العلاقات المغربية الإماراتية المتجذرة تنفتح على شراكة تشمل اقتصادات المستقبل
تتسم العلاقات المغربية الإماراتية بطابع استراتيجي ذو أبعاد متعددة، وتشكل الأخوة الأصيلة والاحترام والتقدير المتبادلين والتضامن الفاعل الأساس المتين الذي ترتكز عليه هذه الروابط، وشهدت تطورا استثنائيا خلال سنة 2023، بانتقالها إلى السرعة القصوى على مستوى ترسيخ الشراكة الاقتصادية والاستثمارية التي طبعتها ثقة تامة وانسجام كامل في الرؤى حول فرص وإمكانات التكامل والتعاون العملي بين البلدين.
وتعكس زيارة العاهل المغربي الملك محمد السادس التي قام بها إلى الإمارات في الرابع من ديسمبر الجاري، والحفاوة التي استقبله بها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الإمارات، المستوى الذي يميز علاقات البلدين والروابط الأخوية المتينة بينهما، والتي ترجمت بشكل عملي عبر شراكتهما الاقتصادية وانتقالها نحو أفق أرحب وشامل بما يجعلها نموذجا لعلاقات الشراكة بين البلدان العربية.
ووقع الجانبين على إعلان حول شراكة مبتكرة ومتجددة وراسخة وبأهداف محددة، وتبادلا العديد من مذكرات التفاهم التي من شأنها إعطاء دفعة قوية لتعاونهما، لا سيما في القطاعات الاجتماعية والاقتصادية والمالية، والبنى التحتية والنقل والمياه والفلاحة والطاقة والسياحة والعقار، والتكوين والتشغيل.
وتم خلال الزيارة توقيع اثنتي عشرة اتفاقية أبرزها: إرساء شراكة استثمارية في مشاريع القطار فائق السرعة في المغرب، وأخرى في مجال الطيران والموانئ، وقطاعات الماء والطاقة والزراعة والصيد البحري والسياحة والعقارات بالإضافة إلى شراكة استثمارية مرتبطة بمشروع “أنبوب الغاز المغرب – نيجيريا”.
وقال الشيخ محمد بن زايد في تغريدة له على حسابه في منصة إكس “أرحب بأخي الملك محمد السادس في بلده وبين أهله. أجرينا مباحثات بناءة حول سبل تعزيز العلاقات الأخوية والتاريخية بين بلدينا ووقعنا إعلانًا نحو شراكة مبتكرة وراسخة في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية التي تحقق النماء والرخاء للشعبين الشقيقين. الإمارات والمغرب يشتركان في العمل من أجل الاستقرار والازدهار والتنمية المستدامة لمصلحة شعوب المنطقة كافة”.
وأكد تاج الدين الحسيني، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس أن العلاقات المغربية الإماراتية تشهد طفرة حقيقية نحو آفاق أوسع لشراكات اقتصادية مجدية وفاعلة، بفضل مذكرات التفاهم وإعلان نحو شراكة مبتكرة ومتجددة وراسخة بين البلدين.
وأوضح الحسيني في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن هذه العلاقات تعرف اليوم منعطفا حقيقيا نحو شراكة متجذرة تقوم على الابتكار والعمق، وهذا يتجاوز مفاهيم الشراكات الاستراتيجية التي عقدها المغرب مع دول أخرى، مضيفا أن هذه الشراكة شاملة وتهم عدة مجالات التعاون الثنائي ومذكرات التفاهم الإثنى عشر التي تم التوقيع عليها بمناسبة هذه الزيارة، تعطي أولوية استثنائية لاستثمارات جد قوية تهم أساسا البنيات التحتية وقطاع الماء والطاقة والسدود، والأمن الغذائي وغيرها. وأكد أن مذكرات التفاهم الموقعة من شأنها تعزيز التعاون الإماراتي – المغربي في الفضاء الإفريقي والأطلسي.
كما تميزت سنة 2023 بديناميكية متواصلة على مستوى العلاقات المغربية الإماراتية، تجسدت في الزيارات العديدة لوفود مغربية مختلفة سواء للمشاركة في أحداث وتظاهرات دولية أو ذات صلة بالتعاون بين البلدين في عدة قطاعات. وشكل في هذا الإطار مؤتمر الأطراف في الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة حول التغيرات المناخية بدبي (كوب 28) حدثا هاما، مثلت خلاله الأميرة للا حسناء، الملك محمد السادس في الشق الرئاسي للمؤتمر كما وجه الملك خطابا إلى المشاركين فيه، دعا من خلاله إلى ميثاق للعمل لمواجهة التحديات المناخية، تستطيع من خلاله البشرية أن تثبت بأفعال ملموسة أن الأهداف الطموحة ليست بالضرورة عصية عن التنفيذ.
وكان المغرب ثاني بلد إفريقي من حيث عدد المشاركين في النسخة الثامنة والعشرون من المؤتمر، وعكست هذه المشاركة الاهتمام المغربي الواسع للدفاع والترافع عن التغيرات المناخية من فئات مختلفة تضم مؤسسات وطنية عمومية وخاصة ومدافعين عن المناخ وداعمين للتنمية.
وتجسد التضامن الفاعل بين البلدين مؤخرا على سبيل المثال لا الحصر، عقب زلزال الحوز الذي هز في الثامن من سبتمبر/ايلول الماضي عددا من مناطق المملكة، حيث بعثت دولة الإمارات فريقا للبحث والإنقاذ للمشاركة في عمليات إغاثة ضحايا الزلزال.
ونوه الحسيني أن العلاقات بين المغرب والإمارات تشهد “منعطفا حقيقيا بين دولتين تجمعهما تاريخيا علاقات جد وثيقة منذ عهد المغفور لهما الملك الحسن الثاني والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مشيرا إلى أن هذه العلاقات كانت دائما مبنية على التضامن والاخوة وعلى تطابق وجهات النظر في كل القضايا الإقليمية والدولية”.
واتسمت العلاقات السياسية المغربية الإمارتية، على الدوام بالتشاور المستمر وتطابق وجهات النظر بين قائدي البلدين والدعم المتبادل بالمحافل الإقليمية والدولية. ومكن هذا الانسجام والتطابق في وجهات نظر البلدين، من ترسيخ مكانتهما كفاعلين رئيسيين في محيطهما الإقليمي وعلى الساحة الدولية.
وينظر المتابعون إلى الشراكة بين البلدين على أنها مبتكرة لأنها تنتقل من المرحلة التقليدية إلى مرحلة الابتكار والتنوع المُواكب لتطورات العصر، مع الانفتاح على عوالم استثمارية جديدة تشمل مجالات لاقتصادات المستقبل، خاصة مراكز البيانات وأسواق المال والرساميل والطاقات المتجددة وتكنولوجيا الاتصالات. خصوصا أن الإمارات دولة مُلهِمة في التدبير الذكي والعبور السريع في الموانئ والمطارات.
وتشير نوعية مشاريع المذكرات الموقعة إلى أن البلدين يذهبان نحو اقتصاديات المستقبل المعتمدة على الهيدروجين الأخضر والاقتصاد البحري والأمن الطاقي من خلال مشروع ربط إفريقيا بأوروبا بكهرباء مغربية نظيفة، وكذلك أنبوب الغاز النيجيري المغربي المرتقب أن يزود أوروبا أيضا.
وتعتبر الإمارات أول دولة مانحة ومستثمِرة بالمملكة المغربية على صعيد الدول العربية بأكثر من 20 مليار دولار، مع حضور مهم لـثلاثين شركة حكومية وخاصة إماراتية في المغرب، إذ أنها أول مستثمر أجنبي في بورصة الدار البيضاء.
وتشكل مسألة التجديد التي تحمِلها الشراكة المغربية الإماراتية تحولا نوعيا ومنعطفا كبيرا للعلاقات بين البلدين تتضح في ثمار مذكرات التفاهم إقليميا وقارياً وعلى الفضاء الأطلسي.