إسلاميو المغرب يعيدون أزمة التعليم إلى مربع المشاحنات والتعطيل
أعاد إسلاميو المغرب أزمة التعليم في المغرب إلى مربع المشاحنات مع دفع لا يهدأ لتأزيم الوضع بعد أن كان الائتلاف الحكومي بقيادة عزيز أخنوش قد توصل إلى صيغة مقبولة تعيد الأساتذة إلى علهم وتنهي الإضرابات بتسقيف الزيادة عند 1500 درهم وهو الحد الأقصى الممكن ضمن المستطاع ماليا وفي حدود ما تسمح به موازنة البلاد.
وكان أخنوش قد اتهم التابعة لحزب العدالة والتنمية بالتهرب من الحوار مع اللجنة الثلاثية الحكومية المكلفة بالبحث عن حل لأزمة قطاع التعليم، مشيرا إلى أنها تتمسك بالإضراب، وهي أوضح إشارة من الحكومة إلى دور النقابة التي يسيطر عليها الإسلاميون في تعطيل الحل والدفع نحو سنة دراسية بيضاء.
واختبر الإسلاميون في السابق القدرة على حشد الشارع ضد الحكومة في أكثر من ملف إشكالي ومحاولة إرباك عملها لكنهم فشلوا في ذلك واتسمت المظاهرات التي حشدوا لها بالضعف ما عمق أزمة حزب العدالة والتنمية الذي خرج من السلطة بهزيمة مذلة في آخر انتخابات تشريعية أنهت عقدين من حكمه.
لكن الأزمة الراهنة فتحت الأبواب للإسلاميين للعودة مجددا للمشهد بعد انكفاء بالإكراه ناجم عن فقدان الحزب ثقة الشارع وحتى ثقة غالبية قاعدته الانتخابية والشعبية وسط انقسامات وتصدعات داخلية واستقالات وانتقادات لتفرد الأمين العام للحزب عبدالاله بنكيران بالقرار.
ووجد بنكيران في أزمة التعليم فرصة لإعادة التموقع والدفع بهذه الأزمة إلى أقصاها بعيدا عن أي حل وسطي يمكن أن يرضي جميع الأطراف وينقذ السنة الدراسية وهي كما يبدو آخر اهتمام على أجندة الحزب الإسلامي.
ومعظم الأزمات التي تواجهها حكومة الليبيرالي عزيز أخنوش هي نتاج تراكمات من حكم الإسلاميين الذين قادوا ائتلافا حكوميا في مناسبتين متتاليتين لنحو عقد مع الحكومة الأولى لعبدالإله بنكيران ثم حكومة سعدالدين العثماني.
وتعمل الحكومة الحالية منذ توليها مهامها على تفكيك العقد والأزمات التي خلفها حكم الاسلاميين وهو أمر يحتاج إلى فسحة من الوقت لإعادة الترميم والبناء وبالفعل انطلقت وفق توجيهات ملكية في خطط عمل واعدة على طريق تحولات اقتصادية ونقل نوعية في مختلف المجالات.
لكن طريق حكومة أخنوش يبدو معبدا بالعراقيل والتحديات خاصة في ما يتعلق بالملف الاجتماعي وهو احد أثقل تركة من مخلفات حكم الاسلاميين.
وما فشلت فيه حكومتا بنكيران والعثماني خلال عقد يريد الاسلاميون من حكومة أخنوش نجاحات وانجازات في بعضة أشهر من توليها مهامها وهو أمر يخالف المنطق السياسي والزمني، إلا أنه يفتح لحزب العدالة بابا واسعا للاستمرار في الضغط والمناورة على أمل تعبيد الطريق لعودة قوية للمشهد بعد مغادرة وصفها محللون بـ”المذّلة” وبسقوط مدو لآخر لبنة في مشروع الإخوان للحكم بعد انهيار مشروع التمكين في مصر وتونس وليبيا وسوريا.
ولجأ بنكيران منذ بدء النقاشات ودعوات الحكومة المتواصلة للحوار، إلى إجهاض محاولات حل أزمة التعليم عبر الجمعية الوطنية لموظفي التعليم التابعة له، متهما الحكومة بالفشل في حل الأزمة بسبب ما وصفه بـ”سوء التصرف” وأن رفض منتسبي قطاع التعليم لجميع المقترحات الحكومية راجع لـ”فقدان الثقة”.
وعبر أخنوش عن رفضه جعل التلاميذ رهائن، فالمسؤولية لا تتحملها الحكومة فقط بل الآباء والمواطنون، مضيفا أن قرار الزيادات في أجور الأساتذة لم يكن إلا تصحيحا لوضع سابق تتحمله حكومات سابقة، بينما تواصل اللجنة الوزارية الحوار مع النقابات الأربع الأكثر تمثيلية وبابها مفتوح. كما أعلن أن نهاية هذا الأسبوع أو بداية الأسبوع المقبل سيكون موعدا للاتفاق على جميع بنود النظام الأساسي التي وجب تعديلها.
ولفت إلى أن وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة شكيب بنموسى، استقبل ممثلي النقابة وتحاور مع مكتبها لشرح مضامين ومستجدات الحوار مع النقابات الأكثر تمثيلية.
ووقعت الحكومة والنقابات المركزية الأكثر تمثيلية اتفاقا لتحسين دخل العاملين في قطاع التعليم في العاشر من ديسمبر الحالي وينص على إقرار زيادة عامة في أجور العاملين بمختلف هيئاتهم ودرجاتهم، بمبلغ شهري صاف يبلغ 1500 درهم (150 دولار).
وقال أخنوش إن الحكومة منفتحة على المحاورين المؤسساتيين لإصلاح الإشكاليات المطروحة في قطاع التعليم، مشيرا إلى أن الاتفاق السابق أخذ بالاعتبار مجموعة منها، مشددا على أن 1500 درهم هي سقف الزيادة في أجور الأساتذة، مؤكدا أن هذه الزيادة هي الأكبر في تاريخ الحكومات المغربية في حين أن الحكومة التي كان يرأسها حزب العدالة والتنمية لم تتحاور مع النقابات ولا مع النقابة التابعة له على مدى 10 سنوات كاملة.
وكانت حكومة بنكيران قد واجهت احتجاجات نقابية عديدة بهذا الشأن، حيث أرجعت رسالة النقابة العمالية في مايو 2021 أسباب الأزمة إلى السياسات “اللاشعبية واللاديمقراطية للحكومات بقيادة حزب العدالة والتنمية”، والتي كان من ” تجلياتها البارزة ارتفاع المديونية العامة وضعف الاستثمار العمومي وإفلاس آلاف المقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة وضعف مؤشر النمو وارتفاع نسبة الفقر وارتفاع أسعار المواد الأساسية ومنها أسعار المحروقات وأزمة التعليم العمومي وزحف التعليم الخاص وغيرها من المؤشرات السلبية”.
لكن حزب العدالة والتنمية بعد خروجه من الحكومة وتحوله إلى صف المعارضة صدّر جميع هذه الأزمات إلى حكومة أخنوش، وبدأ بإظهار دعمه للأساتذة في معركة لي الأذرع مع وزير التربية.
وظهر ذلك جليا من خلال لغة الخطاب التصعيدية التي استعملها الحزب بهذا الشأن بدلا من التهدئة لاحتواء الأزمة وتقريب وجهات النظر لفائدة المصلحة العامة.
ودخل والي بنك المغرب عبداللطيف الجواهري، على خط أزمة التعليم والاحتقان الذي يعرفه القطاع، معتبرا أن مختلف الأطراف ذات الصلة بقطاع التعليم مدعوة إلى تقديم تنازلات تفاديا لسنة بيضاء في المدارس العمومية وحرصا على مصلحة التلاميذ.
وقال الجواهري الذي كان يتحدث خلال الندوة الصحافية التي أعقبت الاجتماع الفصلي لبنك المغرب الثلاثاء، إنه “يجب أن نضع نصب أعيننا ألا يضيع حق أبناءنا التلاميذ، ولا بد من عودتهم إلى الأقسام”.
وأكد أنه وجب تقوية الجبهة الداخلية في سياق دولي متسم بالفردانية وأن هناك نوع من الإنصات للآخر والأخذ بعين الاعتبار للمطالب. ودعا الحكومة والأساتذة المضربين عن العمل إلى تقديم تنازلات للوصول إلى حل توافقي، مشيرا إلى أنه لا يمكن أن تكون هناك خطوة من طرف واحد.
ويأتي هذا الجدل بعد أن أعلنت هيئة التنسيق الوطني لقطاع التعليم، التي تضم 22 تنسيقية، في بيان مساء الأحد عن خوض إضراب يومي الخميس والجمعة، في خطوة لتقليص أيام الإضراب مقارنة مع ما أُعلن من قبل. وجاء ذلك بعد أن تعهدت الحكومة بمعالجة عدد من مطالب الأساتذة، بما في ذلك رفع الحد الأدنى للأجور وتحسين ظروف العمل وتوفير السكن.
لكن اللافت أن تصعيد حزب العدالة والتنمية وتحرك الاتحادات والتنسيقيات النقابية يشير بكل وضوح إلى الدفع نحو تأزيم الوضع لا حلحلة الأزمة والحيلولة دون سنة دراسية بيضاء.
والأرجح أن الحزب الإسلامي سيعمل على توظيف هذه الأزمة والمضي فيها إلى أقصى ما يستطيع على أمل استعادة موقعه في المشهد السياسي الذي يبدو مختلفا تماما عما كان عليه قبل نحو عقدين.