مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تتصدى للتمدد الإيراني
أكد رئيس فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بجمهورية غينيا، عبد الكريم ديوباتي، أن الثوابت الدينية المشتركة بين المغرب وباقي البلدان الإفريقية تعتبر إحدى المكونات الأساسية للهوية التي توحد بين أبناء شعوب هذه البلدان في المواقف والقناعات والاختيارات.
وتحمل مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة على عاتقها توحيد جهود علماء المغرب وباقي دول القارة السمراء لحماية العقيدة الاسلامية والوحدة الروحية للشعوب الإفريقية من كل النزاعات والتيارات والأفكار التضليلية، خصوصا في السنوات الأخيرة مع زيادة المحاولات لزرع الفتنة لتحقيق أهداف سياسية ظهرت جليا في التحركات الإيرانية لتصدير التشيع والإسلام السياسي.
وأوضح ديوباتي في كلمة باسم علماء المؤسسة، بمناسبة انطلاق أشغال الدورة السنوية العادية الخامسة لاجتماع المجلس الأعلى للمؤسسة التي تحتضنها فاس ما بين السادس والثامن من ديسمبر الجاري، أن “علماء القارة الإفريقية اجتمعوا على أصول ومذاهب تم الاتفاق عليها والالتزام بها اقتداء بالسلف الصالح في ممارستهم لشعائر الدين تحت مظلة إمارة المؤمنين”.
وأوضح ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، ما يعنيه ديوباتي دون الإشارة إليه صراحة، قائلين أن هناك محاولات إيرانية واضحة في السنوات الأخيرة للتمدد في غينيا والدول الأفريقية عبر الخطاب الديني الغريب على المنطقة.
وتعتمد استراتيجية طهران تجاه أفريقيا على بناء النفوذ المدني والسياسي قبل تحويل ذلك النفوذ لقوة عسكرية لتنفيذ المصالح العليا الإيرانية وقد نظمت العديد من المؤتمرات واللقاءات تحت ستار ديني، ضمن مشروع قومي لنشر التشيع في ثلاثين دولة أفريقية.
وكانت إيران منذ بداية تغلغلها بغرب أفريقيا، واعية بأنها تشتغل في وسط هشّ وصراعي، متنوع دينيا وعرقيا ويفوق عدد سكانه 250 مليون نسمة؛ تتبع في عمومها المذهب السنّي المالكي، وترتبط بشكل وثيق بالتديّن المغربي الوسطي المعتدل.
ولكن رغم ذلك استطاعت إيران في العقدين الماضيين تحقيق اختراقات للنسيج الديني والاجتماعي في غرب أفريقيا من خلال المنظمات الخيرية الشيعية الحكومية والأهلية، وتلك المرتبطة بكل من المراكز التَّعليمية والثَّقافية، والمشاريع الاقتصادية الاستثمارية.
وتعمل إيران على ربط التشيّع بالسياسة الدولية لإيران وأهدافها القومية، مما يهدد غرب أفريقيا بمزيد من التوترات والحروب الداخلية، خاصة مع تنامي الصراع الدولي على أفريقيا، والتي تدخلت فيها إيران بتكوين وتجهيز “حزب الله النيجيري” الذي تجاوز تأثيره نيجيريا ليمسّ عموم منطقة غرب أفريقيا.
وأمام هذه التحديات يسعى العلماء الأفارقة إلى التمسك بقيمهم وحماية العقيدة الروحية من التدخلات السياسية تحت مظلة مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة.
وأكد ديوباتي أن هذه الثوابت الدينية المشتركة “تشكل منظومة متكاملة من السمات الروحية والاختيارات التدينية التي أصبحت قوية أكثر من أي وقت مضى بفضل جهود ومبادرات مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، التي يحرص الملك محمد السادس على أن تكون إطارا للتعاون وتبادل التجارب وتنسيق الجهود بين العلماء الأفارقة”.
وذكر بيان للمؤسسة أن الدورة تشهد مشاركة رؤساء وأعضاء فروع المؤسسة في 34 بلدا إفريقيا، وعددهم 300، بمن فيهم 50 من السيدات العالمات، كما سيحضرها العلماء المغاربة الأعضاء بالمجلس وعددهم 17 عالما، من بينهم 4 عالمات.
وأضاف ديوباتي أن “العلاقات الدينية والروحية بين البلدان الإفريقية تعتبر علاقة أخذ وعطاء وتفاعل، مما يتيح الاشتراك في اختيارات دينية أسسها ورعاها العلماء وحراس الوجود المعنوي للأمة المؤتمنون على تبليغ شرع الله في أسسه ومقاصده”.
وشدد على أن اهتمام المملكة بالشأن الإفريقي “متجذر في التاريخ وثمراته في العصر الحاضر”، مشيرا إلى حضور العلماء الأفارقة المستمر في الدروس الحسنية واحتضان مدينة فاس لمؤتمرات ومهرجانات الطرق الصوفية، فضلا عن توقيع اتفاقيات عديدة للتعاون في مختلف مجالات التنسيق في الشؤون المشتركة وخاصة في المجال الديني.
وسيتم في ختام هذه الدورة، تقديم البيان الختامي لاجتماع المجلس الأعلى للمؤسسة وعرض التوصيات التي ستتمخض عنها أعمال اللجان الأربع.
وأوضح البيان أن مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة ستنظم على هامش أشغال هذه الدورة، بخزانة جامع القرويين الجمعة حفل الإعلان الرسمي عن “ميثاق العلماء الأفارقة”، وهو دليل مذهبي بمثابة وثيقة مرجعية خادمة لجهود المؤسسة وراعية لعلمائها ومحققة لأهدافها.
كما سيتم توزيع الجوائز على الفائزين بمسابقة حفظ القرآن الكريم وترتيله وتجويده التي جرت بمدينة فاس بين 10 و12 رمضان 1444 في أبريل/نيسان الماضي، عبر تقنية التناظر المرئي.
وفي هذا السياق، نوه ديوباتي بالأثر الواسع والإشعاع البالغ لمعهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات في مختلف البلدان الإفريقية التي يستفيد أبناؤها من القيمين الدينيين وطلبة العلم الشرعي من تكوينات علمية ودينية عميقة تمكن من التشبع بقيم الوسطية والاعتدال، “وهو ما جعل النموذج المغربي في تدبير مجال الشأن الديني يحظى بالقبول وتسعى كثير من البلدان الإفريقية الى استلهامه والاستئناس به”.
وتتميز هذه الدورة بانضمام 14 فرعا جديدا للمؤسسة تمثل بلدان بوروندي وبوتسوانا والكونغو برازافيل والرأس الأخضر وإسواتيني وغينيا الاستوائية وليسوتو وموريشيوس وموزمبيق وناميبيا وجنوب السودان وسيشيل وزامبيا وزيمبابوي.