دعم أمني جزائري لبوليساريو لضبط مواجهات بين قبيلتين في تندوف
تنتشر الفوضى في مخيمات تندوف بعد فشل جبهة بوليساريو الانفصالية بالسيطرة على نزاع مسلح بين قبيلتين بسبب سوء إدارتها، وتدخلها لصالح طرف على حساب آخر ما أدى لتدخل القوات الجزائرية لاحتواء الصراع.
وأشار منتدى دعم الحكم الذاتي بتندوف “فورساتين” أن اشتباكات اندلعت أولا بالمخيم المذكور بين أفراد من قبيلتي الفكارة والسكارنة. وفي مواجهة عجز الانفصاليين عن استعادة النظام، تسببت هذه الاشتباكات في إشعال حرائق في الخيام وبث الذعر بين السكان. ورغم أن قيادة بوليساريو حاولت إخفاء وجود هذه الأحداث وفرضت طوقا أمنيا على المخيم، إلا أن الصراع تحول إلى مواجهة مسلحة.
وذكر المنتدى أن الصراع “عرف تطوراً إلى مستويات خطيرة بعد تدخل عناصر ينتمون لقبائل أخرى لمؤازرة أصدقائهم في تجارة المخدرات من قبيلة السكارنة، التي تخوض صراعا دمويا مع قبيلة الفقرة”.
وأضاف أن هذا الوضع الذي عرف حمل السلاح دون استعماله، والاستعراض خارج المخيم، دفع السلطات الجزائرية إلى التدخل لأول مرة بشكل رسمي داخل مخيمات تندوف، حيث بعثت بقوة من الدرك الجزائري لتطويق المكان، وحالت دون حدوث مجزرة بين الطرفين، ولمنع المواجهة بالرصاص الحي، لاسيما في ظل ضعف قيادة بوليساريو وعدم قدرتها على احتواء خلاف بسيط.
وتراكمت طيلة العقود الماضية داخل مخيمات تندوف ممارسات لا حقوقية في حق الصحراويين المحتجزين بالمخيمات، من بينها منع التعبير عن الرأي، ووأد كل حركة تنادي بمراجعة الطرح الانفصالي. وناشد المضطهدون المجتمع الدولي والفعاليات الحقوقية الدولية، للتدخل من أجل الوقوف على حجم الانتهاكات الموجودة بالمخيمات.
وقال العباس الوردي، أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط، إن “ظهور الصراع بشكل واضح هذه المرة يؤكد أن السكان قد ضاقوا الأمرين وأصبحت ترسل إشارات إلى المنتظم الدولي بأنها تنتفض ضد القوى الجزائرية في تندوف، وضد الانفصال والإرهاب الذي يُمارس عليها من طرف البوليساريو، وتعريفه بالوضع القائم في هذه المخيمات البعيد جداً عن أبسط شروط العيش وحقوق الإنسان، الذي سبق أن كشفه المغرب بالدلائل ونبّه إلى خطورة تفاقمه”.
وعن تدخل الجزائر لفرض النظام بالمخيمات، قال الوردي، في تصريح لهسبريس، إن ذلك “دليل على أنها (الجزائر) لم تعد تتوارى وراء الستار في دعم الجبهة الانفصالية، وتأكيد أيضا على أن المخيم جزائري محض، ما يجعلها أمام فضيحة دولية”.
وأشار إلى أن “تدخل الدرك الجزائري لفرض النظام في هذه المخيمات يؤكد ضرب الجزائر قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة عرض الحائط، وتشبثها بدعم الإرهاب والتطرف وتأجيج الوضع الأمني على مستوى دول شمال إفريقيا والصحراء”.
وبعد أن فقدت قيادة بوليساريو بوصلتها في تنفيذ مخططاتها في المنطقة، لم تعد تتقبل الحقائق الميدانية والوضع السياسي الجديد، الذي يعزز مكاسب المغرب مع توسع الاعتراف الدولي بسيادته على صحرائه، فلجأت إلى التهديد باغتيال المعارضين، في المخيمات التي تعيش وضعا مأساويا.
وطالب سكان المخيمات مرارا بحمايتِهم من التعسفات التي يتعرضون لها من قبل قيادة الجبهة الانفصالية والمطالبة بكل حقوقهم كلاجئين، وما يضمنه لهم القانونُ الدولي من حقّ في الحركة والعمل.
وأشار المنتدى إلى أن الفوضى تزامنت وغياب ما يسمى أجهزة عصابة البوليساريو، التي تركت المخيمات مثل الغابة الغلبة فيها للأقوى ما يستدعي دق ناقوس الخطر والتدخل لحماية المدنيين.
وقال محمد الغالي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، إن “جميع التكهنات كانت تشير إلى أن الوضع الأمني داخل تندوف لا يمكن أن يستمر على حاله، بالنظر إلى هشاشته في ظل تطاحنات ومواجهات في الأوساط التنظيمية لجبهة البوليساريو وغياب التوافق بين القيادات السابقة والجيل الجديد”.
وأضاف الغالي أن “هناك جهات تصر على ضرورة التحرر من التحكم الجزائري فيما يتعلّق بتحديد العلاقة مع المملكة المغربية، وإدارة وتدبير الأمور بمنطق وروح أخرى تتماشى والتحولات الجديدة، لاسيما ما يتعلّق بالأرضية السياسية للحكم الذاتي، بينما تصر أطراف أخرى موالية للجزائر على بقاء الحال كما هو”.
من جانب آخر، يضيف الخبير في العلاقات الدولية “تؤجج سيطرة أطراف دون أخرى على المساعدات الموجهة نحو المخيمات هذا الصراع داخل جبهة البوليساريو، فضلا عن منح مناصب قيادية داخل التنظيم وتمثيلياته في الخارج للمنتمين إلى قبيلة دون أخرى أو بنسب متفاوتة”.
وكانت مخيمات تندوف قد شهدت مظاهرات ندد فيها المحتجون بتجويعهم وزيادة معاناتهم، بينما تنهب أموال المساعدات وتصرف على قادة الحركة الانفصالية، مستنكرين سياسة إطالة أمد النزاع المفتعل وتمسك الانفصاليين بحلول عبثية تفرضها الجزائر.