بين المغرب والإمارات.. رُبَّ جار فاعل لم تلده لَك الجُغرافيا
في مثل هذا الشهر من سنة 1971، في ثاني أيَّامه، تأسَّست دولة الإمارات العربية المتحدة، ورأسها، حاكم أبوظبي الشيخ زايد آل نهيان. بعد سنوات قليلة سيلمس المغاربة حُضور الشيخ زايد وحضور الإمارات في المغرب، ويكون للمغرب حضورٌ في “الإمارات” كثيفٌ وفاعلٌ، كما لو أن البَلَدين جاران، متلاصقان، لا تفصِل بينهما آلاف الأميال ومميزات جغرافية. نسج الملك الحسن الثاني مع الشيخ زايد علاقة أخُوَّة، صادقة ودافئة، انْعكست على العلاقات بيْن الدولتين وبين الشعبين، مِلؤُها التضامن الأخوي والتنافُع المُجدي. علاقات نسجت “جُغرافيتها” الخاصة بتضاريس متداخلة ومتفاعلة، لا حدود فيها، بحيث لا تباعُد بينهما سبع ساعات من الطيران. لم يعد البلدان هُما “الجار السابع” لبعضهما البعض، بل صارا الجارَ الأول الذي يجُرُّ لأخيه المنفعة ويدرأ عنه المَضرة. واستمرّت تلك العلاقات في مسار تعميقها بين الملك محمد السادس والقيادة الإماراتية، وخاصة رئيسها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، بنفس صدق الأخوة، عمق التفاهُم وَوَاقعية التفاعُل.
إنّها علاقات تكاد تكون استثنائية بين بلدين عربيّين، لا تَنفُث جملا حماسيّة تتبخّر بعد صدورها في بيان، وتُدار بحكمة “الذّكاء العاطفي”، بحيث تُلجّم الواقعية السياسية والاقتصادية جُموح مشاعر الأخوة، وبحيث تكون تلك المشاعر هو التشحيم الذي يصون دواليب المصالح من الصدأ ويحمي “حديدها” من خُدوش الاحتكاك وصريره وشراراته.
◙ خطةُ شراكةٍ تاريخيةٍ، بأبعادها وبشموليتها وبواقعيتها وبدقَّتها وتنوُّعها.. وطبعا بخلفيتها السياسية الأخوية والتضامُنية بين المغرب والإمارات، وبين الملك محمد السادس والشيخ محمد بن زايد
الاثنين في مدينة أبوظبي، استقبل الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة العاهل المغربي الملك محمد السادس ملك المملكة المغربية، استقبالَ العُظماء، بِبَهاء وفخامة، تكريما له ولكل المغرب الذي يمثله وأيْضا وفاء لعبق العلاقات الإماراتية المغربية في عُمْقها التاريخي، وشَحنا لطاقاتها في انطلاقتها النوعية نحو مُستقبلٍ حافلٍ بإرادة الإنجازات. في الاستقبال كانت مشاعر الأخوة جياشة.. ثلاث مرات والقائدان يتبادلان الْعناق. في الاسْتقبال، استحضر الشيخ محمد بن زايد تاريخ الإمارات، بوَمَضَات العُروبة فيه والتي صدح فيها الفرسان النّشامَى، بأهازيج التِّرحاب العربية.
عاطفة الاستقبال تدفّقت واقعية، دقيقة ومُتبصِّرة في إعلان “نحو شراكة مُبتكرة ومُتجدّدة وراسخة بين المملكة المغربية ودولة الإمارات العربية المتحدة”. وهي خُطّة “شراكات اقتصادية فاعلة” لفائدة الشّعبين. الخطة تطوُّر نوعي في مسار العلاقات المغربية – الإماراتية، بل وفي مسار العلاقات البيْنية العربية، تحقُنه بمثال، من المُمْكن الاقتداءُ به، على “الترجمة” المُثلى للصّيغة الفُضْلى للتضامن العربي، ومَدْخلها الواقعية والعقلانية. وهي التي تُؤَمّن تحقيق التعاون العربي على قاعدة تبادل المنْفعة و”الاسْتِرباح”، بضمانة الأخوَّة ولتعْميقها واسْتدامَتها.
الخطة تلك هي استدعاء واستقبال مغربي لشراكة اقتصادية مع الإمارات في المشروع النهضوي، الإصلاحي والتحديثي، الذي يقوده الملك محمد السادس في المغرب.. المشروع الذي بلغ مُستوى من التطور النوعي في المنجز الاقتصادي والاجتماعي المغربي، ما وفّر له بنيات وروافع استقبال متينة، لمثل تلك الشراكة مع الإمارات، حتى تكون مفيدة ومُرْبحة للشريك ونافعة للمغرب ودافعة لتحولات نوْعية في بنياته التحتية الاقتصادية والاجتماعية.
وجَدَ منْ شكك في جاهزية المغرب لإنزال طموحه النهضوي إلى واقعية الانجاز، عبر سُؤال، من أين لك تلك المليارات من الدولارات المطلوبة “لاسْتمطار” تلك الطموحات… إنشاء وتطوير مَوانئ، تطويرُ توسيع السِّكك الحديد، إنشاء أسطولٍ بحري، المساهمة في أنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب، توسيعُ شبكة الطرق السيَّارة، بناء ملاعب جديدة لاحْتضان كأس أفريقيا والعالم، تطوير النسيج الصناعي المغربي، تطوير البنيات التحتية للصّحة العمومية لتوفير الدعم المالي المباشر للأرامل وللْفئات المُعوِزة ولدعم الحقّ في السكن لتلك الفئات، ولمُواجهة آثار دمار زلزال الحوز ولإعادة إعمار المنطقة.. و.. و.. حُسن النّية مُفْترَضة في ذلك السؤال، ولكنه ليس سؤالا فلسفيا جوابه في سؤال آخر.. الجواب عليه كامن في الديناميكية التنموية المعيشة وفي منجزها السياسي والاقتصادي والذي “أقْنع” الإمارات بالانخراط فيه عبْر خُطّة الشراكة المُوَقَّعة في أبوظبي.
◙ الخطة هي استدعاء واستقبال مغربي لشراكة اقتصادية مع الإمارات في المشروع النهضوي، الإصلاحي والتحديثي، الذي يقوده الملك محمد السادس في المغرب
وُضوح الرُّؤية التنموية المغربية ودِقة “خارطة طريقها”، بتمَرْحُلاتها وبتدَرُّجها الملموسة في ما تحقق في الروافع التنموية من قفزات وما تَعِد به من تطوُّرات، هي واحدة من الجاذبية الاستثمارية للمغرب.. استقراره، سياسيا واجتماعيا وأمنيا. والعامل الثالث هو اتِّزانُه في علاقاته الخارجية، تُؤهّله بأن يَعبُر مَخاض التحوُّلات العالمية بمناعة قويّة ضد هزَّاتها، فهو على علاقة بين أطراف الصراعات العالمية وحتى العربية، فارِضا فيه احترام استقلاليته، وفاعلا في مُشتركات النَّفع فيها.
هي خطةُ شراكةٍ تاريخيةٍ، بأبعادها وبشموليتها وبواقعيتها وبدقَّتها وتنوُّعها.. وطبعا بخلفيتها السياسية الأخوية والتضامُنية بين المغرب والإمارات، وبين الملك محمد السادس والشيخ محمد بن زايد. وقد تم نسْجُها في نُول الأخوّة المغربية الإماراتية، في أروقة ودفء مَمَرّات العلاقات الإماراتية – المغربية، بعيدا عن أضواء الإعلام، بلا ضجيج وبلا تسويق.. حتى وقعت في الزيارة الملكية وانكشف للعالم حجم “خطة الشراكة” وعمقها ومداها البعيد. وقد أسْعدت شعبيْ المغرب والإمارات العربية، وستثير ذُهول بعض أطراف علاقات المغرب والإمارات معا. وهي ولا شك تُشعل نيران الحنَق والحِقد في سياسات الحاقدين على المغرب، خاصة وتلك الخُطة تشمل كل جغرافية المغرب من الناضور إلى الداخلة، وتعزِّز سياسيا واقتصاديا المكاسب الوطنية المغربية، وتدعم الانفتاح المغربي على أفريقيا، بل ريادتُه فيها، مما يُقزِّم شَغَبَ أولئك الحاقدين فيها، ويُبْقيهم في “غيِّهم يعمهون”، واغلين في هُزال صدقيتهم الخارجية وفي الخَصاصات الداخلية المُمتدّة من الاستقرار السياسي والاجتماعي وإلى المواد الغذائية الأساسية.. وإلى الحكمة وإلى الصداقة قبل الأخوة.
إنه الحقد الذي يُباعد بين ذوي التّماس في التضاريس الأرضية. وهي الأخوة الحكيمة بين المغرب والإمارات التي تمتص شساعة البعد الجغرافي.