المغرب يقص شريط رحلات الطيران النظيف في أفريقيا
حقق المغرب نقلة نوعية كبيرة في معاضدة الجهود العالمية الرامية إلى التحول نحو الوقود النظيف بإطلاق أول رحلة طيران تجارية يتم تشغيلها باستخدام الوقود الخالي من الكربون. ويقول محللون إن نجاح الخطوة يعطي زخما كبيرا لفتح آفاق تبني الحلول الخضراء في النقل الجوي.
الرباط – أعلنت الخطوط الملكية المغربية الأحد أنها أطلقت أول رحلة طيران خالية من الكربون من قارة أفريقيا عبر طائرة بوينغ دريملاينر، وذلك بالتعاون مع شركة أفريقيا سي.أم.دي.سي لتوزيع الوقود المحلية.
وتمثل الرحلة، التي انطلقت من الدار البيضاء إلى العاصمة السنغالية داكار، إنجازا كبيرا لخفض انبعاثات النقل الجوي من خلال تطوير وقود طائرات نظيف وصديق للبيئة، وهو ثمرة جهود طويلة للصناعة والباحثين في البلاد.
وتنضم شركة الطيران المغربية إلى قائمة قصيرة من شركات المنطقة العربية التي شرعت في تجريب الوقود المستدام وكان أبرزها الاتحاد للطيران المملوكة لحكومة أبوظبي، ومنافستها المحلية طيران الإمارات المملوكة لحكومة دبي.
ويعد إطلاق الرحلة “المسؤولة بيئيا” سابقة تاريخية للخطوط الملكية المغربية وللطيران التجاري الأفريقي عموما، وتتزامن مع انعقاد مؤتمر المناخ (كوب 28) في دبي حيث تناقش المجموعة الدولية عددا من الرهانات البيئية.
وتستجيب هذه المبادرة للأهداف الطموحة التي تم تحديدها خلال هذا المؤتمر العالمي، الساعي إلى تسريع التحول الأخضر لكوكب الأرض. كما تندرج في تناغم تام مع سياسة المغرب في مجال التنمية المستدامة واستعمال الطاقات المتجددة.
وقال بيان مشترك للشركتين أوردته وكالة الأنباء المغربية الرسمية إن الطائرة التي كان على متنها 302 من الركاب، أي بكامل طاقتها، “استخدمت 9 أطنان من الوقود المستدام، أي 40 في المئة من الكمية اللازمة للرحلة، ما أتاح تجنب انبعاث 23 طنا من الكربون”.
وأضاف “تم تعويض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن بقية الوقود التقليدي المستخدم للرحلة من قبل الخطوط الملكية المغربية في إطار برنامج تعويض الكربون الطوعي الذي تقوده مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة”.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة الطيران الحكومية عبدالحميد عدو “فخورون بإطلاق أول رحلة بوقود طيران مستدام تربط بين دولتين أفريقيتين”.
وأضاف “تندرج العملية في إطار جهودنا للمساهمة في تطوير الأبحاث والتجارب التي تقوم بها الصناعة والباحثون والمتخصصون من أجل الحد بشكل كبير من التأثير الكربوني في قطاع الطيران”.
وأوضح عدو أن هذا يعكس “التزامنا بتسريع عملية إزالة الكربون من النقل الجوي المغربي، من خلال الالتزام الكامل، على غرار القادة الرئيسيين في قطاع الطيران، بتحقيق هدف الحياد الكربوني بحلول عام 2050”.
وتتمثل المرحلة الإستراتيجية الأولى من هذا الهدف في دمج 10 في المئة من وقود الطيران المستدام اعتبارا من عام 2030.
وقال عدو “اليوم، كرائد أفريقي، يجب على الخطوط الملكية المغربية أن تكون نموذجية وأن تمهد الطريق في قارتنا”.
ورغم أن قطاع الطيران، وخاصة السفر الجوي والشحن، لا يساهم إلا بنسبة 2 في المئة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية فإن كافة الفاعلين في الصناعة يعبئون جهودهم لاستخدام وقود الطيران المستدام.
9
أطنان من الوقود النظيف استخدمت في رحلة بوينغ من الدار البيضاء إلى داكار
وقال الرئيس التنفيذي لشركة أفريقيا سي.أم.دي.سي سعيد البغدادي “يشرفنا أن نكون شريكا للخطوط الملكية المغربية وأن نواكبها في تنفيذ هذه الرحلة التاريخية، التي تعد بمثابة لبنة جديدة لتشجيع استهلاك الوقود المستدام في بلادنا”.
وأضاف أن هذا الاتجاه “أمر لا محيد عنه لتحقيق إزالة الكربون من النقل الجوي”.
وأوضح أنه “في إطار إستراتيجيتها البيئية الإرادية تلتزم الشركة بشكل حازم باستكشاف جميع الحلول الممكنة لضمان إدماج أهداف الاستدامة طويلة المدى للنقل الجوي في المغرب”.
ويعد استخدام وقود الطيران المستدام خطوة رئيسية ستمكن من إزالة الكربون من قطاع النقل الجوي على الرحلات الجوية المتوسطة والطويلة.
ولم تتطلب المجموعة المتنوعة من وقود الطيران المستدام الذي استخدم للرحلة التي انطلقت السبت الماضي أي تعديل على المحركات.
ويأتي هذا الوقود المستدام من تحويل الزيوت النباتية المستخدمة، حيث يوفر تخفيضا يصل إلى 90 في المئة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على مدار دورة الحياة بأكملها مقارنة بما يعادله من الوقود الأحفوري.
ويجري تطوير أنواع أخرى من قبل القطاع والباحثين، مثل وقود الطيران المستدام المنتج من الكتلة الحيوية، أو من الهيدروجين وثاني أكسيد الكربون المأخوذين من الغلاف الجوي.
وتعمل الخطوط الملكية المغربية منذ سنوات على تقليل بصمتها الكربونية عبر العديد من البرامج، لاسيما تجديد أسطولها والدمج التدريجي لطائرات الجيل الجديد مثل طائرات دريملاينر، مما يسمح بخفض البصمة الكربونية بنسبة 25 في المئة.
ونفذت الشركة أيضا برنامجا طموحا لتقليص استهلاكها للطاقة، مثل تقليل الوزن على متن الطائرات، وتحسين خطط الطيران، وحتى إجراءات الصيانة للطائرات المسؤولة بيئيا.
ومكنت هذه التدابير، الواردة في برنامج كفاءة استهلاك الوقود، الخطوط الملكية المغربية من تقليص استهلاكها للوقود بنسبة 10 في المئة وانبعاثات الكربون بنسبة 10 في المئة كذلك.
كما تم تنفيذ مشروع آخر لكفاءة الطاقة في مباني الخطوط الملكية المغربية، مما مكنها من الحصول على شهادة القيادة في الطاقة والتصميم البيئي (لييد)، وهي شهادة معترف بها عالميا في مجال التنمية المستدامة.
وبفضل كل هذه التدابير حصلت الشركة في العام الحالي على شهادة التقييم البيئي للاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا)، وهو نظام للتدبير البيئي وضعه الاتحاد ويشهد على احترام الالتزامات البيئية.
وأكدت الخطوط المغربية في البيان أنها عازمة على تعزيز ريادتها في أفريقيا من خلال الابتكار والاستثمار في استخدام وقود الطيران المستدام في السنوات المقبلة، مع المساهمة في تطوير حلول أكثر استدامة.
ويتم إنتاج وقود الطيران المستدام، وهو وقود بديل مخصص للطيران، من موارد مختلفة متجددة كليا أو جزئيا، مثل الكتلة الحيوية أو الطحالب أو النفايات الزراعية أو الغذائية أو حتى الهيدروجين.
ويتم تصميم هذا الوقود ليتم مزجه مع الوقود الأحفوري المستخدم في الطيران، دون تعديل محركات الطائرة. وإنتاجه معقد ويجب أن يفي بمعايير صارمة.
ويجري تطوير تكنولوجيات جديدة، بما في ذلك وقود الطيران الاصطناعي المستدام، المصنوع من الهيدروجين والكربون المأخوذين من الغلاف الجوي.
وتعد الاستثمارات المستهدفة والضوابط التنظيمية وآليات الدعم الحكومي من بين العوامل المحفزة التي من شأنها أن تسهّل انتقال القطاع إلى وقود الطيران المستدام.