عن المتوسط العالمي الذي يقدر بـ13 طبيبا لكل 10 آلاف نسمة.
وحسب الدراسة، فإن العجز الطبي متأصل في 5 عوامل: أولها قدرة تدريب منخفضة (2000 بدلا من 3000)، وندرة مدرسي الطب بشكل متزايد، ثم نزوح دائم على مستويات مختلفة (قبل البكالوريا وبعدها وبعد الدكتوراه وبعد التخصص)، وقدرة ضعيفة على استعادة الأطباء المغاربة المقيمين بالخارج ثم سوء التوزيع الجغرافي.
يشار إلى أن التقرير العالمي لرصد التعليم في الدول العربية لعام 2019 الصادر عن منظمة اليونسكو يظهر أن أعلى معدلات الهجرة لذوي المهارات العالية إلى الخارج توجد في لبنان والمغرب، حيث يهاجر واحد عن كل 4 أشخاص من ذوي الكفاءات العالية.
وحذر البنك الدولي في تقرير صدر عام 2020 -تحت عنوان الكساد المتعمد- من أن المغرب يواجه استنزافا خطيرا في الموارد، بما في ذلك رأس المال البشري، حيث تزايدت هجرة الكفاءات كخيار يائس من الوضع الاقتصادي.
ومن ضمن التحديات الكبرى التي ذكرها الصحفي البازي المهتم بشؤون الهجرة توجه المجتمع المغربي نحو الشيخوخة؛ ففي الوقت الذي كان فيه إجمالي السكان الذين يتجاوز عمرهم 60 سنة عام 2004 لا يزيد عن 2.4 ملايين نسبة أي 8 في المائة من إجمالي السكان ارتفع الرقم اليوم إلى 4.3 ملايين شخص أي بنسبة 11.7 في المائة؛ فيما بحلول عام 2030 سيصل عدد الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاما إلى ما يزيد قليلا عن ستة ملايين، أي زيادة قدرها 42 في المائة مقارنة بعام 2021 وستمثل 15.4 في المائة من السكان.