بوليساريو”… خمسة عقود من النهب
زمرة “غويلي” تراكم الثروات من أموال يفترض أنها موجهة لأهداف إنسانية
خمسة عقود من النهب، تحمل مسمى واحدا، وهو “بوليساريو”، التي جعلت من معاناة سكان المخيمات، صك تجارة، تستدر به الدعم الإنساني، الذي لا يجد طريقه إلا إلى أرصدة قيادة الرابوني.
وشكلت “بوليساريو” لذلك هياكل وبنيات تحاول بها أن تشرعن ما تدعي أنه إنفاق على وهم “الدولة”، بينما الشهادات كثيرة بمدن إسبانيا وموريتانيا وغيرها من حواضر أوربا، على مراكمة الثروة واغتناء زمرة غويلي، ما يفترض أنها أموال موجهة لأهداف إنسانية، وتستمر بذلك مآسي أطفال وشيوخ ونساء المخيم، الذين تركوا لمواجهة مصيرهم على أرض لحمادة.
تتسرب من رحاب الرابوني، بين الفينة والأخرى، حقائق مرعبة عن حجم المبالغ والأموال التي تمنحها بعض الجهات لقيادة “بوليساريو”، موجهة، كما يدعون لإدارة المخيمات، فتسقط بين أيدي قادة الصف الأول في “بوليساريو”، وعلى رأسهم العجوز إبراهيم غالي، الذي يعتبر، حسب شهادات ضباط بالقطاع العسكري الجزائري بتندوف، أسوأ قائد مر في تاريخ هذه الحركة منذ تأسيسها.
ففي جلسة الأربعاء الماضي، لما يسمى “برلمان بوليساريو” بمدرسة “9 يونيو”، والتي خصصت لنقاش ما يدعون أنها ميزانيات لقطاعي المالية والتعاون خلال السنة الماضية، صدم القيادي بشري أحمد عمي عمار الجميع، عندما أكد أن مكتب إبراهيم غالي التهم، خلال الأسدس الأول من هذه السنة، ما يقارب ثلاثة ملايير دينار جزائري، أي ما يعادل 200 ألف أورو، موجهة فقط للاستقبالات والحفلات، التي ينظمها غالي بقصره على أرض لحمادة. وهو ما وصفه عمي عمار بالارتفاع المهول الذي شهدته مصاريف ما يسمى “دار الضيافة”، وتكثيف البرامج الاحتفالية، التي ينظمها زعيم الرابوني، المشهور بمجونه ولياليه الحمراء، على صعيد المخيمات الخمسة.
وأثارت مناقشة هذا الموضوع، غضب من يسمى الأمين العام للرئاسة سيدي أوكال، الذي اتهم بشري أحمد، بإعطاء أرقام غير دقيقة، ولم يجد بدا من المزايدة بذريعة أن هناك من “الشخصيات” التي تحيط بإبراهيم غالي، من يستعمل فواتير مزيفة ويستغل انشغاله بما يدعي أنه “حرب” من أجل التلاعب في ميزانية الرئاسة، وهو الأمر الذي أدى إلى انفجار السجال بين القياديين، ليتدخل محمد مولود محمد فاضل، “وزير المالية” المزعوم، والمحسوب على خصوم إبراهيم غالي، إذ أكد أن ميزانية إبراهيم غالي شخصيا تفوق بعشرين ضعفا الأرقام التي تتم مناقشتها، لافتا النظر إلى المنحة الشهرية التي يقدمها مكتب رئيس أركان الجيش الجزائري لإبراهيم غالي، والتي يتم تحويلها إلى جهات محسوبة على غالي موجودة بشمال موريتانيا، وتنقل على متن سيارات تابعة لشقيق إبراهيم غالي، حسب ما ورد في مداخلة محمد مولود.
خيرة بلاهي، القيادية المكلفة بـ “التعاون المالي والتنسيق مع المانحين”، كشفت هي الأخرى عن رقم ضخم من مبالغ استقبلتها إعانات خلال هذه السنة، وصل إلى 21 مليون أورو، وأكدت أنها سلمتها إيصالات مالية وتحويلات مصرفية للمدعو يحيى بحبيني، مسؤول ما يسمى “الهلال الأحمر”، والمشرف المباشر على أرصدة “بوليساريو” في البنوك الإسبانية، والذي رد بدوره على أسئلة “النواب” بخصوص هذه الأموال ومصيرها، ليؤكد أنه يتلقى الأوامر مباشرة من إبراهيم غالي لإنجاز عمليات مصرفية وتحويلات لحسابات من يقول إنهم أصدقاء الحركة، وبعض المؤسسات التي تعمل لصالح أطروحة الجبهة، كمكاتب المحاماة وغيرها.
إلا أنه أشار في مداخلته إلى نقطة هامة، تخص شقيق إبراهيم غالي، المدعو إبراهيم الصغير، إذ أكد أنه هو المشرف المباشر على كل التحويلات المالية التي يأمر بها شقيقه، إذ أكد أنه في شهر مارس الماضي، أي بعد المؤتمر مباشرة، طالب شقيق إبراهيم غالي بكشوفات الأموال التي خصصها إبراهيم غالي لشيوخ القبائل لخدمة معركته في المؤتمر الأخير، إلا أن إبراهيم الصغير تحجج بعدم صلاحية ما يسمونه “وزارة المالية” للتدقيق بمصاريف “الرئاسة”، وطلب منه، بكل عنجهية، الاتصال بزعيم الحركة، الذي أكد أنه المشرف الرئيسي على كل تلك التحويلات.
وأكدت خيرة بلاهي أنها اتصلت بسيدي أوكال، شتنبر الماضي، لإطلاعه على ارتفاع مصروفات غالي، وأن أغلب التحويلات التي أجراها شقيق إبراهيم غالي لا تحوز على أي موافقة من “وزارتها” الوصية على ذلك.
يبرز هذا الجدال الدائرة رحاه في محيط إبراهيم غالي، جزءا يسيرا من مآلات أموال الدعم الإنساني الموجهة لسكان المخيم، التي تتدفق للرابوني تحت مسمى معاناة تسوق لها “بوليساريو” من خلال صور البؤس الذي يعيشه الصحراويون على أرض الجزائر. فبينما يموت الشباب في المخيمات على أعتاب حرس الحدود الجزائري، يسارع غالي لافتتاح قصره الجديد غير بعيد عن المخيمات، والذي كلف حتى الآن، وحسب مصادر دقيقة، ما يقارب 25 مليار سنتيم من الدينار الجزائري، في مفارقة مضحكة مبكية من واقع هذه الحركة التي لم تعد تخفى حقيقتها على أي ذي عقل سليم.