مواجهة مفتوحة بين اخوان المغرب والتيار الحداثي حول مدونة الأسرة
يتمسك التيار الإسلامي بالجمود في مدونة الأسرة وسط صراع مع التيار الحداثي بشأن فتح النقاش في المواد التي تتعلق بتجديد الطرح في القضايا الخلافية التي تعتمد على تشريعات تعتبر قديمة ولا تتناسب مع العصر الحالي، خصوصا فيما يتعلق بقضايا النساء والمسؤوليات الملقاة على عاتق المرأة ولم تكن موجودة سابقا.
ولم يهدأ الصراع بين التيار الإسلامي والحداثيين بشأن تعديل المدونة الأسرة حيث يصر حزب العدالة والتنمية وذراعه الدعوية حركة التوحيد والإصلاح على رفض مطالب مراجعة نظام الإرث في المدونة التي يجري جمع المقترحات بشأنها، متذرعا أنها تتعارض مع النصوص الدينية.
في المقابل هناك شبه إجماع لدى التيار اليساري المغربي على المطالبة بالمساواة في الإرث واعتباره نظاما “مجحفا” في حق المرأة المغربية.
ويشدد المطالبين بحقوق المرأة على ضرورة إعادة النظر في المادة 400 من مدونة الأسرة وفتح الباب أمام الاجتهاد لتصحيح الوضع “المختل”؛ الأمر الذي يرفضه الإسلاميون بشدة، ما ينذر بمعركة جديدة تلوح في الأفق بين التيارين المختلفين.
ويقول حزب العدالة والتنمية أن مطالب حذف المادة 400 تحيل إلى اجتهادات المذهب المالكي. وهي مادة يتم اللجوء إليها في كل ما لم يرد فيه نص في مدونة الأسرة.
وأوضح في مذكرة بخصوص إصلاح مدونة الأسرة، بأن المذهب المالكي “اختاره المغاربة منذ أكثر من اثني عشر قرنا مذهبا رسميا للدولة المغربية، وظل إلى يومنا هذا، تعبيرا عن الوحدة المذهبية الدينية والأصالة الحضارية للأمة المغربية”.
واستغرب متابعون إشادة الحزب الإسلامي باختيار مضى عليه اثنا عشر قرنا، لم يعد يتناسب مع العصر ولا مستجداته ولا التطورات التي طرأت على المغرب والعالم أجمع، بينما يتجاهل الحزب مسار التنمية الذي تسير عليه المملكة والذي يتواكب مع نهضة اجتماعية تتطلب مراجعة وإصلاح التشريعات القانونية التي تمس نواة المجتمع وهي الأسرة وقضاياها.
وأصر عبد الإله بنكيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، على احترام المرجعية الإسلامية التي تتأسس عليها مدونة الأسرة، مشددا أن في “هذه المرجعية المصلحة الحقيقية للشعب، وفيها حكم الله وأن ما عداها قابل للنقاش”.
وذكر بنكيران في كلمة له خلال ندوة صحفية نظمها الحزب حول مدونة الأسرة، الجمعة، أن المعركة اليوم ليست حول مصالح الطفل أو المرأة أو الأسرة، بل معركة مرجعيات.
وأردف أن هناك من ينطلق من مرجعيات غير أصيلة في مطالبه بخصوص المدونة، تلك المرجعيات التي أتت من الخارج، ولها مجموعة من الأوعية والنساء المسؤولات في مستويات عالية يدافعن عنها ويرفعن مطالبها.
واعتبر أن بعض المطالب التي يرفعها بعض الأشخاص والهيئات، تتجه إلى أشياء جزئية وإلى قضايا ليس فيها مشكل، من قبيل تعديل الإرث.
في المقابل طالبت فيدرالية اليسار الديمقراطي بحذف المادة، مبررة ذلك بكونها أصبحت وسيلة لتقييد اجتهاد القاضي بالمذهب المالكي وحده خاصة، فيما استقت المدونة الحالية بعض أحكامها من مذاهب أخرى.
وبدوره طالب حزب التقدم والاشتراكية بحذف هذه المادة، معتبرا على لسان أمينه العام محمد نبيل بنعبد الله في ندوة تم تنظيمها قبل أسابيع، هَذه المادة “مفتوحة” على اعتماد اجتهادات غير واردة في مدونة الأسرة”.
وبحسب محللين فإن هذه ليست المرة الأولى التي تتم فيها المواجهة بين التيارين، وكانت هناك سوابق تبين من خلالها أن المغرب كمجتمع استطاع أن يتجاوز هذه الحالات من خلال التوافقات.
واعتبر المحلل السياسي محمد العمراني بوخبزة نحن نقول إننا نحسن تدبير الاختلاف، ونصل إلى التوافقات في آخر المطاف؛ لأنها تسمح بالاستمرار”، مذكرا بأنه خلال سنة 2004 عاش المغرب “الوضعية نفسها، وكان هناك حديث عن مجموعة من الأمور التي لم تكن في الحقيقة صحيحة، وكانت جمعيات محسوبة على الخط الحداثي ترفع السقف عليا، والاتجاهات والتنظيمات المحسوبة على التيار ذي المرجعية الدينية كذلك يرفع السقف… وفي آخر المطاف، تكون هناك توافقات”.
وتابع بوخبزة، “كان دائما لدينا هذا النقاش وكانت ملفات صعبة ما بين الأطراف، مضيفا “هناك الجانب المتعلق بالتحكيم المنصوص عليه في الوثيقة الدستورية، والملك محمد السادس يمكنه أن يقوم بعملية التحكيم الذي يحظى في الغالب بقبول كل الأطراف”.
وذكر بأن المرجعية التي تشتغل من خلالها الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة مرتبطة بـ”التوجيهات الملكية، والأمر واضح بالنسبة لجلالة الملك هو أنه لن يحلل ما حرم الله ولن يحرم ما أحل الله، وهذا كان إشارة كبيرة صراحة إلى توجيه عمل الهيئة؛ وبالتالي فعندما نتحدث عن الإرث، فهناك نصوص قطعية..، ولا أظن أن الهيئة كيفما كان نوعها ستحاول أن تثير هذه المشاكل؛ ولكن هناك بعض الأمور التي تقبل الاجتهاد”.