تبون يُمهد في خطاب دعائي للأمة للترشح لولاية رئاسية جديدة
قال الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون الاثنين في خطاب للأمة أمام البرلمان وفي حضور القادة العسكريين وشخصيات سياسية، “إن شاء الله يعطيني الصحة الكافية”، في رد على مطالبته من قبل عديد من النواب بالترشح لولاية رئاسية جديدة.
ولم يعلن تبون رسميا ترشحه لعهدة رئاسية ثانية لكن كل المؤشرات تجمع على أن خطابه أمام البرلمان والذي ركز فيه على ما تحقق خلال عهده من مكاسب اقتصادية واجتماعية، كان بمثابة إعلان ترشح ضمني.
وألقى الرئيس الجزائري خطابا مطولا موجه للأمة الجزائرية في تقليد سياسي جديد فسّر على أنه دعاية انتخابية مبكرة من دون أن يعلن ترشحه بشكل رسمي لخوض الانتخابات الرئاسية المقررة نهاية عام 2024.
وشكل الخطاب في مجمله حملة انتخابية دعائية غير مباشرة ربط فيها بين ما وصفه بالانجازات في عهده وبين مستقبل الجزائري، في إشارة ضمنية للرغبة في الاستمرار من خلال الترشح لولاية رئاسية جديدة من دون أن يذكر ذلك رسميا.
ويتوقع أن يعلن تبون في توقيت مناسب ترشحه لسباق الرئاسة على ضوء تحركات مكثفة في الفترة الأخيرة شملت عدة مناطق وتدشين مشاريع ضخمة. كما أشار الاثنين إلى أن نسبة النمو بلغت 4.2 بالمئة وأن احتياطي النقد الأجنبي يقترب حاليا من 70 مليار دولار، معتبرا أن ذلك يبعد الجزائر عن خطر الاقتراض الخارجي.
وفي الفترة الأخيرة من عهد الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة كان الاحتياطي النقدي عند 166 مليار دولار وتقلص إلى نحو 100 مليار دولار بعد الصدمة النفطية في منتصف يونيو 2014 عندما هوى سعر النفط من ذروة 100 دولار للبرميل إلى نحو 20 دولارا، ما تسبب في اضطرابات مالية في الدول المنتجة للنفط.
وكانت الجزائر من بين أكثر الدول تضررا بحكم اعتمادها بشكل شبه كلي على إيرادات الطاقة في تغذية الموازنة العامة وتمويل المشاريع الحكومية.
وفي 2019 عرفت اضطرابات على وقع حراك شعبي رفضا لترشح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة واضطر في النهاية تحت ضغط العسكر للتخلي عن الترشح للرئاسة قبل أن يعلن استقالته.
وبعد فترة انتقالية ترشح تبون للرئاسة وفاز بنسبة تقترب من 58 بالمئة من عدد الأصوات وسط مقاطعة شعبية كبيرة. ونجح كذلك منذ توليه منصبه في إخماد الحراك الشعبي مستغلا القيود التي فرضتها الأزمة الصحية الناجمة عن تفشي فيروس كورونا.
وأطلق الرئيس الجزائري الاثنين في خطابه للأمة وعودا جديدة بالعمل على تحسين المقدرة الشرائية للفئات الهشة وتوسيع وعاء منحة البطالة ورفع أجور موظفي القطاع العام.
وينفق النظام بسخاء في شراء السلم الاجتماعي لتفادي اشتعال الجبهة الاجتماعية ضمن ما تسميه السلطة المكاسب الاجتماعية التي تحرص باستمرار على عدم المس بها مخافة انفجار الاحتجاجات.
كما أشار تبون إلى الجهود المبذولة على المستوى الاجتماعي لتحسين القدرة الشرائية للفئات الهشة، من خلال توسيع وعاء منحة البطالة، ورفع أجور الوظيفة العمومية.
واستعرض في خطابه الإصلاحات التي تم تنفيذها خلال الأربع سنوات من عهدته الرئاسية، مؤكدا أنه جعل من تعزيز الطابع الاجتماعي للدولة “نبراسا لكل الجهود المبذولة”، مذكرا برفع الأجور وتأسيس منحة البطالة وتحسين المستوى المعيشي للجزائريين
واستهل كلمته بتوجيه تحية للشعب الجزائري، مضيفا أن خطابه أمام البرلمان هو أول خطاب موجه للأمة منذ خطاب الرئيس الراحل هواري بومدين عام 1977، معتبرا أن خطابه يأتي على غرار عرض بيان السياسة العامة للحكومة أمام البرلمان “الذي التزمنا به ونفذناه طبقا لدستور الجزائر الجديدة بعدما كان في وقت سابق يعرض حسب النزوات”.
وتحدث أنه منذ توليه قيادة البلاد التزم بـ”الحوار البناء نهجا للعمل ومن المصارحة ثقافة لتسيير الشأن العام”.
وأطنب الرئيس الجزائري في الحديث عن الجزائر الجديدة والأهداف التي خرج من أجلها الشعب في انتفاضة فبراير 2019 والتي طالب فيها بالتغيير، في تصريحات تبدو متناقضة إذ أن الاحتجاجات التي خرجت في تلك الفترة واستمرت حتى بعد استقالة بوتفليقة طالبت برحيل جميع رموز النظام بمن فيهم تبون نفسه الذي اعتبره المحتجون رمزا وامتدادا للنظام السابق.
وفي استعراضه للانجازات خلال 4 سنوات من حكمه، ركز تبون على الفترة التي سبقته والتي كانت سببا في احتجاجات 2019 متحدثا عن “الأزمة الخطيرة التي وضعت آنذاك مؤسسات البلاد على المحك بسبب تدهور الحكامة وتفشي الفساد وما تبعهما من تلويث للحياة السياسية وتكريس لمناهج استثمار استباحية للمال العام مما أدى إلى أزمة ثقة عميقة بين سلطة غائبة ومغيبة ومواطنين مقيدين خاب أملهم”.
وقال إن “انسداد الأفق السياسي وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السائدة عشية فيفري 2019 كادت أن تعصف بمقومات أمتنا ويفسح المجال أمام الجهات المتربصة بأمتنا ووحدتنا لتلحق بها ما عجزت عنه خلال سنوات طوال غير أن الهبة الوطنية المباركة لشعبنا الأبي وتلاحم الجيش الوطني الشعبي معه أحبطا مخططات المتآمرين وبعثا من جديد حلم إنشاء جمهورية جديدة فخورة بماضيها وتطلعها لمستقبل أفضل لأبنائها وشبابها”، مضيفا “لم يكن بوسعي بعد كل ما كابدته في سبيل التغيير أن أتخلف عن نداء الملايين من أبناء شعبنا المطالبين بإنقاذ بلادنا”، في إشارة إلى ترشحه للرئاسة وهي الانتخابات التي شهدت إقبالا ضعيفا وشكلت اختبارا لشرعية النظام.
وادعى أن البرنامج الذي قدمه كان استجابة لما طالب به الحراك الشعبي، بينما عمل بكل قوة على وأده بعد أن طالبه بالرحيل في تصريح يعتبر مغالطة مفضوحة.
وقال “البرنامج الذي قدمته للشعب الجزائري أرضية لإطلاق مسار شامل لإحداث تغيير حقيقي يسمح بالتقييم الوطني ويتيح لشعبنا العيش في جزائر ديمقراطية ومزدهرة ووفية لقيم نوفمبر المظفر في ظل دولة ذات طابع اجتماعي”.
وتحدث عن الجمهورية الجديدة قائلا “لقد عاهدت الشعب الجزائري الذي قلدني ثقته الغالية أن أعمل دون هوادة من أجل التأسيس لجمهورية جديدة عبر نهج إصلاحي مبني على 54 التزاما تيمنا بنوفمبر 1954. لأول مرة يكتب مترشح للرئاسيات التزاماته حتى يسمح لكل من يريد المحاسبة أن يحاسب”.
وعلى خلاف ما ذكره، نددت منظمات حقوقية محلية ودولية بالتضييق على الحريات وقمعها بالقوة من خلال الترهيب واعتقال العديد من نشطاء الحراك الشعبي والإعلاميين المعارضين لنهجه.