الحكومة المغربية تشهر ورقة الاقتطاع من رواتب ضد المدرسين المضربين
التجأت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة في المغرب إلى تفعيل إجراء الاقتطاع من رواتب المدرسين المضربين عن العمل خلال الأسابيع الأخيرة، بسبب احتجاجهم على النظام الأساسي.
ويأتي ذلك بعد أن سعت حكومة عزيز أخنوش في مرحلة أولى للتهدئة مع المدرسين المطالبين بسحب مرسوم النظام الأساسي للتعليم، وخوض إضراب عام وطني لمدة ثلاثة أيام، حيث عبّرت عن استعدادها للجلوس على طاولة الحوار معهم.
وسبق أن أكد الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس أن “موضوع التعليم استأثر بنقاش واسع داخل اجتماع المجلس الحكومي الأخير”، مبرزا “حرص الحكومة على أن يبقى الحوار مفتوحا مع مختلف الهيئات والنقابات التعليمية”.
ورفضت مصالح وزارة التربية في المغرب تقديم إفادات بخصوص الاقتطاع والمبالغ التي تقرر اقتطاعها من رواتب الموارد البشرية المضربة.
ولم تفصح الوزارة عن الطرق المستخدمة في عملية الاقتطاع، ولا عن عدد الأيام المعنية بذلك، باستثناء حديثها في مراسلة موجهة إلى مدير نفقات الموظفين بالخزينة العامة للمملكة عن مباشرة 47 ألف اقتطاع.
وبالموازاة مع عدم كشف الوزارة عن أي تفاصيل بخصوص الاقتطاع، رجح مراقبون أن يكون الإجراء يهم نصف عدد الأساتذة المضربين الذين صنفتهم الوزارة متغيبين عن العمل، كما قد لا يشمل كل أيام الإضراب دفعة واحدة ويقتصر على اقتطاعات جزئية على دفعات.
ومن المنتظر أن يؤدي لجوء الوزارة إلى اقتطاع أيام الإضراب كاملة إلى خصم ما يفوق 2500 درهم (680.70 دولار) من راتب كل أستاذ معني، باعتبار أن مدة الإضراب عن العمل
فاقت 18 يوما، فضلا عن اختلاف الوضعيات الاجتماعية، الأمر الذي سيفاقم وضعية الأساتذة في ظل غلاء المعيشة.
كما ينتظر أن تثير الاقتطاعات جدلا واسعا في صفوف المدرسين، إذ أكد نقابيون أنها ستزيد من تأزيم الوضع وتفاقم الاحتقان في القطاع، رغم إشارتهم إلى أنهم لم يتوصلوا بأي معطيات بخصوص هذه الخطوة.
وقال محمد خفيفي نائب الأمين العام للجامعة الوطنية للتعليم المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل، إن “الاقتطاع سيساهم في تأجيج الأوضاع وزيادة الاحتقان والغليان”، مضيفا أنه “في حالة الاقتطاع، فإن الأساتذة لن يقدموا على تعويض الساعات التي أضربوا فيها، لهذا فالمستهدف من هذا العمل هو التلميذ”.
وأكد على أن “الإضراب يبقى حقا دستوريا، وليس هناك أي قانون أو صيغة قانونية للاقتطاع من رواتب الموظفين”.
وأوضح خفيفي أن “الوضعية الحالية سيساهم الاقتطاع في تأجيج توترها، في الوقت الذي نحن في حاجة إلى تدخلات وازنة كي تعود الأمور إلى مجراها”.
وجددت النقابات التعليمية رفضها للنظام الأساسي ودعمها لكل نضالات المدرسين ميدانيا، مع المطالبة بالزيادة في رواتب وتعويضات كافة المدرسين، مهيبة بجميع الكوادر التعليمية بمقاطعة اللقاءات التواصلية للوزارة على جميع المستويات، سواء المحلية أو الإقليمية أو الجهوية، والاستعداد لمواجهة كل المخططات.
وأعلن عدد من الهيئات النقابية، السبت والأحد، عن خوض إضراب وطني لثلاثة أيام (21 و22 و23 نوفمبر الجاري)، من بينها الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب والكونفدرالية الديمقراطية للشغل و”التنسيقية الوطنية لأساتذة التعليم الثانوي” و”التنسيقية الوطنية لأساتذة وأطر الدعم الذين فرض عليهم التعاقد”.
ورفضت “الشغيلة التعليمية” (نقابة الأساتذة) اتصالا من الكاتب العام لوزارة التربية الوطنية دعا فيه “النقابات الممثلة إلى اجتماع تمهيدي من أجل التحضير للحوار الجديد مع اللجنة الثلاثية المكلفة من رئيس الحكومة لمتابعة الملف، مع إمكانية عقد ندوة صحفية لتصحيح العديد من المغالطات والتضليل الذي صاحب النظام الأساسي.
وشدد يونس فيراشين الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم أن “النقابة لم تعد مستعدة للقاءات ماراثونية مع وزارة التربية الوطنية، بل الآن الحوار مع اللجنة الثلاثية التي كلفها رئيس الحكومة بمتابعة الموضوع، وبشروط جديدة للحوار”.
وعبرت “التنسيقية الوطنية لأساتذة التعليم الثانوي” عن رفضها لما أسمته بـ”الاقتطاع الجائر من رواتب المضربين”، مؤكدة أنه “سيقابل هذا التعسف بعدم تعويض الزمن المدرسي الذي تتحمل الوزارة وحدها مسؤولية هدره وسيواجه بأشكال نضالية غير مسبوقة وأكثر تصعيدا”.
ونبّه المرصد الوطني لمنظومة التربية والتكوين الحكومة إلى تدني رواتب الأساتذة مقارنةً مع أمثالها في الوظيفة العمومية، ملتمسا من رئيس الحكومة عدم إعمال قرارات الاقتطاع من الرواتب، داعيا المدرسين إلى تعليق احتجاجاتهم أو تأجيلها أو إيجاد صيغ مبتكرة للاحتجاج، ضمانا لحق أبناء الوطن في التعليم، وتوفيرا لظروف تسمح بالحوار والتفاوض على الملفات المطروحة على أساس الصدق والثقة المتبادلة.
ووضع فريق حزب الحركة الشعبية بمجلس النواب طلبا من أجل عقد اجتماع عاجل مع المسؤولين الحكوميين حول “الاحتقان الذي تشهده المنظومة التربوية في المغرب كون ملف إضرابات الأساتذة يحتاج إلى مقاربة شمولية وحوار مجتمعي متعدد الأطراف”، مضيفا أن “المكان الطبيعي للنقاش هو المؤسسة التشريعية”.
وأكد رئيس الفريق الحركي بالبرلمان إدريس السنتيسي أن ما يطالب به الأساتذة “معقول”، مضيفا أن “على الحكومة أن تقوم بتعديل النظام الأساسي الجديد ومنح الأولوية لمطالب نساء ورجال التعليم لإنهاء الأزمة في القطاع”.
وكان بايتاس قد أوضح أن الاقتطاعات التي تعتزم الوزارة تفعيلها “قانونية” بمقتضى “مرسوم رئيس الحكومة لعام 2012”، مؤكدا أن “الحكومة لا يمكن أن تخالف القانون بل هي مجبرة على تطبيق القوانين”.
وذكر بايتاس أن رئيس الحكومة قد عين في اجتماع أحزاب الأغلبية الذي انعقد مؤخرا، لجنة تتكون من وزير التعليم والوزير المكلف بالميزانية والوزير المكلف بالشغل، مؤكدا أن “اللجنة مستعدة للجلوس والحوار مع النقابات التعليمية وقتما عبرت عن رغبتها في ذلك”.