الإمارات والمغرب: شراكة أخوية متنامية
تمثل زيارة الدولة التي قام بها مؤخراً إلى دولة الإمارات العاهل المغربي الملك محمد السادس محطة استثنائية في مسيرة العلاقات بين البلدين الشقيقين، حيث أجرى الملك محمد السادس محادثات مثمرة مع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الإمارات.
ووقّع قائدا البلدين إعلان “نحو شراكة مبتكرة ومتجددة وراسخة” بين المملكة المغربية ودولة الإمارات، بهدف تطوير مختلف مجالات التعاون الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والانتقال بها إلى آفاق نوعية أرحب تلبي تطلعات قيادتي البلدين وآمال الشعبين الشقيقين في توثيق التعاون وتطوير العلاقات الثنائية والارتقاء بها نحو المزيد من التنمية والنماء.
وحققت هذه الزيارة المهمة العديد من النتائج المثمرة، ومنها توقيع اثنتي عشرة مذكرة تفاهم، تعد في مجملها خارطة طريق مهمة تمضي عليها مسارات التعاون بين البلدين في مختلف المجالات، وتتضمن هذه المذكرات إرساء شراكة استثمارية في مشروعات القطار فائق السرعة في المملكة المغربية، ومذكرة بشأن شراكة استثمارية في ملف المياه، وأخرى بشأن شراكة إنمائية، وثالثة بشأن شراكة استثمارية في قطاعي الزراعة والصيد البحري ورابعة بشأن تعاون استثماري في قطاع المطارات، وخامسة بشأن خط أنبوب الغاز بين المغرب ونيجيريا، وسادسة للتعاون الاستثماري في قطاع الموانئ، وسابعة بشأن التعاون المشترك في قطاع الأسواق المالية وسوق الرساميل، وثامنة بشأن إرساء شراكة استثمارية في مشروعات تخزين المعلومات.
♦ العلاقات الإماراتية ـ المغربية توصف تقليديا في الأدبيات السياسية بأنها علاقات أخوية تاريخية، وهذا الأساس القوي يوفر لها المناخ اللازم للتطور
وتوصف العلاقات الإماراتية ـ المغربية تقليدياً في الأدبيات السياسية بأنها علاقات أخوية تاريخية، وهذا الأساس القوي يوفر لها المناخ اللازم للتطور، المدعوم بقوة الروابط التي تجمع بين قيادتي البلدين، والذي تعكسه كلمات الترحيب وأجواء الاستقبال والحفاوة الرسمية التي قوبل بها العاهل المغربي في دولة الإمارات.
واستقبل الشيخ محمد بن زايد الملك محمد السادس في “قصر الوطن” مرحباً به “في بلده وبين أهله”، مؤكداً “متانة الأواصر الأخوية الراسخة بين دولة الإمارات والمملكة المغربية، التي تقوم على التفاهم والاحترام المتبادل والتعاون والتي وضع أسسها القوية الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والملك الحسن الثاني”، ومؤكدا “نحن نحرص على مواصلة نهجهما وإرثهما في تعزيز هذه العلاقات والبناء عليها”.
هناك إذن إرادة قوية مشتركة لتقوية العلاقات وتطويرها، ولذا فإن الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي يوقعها البلدان خلال الزيارات المتبادلة تلعب دوراً حيوياً كقاطرة تفتح آفاقا جديدة للتعاون وتحقيق الآمال خلال الفترة المقبلة، ولاسيما أن البلدين قد اتفقا خلال اجتماعات اللجنة المشتركة في أبريل الماضي على مضاعفة التبادل التجاري والاستثماري خلال السنوات السبع المقبلة.
ويمثل إعلان الشراكة أيضاً نقطة مضيئة في تاريخ العلاقات الإماراتية ـ المغربية، حيث تجسد مثل هذه الصيغ في العلاقات الدولية نوايا ومسارات بعيدة المدى تمثل إطار عمل إستراتيجي لكل المؤسسات والقطاعات في البلدين، كما تعكس رغبة قوية مشتركة في المضي قدماً للبناء على ما تحقق في مختلف مجالات التعاون الثنائي وقطاعاته، وتحقيق اختراقات إيجابية جديدة عبر شراكات مثمرة في مختلف مجالات التعاون التي تصب في مصلحة البلدين والشعبين الشقيقين، ولاسيما أن مذكرات التفاهم التي تم توقيعها تشتمل على شريحة عريضة من مجالات التعاون والقطاعات التنموية والاستثمار في قطاعات عديدة ذات أبعاد إستراتيجية حيوية من شأنها توسيع قاعدة التعاون وتوثيق الروابط.
وما يميز العلاقات القوية بين دولة الإمارات والمملكة المغربية أنها لا تقتصر على المجالات السياسية والاقتصادية والاستثمارية، بل تشمل منظومة كاملة من العلاقات التي تطال الجوانب الاجتماعية والثقافية والفكرية والإنسانية وغيرها. ورغم أهمية المصالح المشتركة كمرتكز لا غنى عنه في بنية العلاقات الدولية، فإن العلاقات بين دولة الإمارات والمملكة المغربية تتجاوز الأطر التقليدية، على أهميتها، وتقوم على الود والروابط الأخوية المتينة التي توفر لهذه العلاقات قدراً مميزاً من الخصوصية والتفرد، وتوفر لها المنعة والحصانة في مواجهة متغيرات السياسة وتقاطعات المصالح.
وانطلاقاً من الأساس القوي للعلاقات الإماراتية ـ المغربية، فإن التعاون مستمر ومتواصل ويزداد عمقاً ورسوخاً بفضل الرعاية التي تحظى بها من جانب الشيخ محمد بن زايد والملك محمد السادس حتى أصبحت العلاقات الثنائية بين البلدين نموذجاً مثالياً يحتذى به للتعاون بين الأشقاء على المستويين الرسمي والشعبي، فالمملكة المغربية شريك استثنائي في التنمية والاستقرار والتعاون والتنسيق والتشاور المستمر من أجل دعم العمل العربي والإسلامي المشترك، والحفاظ على الأمن والاستقرار، ونشر قيم التسامح والتعايش والوسطية، التي نتقاسمها سوياً، ونبذ العنف والتطرف والإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار للبشرية جمعاء.
♦ ما يميز العلاقات بين دولة الإمارات والمملكة المغربية أنها لا تقتصر على المجالات السياسية والاقتصادية بل تتعداها لتطال الجوانب الاجتماعية والثقافية والفكرية والإنسانية
ويضاف إلى ذلك تنامي حجم التبادلات التجارية والاقتصادية والاستثمارية بشكل قوي (الإمارات ثاني أكبر شريك تجاري عربي للمغرب خلال عام 2021، حيث بلغ حجم التجارة الخارجية غير النفطية بين البلدين 3.6 مليار درهم أي ما يقابل 991.2 مليون دولار أميركي خلال عام 2022 محققة نمواً بنسبة 16 في المئة مقارنة بعام 2021، وبنسبة نمو 67.3 في المئة مقارنة مع عام 2020)، وكون الإمارات تشغل المرتبة الأولى على صعيد الاستثمارات العربية والثاني عالميا بقيمة استثمارات تبلغ أكثر من 50 مليار درهم بالمملكة المغربية.
والملاحظ أيضاً أن عدد مذكرات التفاهم التي تم توقيعها خلال الزيارة الأخيرة للملك محمد السادس إلى الإمارات تساوي تقريباً مجمل مذكرات التفاهم التي تم توقيعها بين البلدين في السنوات والعقود السابقة، والتي تمثل إطار عمل للجنة المشتركة التي تأسست في مايو 1985، وعقدت دورتها الأولى بأبوظبي في نوفمبر 1988 برئاسة وزيري خارجية البلدين، وانعقدت الدورة الثانية بالرباط في يونيو 2001، فضلا عن أن تنوع مجالات التنوع وشمولها لتطال مختلف جوانب التعاون والعلاقات الثنائية مع التركيز على القطاعات ذات العائد الاقتصادي والتنموي، يعكس قيمة الشراكة بين البلدين وأهميتها المتصاعدة.
وتؤكد الشواهد أن العلاقات التاريخية الأخوية بين دولة الإمارات والمملكة المغربية تمر بأزهى فتراتها ومراحلها، ومهما استفضت في وصف هذه العلاقات فإن ما قاله الملك محمد السادس في وصف علاقات البلدين الشقيقين بأنها “علاقات ثنائية مثالية تعبّر خير تعبير عن الوفاء للعهد الذي كان يجمع الشيخ زايد والحسن الثاني، رحمهما الله”، يبقى خير تعبير عن حقيقة هذه العلاقات الأخوية المتينة.