تمر العلاقات الاقتصادية بين المغرب وموريتانيا بمرحلة مهمة ترجمتها المبادلات التجارية التي شهدت ديناميكية غير مسبوقة خلال سنة 2022، وهو ما يقول عنه محللون إنه عامل محفز لمزيد تعزيز العلاقات السياسية.
وأفادت سفارة المغرب في نواكشوط أن قيمة المبادلات التجارية ناهزت 300 مليون دولار سنة 2022 محققة بذلك نسبة نمو بلغت 58 في المئة مقارنة مع سنة 2020. وأضاف البيان أن المغرب أصبح أول مورد أفريقي للسوق الموريتاني، محتكرا 50 في المئة من البضائع التي تستوردها نواكشوط، وأكثر من 73 في المئة من مجمل الواردات الموريتانية القادمة من الدول المغاربية.
وتتكون الصادرات المغربية نحو موريتانيا، من 80 في المئة من المواد الغذائية والزراعية والمواد المصنعة وآلات ومعدات النقل، كما تشكل الخضر والفواكه حوالي 20 في المئة من إجمالي تلك البضائع.
وتقف العديد من العوامل وراء هذا النمو، منها الجوار الجغرافي بين البلدين وسلاسة التعاملات بين الموردين المغاربة ونظرائهم الموريتانيين، وجودة السلاسل اللوجستية والجودة العالية والسمعة الطيبة التي تتميز بها المنتجات المغربية في السوق الموريتانية.
ويرى محللون أن الرباط ونواكشوط تسيران بثبات نحو رسم معالم علاقات مستدامة ترتكز أساسا على المصلحة المشتركة، وعلى التعاون في العديد من المجالات وخصوصا التجارية والاقتصادية والأمنية، ما يعطي شحنات لانتعاش العلاقات السياسة خصوصا مع وصول الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني إلى الحكم في أغسطس 2019.
وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس قد أكد، الاربعاء الماضي، في برقية موجهة إلى رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية، محمد ولد الشيخ الغزواني، بمناسبة احتفال بلاده بعيد استقلالها، على “حرص المملكة مواصلة العمل سويا على تعزيز علاقاتنا المتينة، بما يسهم في الارتقاء بها إلى مستوى شراكة إستراتيجية تستجيب لتطلعات وطموحات شعبينا المشتركة”.
ويرى هشام معتضد الباحث في العلاقات الدولية أن “الارتفاع المتسارع في المعاملات التجارية والصادرات المغربية نحو نواكشوط هو توجه إستراتيجي يهدف الى تعميق التوافقات السياسية في عدد من الملفات، وإلى تقوية علاقات بأبعاد جنوب – جنوب لخلق فضاء سياسي أكثر واقعية ومرونة”.
واعتبر معتضد في تصريح لـه أن النمو الاقتصادي المتسارع بين البلدين هو اختيار سياسي للرباط وانخراط إستراتيجي لنواكشوط، خاصة وأن الطرفين يدركان أهمية الدفع بالبعد الاقتصادي، الذي يساعد الجارين للرقي إلى مستويات تحترم الجوار الجغرافي وتستثمر في التكامل الاقتصادي، مستجيبين في ذلك لتطلعات الفاعلين الاقتصاديين وحاجيات الشعبيين بما يحفظ التوازنات التجارية الدولتين.
ودفع تعميق العلاقات التجارية والاقتصادية إلى خلق ملتقى للاستثمار ينظم كل سنة بأحد البلدين، ويضم مجموعة من رجال الأعمال الموريتانيين والمغاربة، بهدف تعزيز الشراكة بين البلدين.
ويقول مراقبون إن المجالين التجاري والاقتصادي أساسيان في تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، خصوصا بعدما وقع المغرب وموريتانيا العام الماضي، على هامش انعقاد اللجنة العليا المشتركة في الرباط، عددا من الاتفاقيات، تهم التجارة والاستثمار، والصناعة والسياحة، والإسكان، والبيئة والتنمية المستدامة، والأمن، والصحة، والثقافة، والزراعة والصيد البحري، والإيداع والتدبير، والتكوين المهني.
ونوه رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش بالديناميكية الإيجابية التي أضحت تعرفها هذه العلاقات وما يكتنفها من رغبة متزايدة في تعزيز مساراتها وتطويرها لما فيه مصلحة البلدين، مع بلورة الأساليب الكفيلة بإرساء شراكات فاعلة، في أفق تحقيق الاستغلال الأمثل للإمكانيات الاقتصادية بالبلدين.
ويقول متابعون للشأن المغاربي إنه على المستوى الإقليمي يولي المغرب أهمية لموريتانيا في ما يتعلق بسياسته الخارجية ويناسبه أن تتبني نواكشوط موقف الحياد الإيجابي، والأهم بالنسبة إليه هو تضييق الخناق على جبهة بوليساريو الانفصالية إقليميا ودوليا وقاريا، لهذا فهو يتعاطى مع موقف نواكشوط بنوع من البراغماتية وتعميق أسس الشراكة والتعاون. ومن المرتقب أن يتم افتتاح قنصلية عامة لنواكشوط الشهر المقبل في مدينة الدار البيضاء، بعدما أمر الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني بفتحها في سبتمبر الماضي لتقديم خدماتها للجالية الموريتانية.
الدبلوماسية المغربية النشطة، مع جوارها الموريتاني والأفريقي، عامل حاسم في التحول الذي تشهده مواقف الكثير من الدول تجاه خطوات المغرب
واعتبر متابعون أن توسيع التمثيل الدبلوماسي سيضع العلاقات المغربية – الموريتانية على سكة الثبات والاستقرار على كافة المستويات. وتتميز الديناميكية المتسارعة في العلاقات الثنائية منذ تأمين معبر الكركرات في العام 2020 من طرف القوات المسلحة المغربية ما سهل من سلاسة الحركة المرورية في الاتجاهين المغربي والموريتاني.
ولاقت الخطوة ترحيبا كبيرا من مواطني البلدين، لاسيما بعد تأمين معبر الكركرات الحدودي من طرف السلطات المغربية، و وترحيب يعود إلى أهمية المعبر بالنسبة إلى موريتانيا لتصدير أسماكها نحو أوروبا، والحفاظ على مداخيلها الجمركية، بالإضافة إلى أهميته في تمتين العلاقات الثقافية والاجتماعية بين الشعبين، لاسيما وأن الجامعات المغربية تفتح ومنذ عقود أبوابها للطلاب الموريتانيين، وهو ما تأسست من أجله في السابق جمعية للأطر الموريتانيين الذين تخرجوا من تلك الجامعات.
ويقول مراقبون إن الدبلوماسية المغربية النشطة، والرؤية الإستراتيجية المغربية لعلاقات البلاد مع جوارها الموريتاني والأفريقي، عاملان حاسمان في التحول الذي تشهده مواقف الكثير من الدول تجاه خطوات المغرب.
وإلى الجانب التجاري والسياسي أخذ الجانب الأمني أبعادا مهمة في التعاون الثنائي، تمثّلت في زيارة المفتش العام للقوات المسلحة الملكية المغربية، قائد المنطقة العسكرية الجنوبية الفريق أول محمد بريظ، إلى نواكشوط، بداية نوفمبر الماضي، ولقائه مع قائد أركان الجيش الموريتاني المختار بله شعبان، ما يعكس تقاربا أمنيا وعسكريا بين البلدين في ظل التحديات الأمنية المشتركة.
وأوضح معتضد في تصريح لـه أنه لا يمكن فصل الشأنين السياسي والأمني عن الشأنين الاقتصادي والتجاري في العلاقات الثنائية بين المغرب وموريتانيا، ويمكن التأسيس على هذه الشؤون كآلية إستراتيجية لتعزيز العلاقات بين البلدين، في إطار رؤية الرباط الهادفة إلى خلق فضاء جيوسياسي ذي تفاعل إيجابي من أجل إعطاء العلاقات الثنائية بعدًا إيجابيا سينعكس دون شك على الجانب السياسي لتطور العلاقات بين البلدين.