أعلنت قيادتا حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية و حزب التقدم والاشتراكية في المغرب تشكيل جبهة سياسية موحدة لمواجهة ما وصفته بـ”التغول” الحكومي الذي أفقد الحياة المؤسساتية توازنها المطلوب واللازم لكل بناءٍ تنموي مشترك.
واعتبر الحزبان أن “مُخرجات الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2021، أفرزت أغلبية عددية مع ضعف سياسي، ومحدودية في الإنجاز، وعجزا في الإنصات والتواصل، جعل الحاجة أكثر إلحاحا لتشكيل “جبهة وطنية” وانبثاقِ “حركة اجتماعية، لإبراز البديل عن الأوضاع الحالية، ولإعادة التوازن المؤسساتي في مواجهة هيمنة الحكومة وأغلبيتها، بما يضمن مشاركة الجميع في مسار البناء الديمقراطي والتنموي”.
وأكد رئيس حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إدريس لشكر أن الدافع إلى هذه المبادرة كان ما يمرّ به المشهد السياسي من اختلالات وممارسات تراكمت بشكل سلبي منذ اللحظات الأولى لتشكيل الحكومة الحالية”، مضيفا “ما زلنا نعتبرها كذلك إلى اليوم لكون الأغلبية الحكومية والبرلمانية مهووسة بالهيمنة والاستفراد بالقرار السياسي وتكريس منطق الهيمنة والتحكم”.
من جهته يرى الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية محمد نبيل بنعبد الله أن الحكومة فشلت في تدبير القضايا السياسية الإصلاحية الديمقراطية الأساسية، مشيرا إلى أن المملكة في حاجة إلى “صوت مسؤول، وطني، وغيور، وديمقراطي، وتقدمي قادر على القول إنه يمكن للمغرب أن يستمر بما يحياه اليوم من انحرافات وعطب ديمقراطي”.
وأكد أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة رشيد لزرق أن هذا التقدم في التنسيق بين الحزبين بادرة جيدة وستقوي حضورهما سواء داخل البرلمان للضغط على الحكومة أو في ما يتعلق التنسيق على مستوى الاستحقاقات القادمة ما يعطي قيمة إضافية لليسار بشكل عام، وهذا يدعو إلى تطوير إستراتيجية مبتكرة لمواجهة حكومة ليبرالية وخلق توازن بينها وبين قطب يساري يدافع عن العدالة الاجتماعية”.
وتجاوز الحزبان التوتر في العلاقة بينهما والخلافات التي منعت حدوث لقاء بنعبدالله ولشكر في السابق، رغم أن الحزبين عبرا مرارا عن عدم رضاهما عن مستوى التنسيق سابقا الذي كان ضعيفا إلى منعدم.
وفي كلمته أكد الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية أن هذا اللقاء يأتي كضمانة للمستقبل من أجل نجاح هذه المبادرة بشروط موضوعية بما يساهم في تطوير البلد على جميع المستويات، مضيفا أنه كان من المفروض الاستناد إلى بعض الوثائق التاريخية التي تعود إلى بداية الستينات منذ نشأة الحزبين، وكلها وثائق تؤكد مسعى وحدة الصف بين الحزبين وتشكيل مقاربة للدفاع عن قضايا الوطن والحريات والقضايا المجتمعية.
ولفتت قيادة الحزبين المعارضين إلى “ضرورة اعتبار الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية الحالية فرصة لإجراء الإصلاحاتِ الأساسية والتحولات والقطائع الضرورية” بما فيها تلك الواردة في برنامجي الحزبين والمتقاطعة مع عدد من مضامين وثيقة النموذج التنموي الجديد، بما يستلزمه ذلك من “تعبئة وطنية واستنهاضٍ للهمم، وبما يجعل بلدنا يمضي قُدُماً في الارتقاء بأوضاعه الداخلية ومكانته الدولية”.
وصدر البيان المشترك الموقع، في الرباط، من طرف الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية كثمرة للقاء الطرفين ثم اجتماعات اللجنة التحضيرية التي تلته.
ونبهت الوثيقة الموقعة بين الحزبين إلى “الأهمية البالغة التي تكتسيها وحدة الصف في خوض المعارك، والتي يكتسيها النضال المشترك بين القوى الوطنية التقدمية، في توطيد البناء الديمقراطي، وفي إنجاز الإصلاحات الكبرى الضرورية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية”.
ويعتقد لشكر في ضرورة “تجاوز حالة الركود السياسي الذي من بين مظاهره انحباس النقاش العمومي حول القضايا المجتمعية الأساسية، وتراجع أدوار الوسائط المجتمعية وفي مقدمتها الأحزاب السياسية، بما ينطوي عليه الفراغ من مخاطر تهدد المكتسبات التي حققتها بلادنا ديمقراطيا وتنمويا”.
وقالت قيادات من المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي أن التنسيق بين الحزبين سيشمل جوانب أوسع ويسهم في تقوية العلاقات الثنائية بينهما، مشيرين إلى أن الحزبين سينسقان معا مواقفهما من السياسة الحكومية بعد مدة طويلة لم يلتقيا معا في المعارضة، وهو الأمر الذي يؤكد تجاوز الخلاف في الرؤى بينهما.
وأكد عبدالواحد سهيل عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية أن هذا التنسيق على أعلى مستوى بين قوتين في اليسار انتهجتا خيار النضال الديمقراطي بمثابة مقدمة للاشتغال على القواسم المشتركة التي توجد وسط عائلة اليسار مع الحاجة إلى نقد ذاتي، خصوصا وأننا نملك في التقدم والاشتراكية والاتحاد الاشتراكي قواسم مشتركة في تجربة التدبير الحكومي والمحلي وتقارب في التصورات للملفات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
وأورد لزرق في تصريح لـه أن هذا التنسيق بين الحزبين اليساريين جاء كاستجابة لطبيعة المواضيع التي ستطرح والذي يفرض نفسه بقوة الأشياء مثل مواد القانون الجنائي ومدونة الأسرة، والتي تستوجب تكتل القوى اليسارية لتفعيل الحقوق الدستورية للمعارضة وتمكينها من القيام بمهامها، على الوجه الأكمل، في العمل البرلماني والحياة السياسية.
وأعلن الحزبان “عزمهما المشترك أن تظل المبادرة مفتوحة في وجه كافة الفعاليات الوطنية الديمقراطية، في احترام تام وتَقَيُّد صارم بأخلاقيات العمل المشترك وقيمه، التي يَحدُوهَا نفس التطلع إلى تقوية الفعل النضالي مؤسساتيا وجماهيريا، إسهاماً في الارتقاء بالمسار الديمقراطي والتنموي لبلادنا”.