المنتدى العربي الروسي يؤسس لمرحلة جديدة من الشراكة بين الرباط وموسكو
يسعى المغرب إلى تطوير العلاقات مع موسكو عبر منتدى التعاون العربي الروسي ورفعها إلى مستوى حوار استراتيجي عربي-روسي فعلي وفاعل يكون فضاء حقيقيا للتنسيق ولشراكة بناءة وعملية ومثمرة، تخدم بشكل متوازن مصالح الطرفين وتساهم في أمن واستقرار المنطقة العربية.
وتحتضن مدينة مراكش المغربية المنتدى في دورته السادس، الذي يمثل امتدادا للعلاقات التاريخية القائمة بين المغرب وروسيا لأكثر من قرنين من الزمن ويعتبر منصة لتبادل وجهات النظر وتنسيق المواقف بشأن القضايا المختلفة على المستوى الإقليمي والدولي. ويرأسه وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة الذي أكد في كلمته خلال افتتاح أشغال المنتدى أن العلاقات بين الرباط وموسكو، عرفت قفزة نوعية إثر الزيارتين الرسميتين اللتين قام بهما العاهل المغربي الملك محمد السادس لروسيا الاتحادية سنتي 2002 و2016 حيث توجت الزيارة الأخيرة بتوقيع إعلان الشراكة الاستراتيجية، الذي أرسى أسسا جديدة للعلاقات الثنائية بين البلدين.
وتبحث هذه النسخة من المنتدى قضايا التعاون بين روسيا والعالم العربي وفقا للممارسات الجاري العمل بها، فيما يحتل المغرب المرتبة الثالثة ضمن قائمة أهم خمسة شركاء تجاريين لروسيا في القارة الإفريقية، وأكد بوريطة “يبقى دون طموحنا ورغبتنا في الارتقاء بهذه الشراكة الاستراتيجية إلى مستويات أعلى وآفاق أرحب”، مشددا أن انخراط المغرب في تقوية المنتدى العربي- الروسي والمضي على جميع الأصعدة، “تعبير عن رغبتنا في تطوير العلاقات متعددة الأبعاد التي تربط المملكة المغربية بروسيا الاتحادية”.
ولفت بوريطة أن التعاون العربي الروسي شهد تطورا ملموسا، منذ إرساء قواعد الشراكة بين الجانبين سنة 2009. مؤكدا أن الوقت حان ليتم التعامل مع العالم العربي وفق مقاربة مغايرة في التعاطي مع قضاياه وانشغالاته، تستجيب للتحديات الراهنة التي يعرفها العالم والمنطقة العربية خاصة، وتتعامل مع الدول العربية كمنظومة متسقة لها وزنها الإقليمي والدولي، وتنبني على شراكة حقيقية روحا ومضمونا، تدافع عن قضايا وانشغالات الدول العربية قولا وفعلا، قوامها التنسيق السياسي والتعاون الاقتصادي والتقارب الإنساني، والحرص المشترك على حفظ الأمن والسلم في المنطقة بالطرق السلمية.
واختير المغرب لاحتضان هذه النسخة من المنتدى خلال الدورة الماضية التي انعقدت في أبريل/ نيسان بالعاصمة الروسية موسكو عام 2019. وينعقد هذا الاجتماع ذو الطابع الإقليمي الذي يستمر يوما واحدا على مستوى وزراء الخارجية بحضور الوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. في إطار مذكرة التفاهم التي تربط الجامعة العربية بروسيا، حيث تم الاتفاق على أن تعقد هذه الدورة على شكل “ترويكا” موسعة، تتكون من الأمين العام للجامعة العربية والأعضاء الثلاثة في الترويكا الوزارية العربية، وكذلك رئاسة القمة والمشاركة مفتوحة أيضا في وجه الوفود الوزارية.
وتشدد الدبلوماسية المغربية على ضرورة مراعاة الشراكة بين روسيا والدول العربية التوازن والحرص على المصالح السياسية والاقتصادية من جهة وواقع الشركاء وبإمكاناتهم وتطلعاتهم من جهة أخرى، داعية إلى تفكير جماعي لرسم خارطة طريق لشراكة ناجحة وفاعلة يأخذ في الاعتبار أولا النظر في الإطار المنظم للتعاون بين الجانبين، بغرض الانتقال به من نمط التداول السياسي التقليدي إلى مرحلة الحوار الاستراتيجي، وفق رؤية استشرافية تأخذ بعين الاعتبار التطورات على المستويين العالمي والإقليمي، وتراعي المصالح المشتركة للطرفين.
ودعا وزير الخارجية المغربي إلى التفكير في مراجعة دورية اجتماعات المنتدى بما يسمح بالإعداد الجيد لها، وحتى يترك الوقت الكافي لتنفيذ خطة العمل المشتركة بالتنسيق مع مختلف المتدخلين في الدول الأعضاء، إضافة للاستفادة من تجارب الشراكات الإقليمية وممارساتها الفضلى، بما فيها منتدى “الروسي-الإسلامي” و”منتدى التعاون الروسي-الإفريقي”.
وبخصوص استمرار موجة العنف المسلح التي يتعرض لها قطاع غزة، وما خلفته -ولازلت- من ضحايا بالآلاف في صفوف المدنيين ومن تخريب ودمار وحصار شامل، جدد بوريطة تأكيد الملك محمد السادس انطلاقا من التزامه بالسلام وبصفته رئيسا للجنة القدس، إلى التحرك الجماعي كل من موقعه لخفض التصعيد ووقف إطلاق النار بشكل دائم وقابل للمراقبة، وضمان حماية المدنيين وعدم استهدافهم، والسماح بإيصال المساعدات الانسانية بانسيابية وبكميات كافيه لسكان غزة، وإرساء أفق سياسي للقضية الفلسطينية كفيل بإنعاش حل الدولتين المتوافق عليه دوليا.
وأشار إلى أن المغرب يعتبر أنه “لا بديل عن سلام حقيقي في المنطقة يضمن للفلسطينيين حقوقهم المشروعة في إطار حل الدولتين، ولا بديل عن دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، ولا بديل عن تقوية السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس أبو مازن، وبديل عن وضع اليات لأمن إقليمي مستدام قائم على احترام القانون الدولي والمرجعيات الدولية المتعارف عليها”.
وبشأن الأوضاع في ليبيا، أفاد أن المملكة تتطلع إلى إن تكتمل فصول العملية السياسية في طرابلس في أقرب وقت، بواسطة الليبيين أنفسهم عبر تنظيم الاستحقاقات الانتخابية في موعدها المحدد، بعيدا عن التأثيرات والتدخلات الخارجية، وهو ما سيشكل بداية لمرحلة جديدة في هذا البلد أسسها الاستقرار والشرعية والاستجابة لمتطلبات الشعب الليبي.
وأكد أن روسيا وبحكم مكانتها الدولية وبالنظر لدورها الإقليمي الفاعل وعلاقاتها الوطيدة بالعالم العربي واطلاعها المعمق على واقعه، قادرة على لعب دور بناء في حل هذه القضايا، وفقا لمبادئ التضامن الفاعل والتأثير الايجابي.