تفكير أوروبا في التخلي عن الغاز يربك الجزائر
شكل قرار مجموعة الاتحاد الأوروبي الخروج من دائرة استهلاك الغاز العام 2050، في إطار ما بات يعرف بالحياد الكربوني، جرس إنذار مبكرا للجزائر من أجل البحث عن بدائل أخرى، على اعتبار أنه يشكل أحد مصادر دخلها القومي، فضلا عن مصير استثمارات ضخمة في هذا الشأن، كالخط الرابط بين أفريقيا وأوروبا مرورا عبر دولة النيجر ثم الجزائر.
وأثار الوزير الجزائري السابق للطاقة (1989 – 1991) والمدير العام السابق لشركة سوناطراك صادق بوسنة ملف الحياد الكربوني بإسهاب في ندوة نظمها نادي الطاقة الجزائري، خاصة في ظل تفاقم المخاطر البيئية في العالم، والتوجه نحو الاستغناء عن الطاقات التقليدية، التي تشكل المصدر الأساسي لعائدات البلاد، بما في ذلك الغاز الذي احتل مكانة إستراتيجية في السنوات الأخيرة بسبب الأزمة الأوكرانية.
◙ التوجه نحو الحياد الكربوني يوجه إنذارا مبكرا للجزائر التي تعتمد على الطاقة في تحقيق عائدات العملة الصعبة
ووفقا للخبير الجزائري فإنه “ينبغي مناقشة هذه القضية في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين الذي يعقد في دبي، تحت ضغط من وكالة الطاقة الدولية والأوروبيين وبعض المنظمات غير الحكومية”.
وكانت وكالة الطاقة الدولية قد غيرت مقاربتها تحت ضغط الطوارئ المناخية من عصر الغاز الطبيعي إلى الحياد الكربوني، ودعت إلى “الوقف السريع لاستعمال هذه الطاقة، من أجل تحقيق أهداف الحياد الكربوني بحلول 2050″، وتتوقّع في هذا الشأن انخفاضا حادا للغاية في استهلاك الغاز من 4000 جرام مكعب في اليوم إلى 920 جراما مكعبا في عام 2050، كما تخطط أوروبا لخفض استهلاكها بنسبة 70 في المئة بحلول الموعد النهائي نفسه.
ويشكل هذا التوجه إنذارا مبكرا للجزائر التي تعتمد على الطاقة في تحقيق عائدات العملة الصعبة، كما أنها كثفت إنتاجها واستغلالها في السنوات الأخيرة تحت ضغط الطلب الأوروبي الذي يريد تغطية النقص الروسي، لكن دخول الحياد الكربوني حيز التنفيذ بعد أقل من ثلاثة عقود يجعل الإدارة المختصة في موقع حرج، لاسيما بالنسبة إلى الاستثمارات والعقود المبرمة.
ومع ذلك، يتساءل الخبير صادق بوسنة عما إذا كانت أوروبا قادرة على الاستغناء عن الغاز، في حين أن الولايات المتحدة والصين ليستا على نفس الوتيرة، كما أنه في البلدان الناشئة لا يوجد ما يشير إلى أنها تعتزم استبعاد الغاز الطبيعي من أجل تحولها البيئي.
ويرى أنه “حتى لو كانت قدرة الصمود، أكثر هشاشة من قدرة النفط، فإن حظر الغاز في مثل هذا الإطار الزمني القصير ليس واضحا على الإطلاق، وأن المشكلة في الواقع أكثر تعقيدا مما تبدو عليه، لاسيما وأن الممارسة أظهرت أن الطاقات المختلفة لا يتم استبدال بعضها بالبعض الآخر، بل تتراكم مع مرور الوقت، فاليوم نستهلك الحطب والفحم أكثر من أي وقت مضى “.
ويضم بوسنة صوته إلى صوت وكالة الطاقة الدولية ليقول بأنه إذا انخفض الطلب على الغاز بالمعدل المرغوب، فسوف “تنخفض الأسعار إلى مستويات تعني نهاية الغاز الطبيعي المسال الأميركي، وهو ما لن تقبله الولايات المتحدة، وعند مستويات الأسعار هذه، سينتعش الطلب مرة أخرى”.
كما أن البلدان الناشئة تدفع لصالح أجندة زمنية أبعد، لأنها ما تزال في حاجة إلى الوقود الأحفوري، وهي تعارض بالفعل هذا الجدول الزمني، لأن تنميتها لا تزال تحتاج إلى الهيدروكربونات، أو حتى الفحم بالنسبة إلى بعضها”.
وتعتمد الجزائر بشكل كلي في مداخيلها من العملة الصعبة على عائدات النفط والغاز الذي حقق طفرة لافتة بسبب الأزمة الأوكرانية في السنوات الأخيرة، ولذلك فإن استغناء الأوروبيين عن الغاز سيكون انتكاسة لعائداتها في المستقبل.
ويتساءل وزير الطاقة الجزائري الأسبق “ما الفائدة من الدعوة إلى وقف فوري للاستثمارات في النفط والغاز مع العلم أنها غير واقعية على المدى القصير؟ إلا إذا كان ذلك لأغراض تعليمية، بغية تنبيه الرأي العام العالمي إلى ضرورة مكافحة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون”.
ويذكر بشأن موقف وموقع الجزائر في ضوء المنعرج المفاجئ بأن “الترتيبات التي سيتم اتخاذها في المستقبل القريب ستشمل الصادرات والاستهلاك الداخلي على السواء، ومجال المناورة سيكون بالضرورة محدودا للجزائر، لأننا يجب أن نتوقع ضغوطا متزايدة من بعض شركائها، مما قد يعيق مشاريعها للغاز”.