الجزائر تحمل أردوغان زورا موقفا مطابقا لموقفها من نزاع الصحراء
حمّل النظام الجزائري، تركيا موقفا جديدا يهم قضية الصحراء المغربية لم يسبق لها أن اتخذته ونقلت وسائل إعلام جزائرية من بينها صحيفة “الشروق” المقربة من الرئاسة، تصريحات عن الرئيس عبدالمجيد تبون تبون قال فيها “سجلنا توافقا في وجهات النظر بين الجزائر وتركيا حول ملفات دولية على غرار مالي والنيجر والصحراء” في حين لم يتحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نهائيا عن قضية الصحراء ولم تنقل وسائل الإعلام الرسمية التركية عنه أي تصريح مشابه.
وتحرص أنقرة على موقف حذر من هذه القضية لعدم الإضرار بمصالحها فهي تحاول الحفاظ على توازن في العلاقات لضمان مصالحها ولن تغامر بعلاقاتها مع الرباط، فمواقفها دائما براغماتية لا تغضب الجزائر ولا تستفز المغرب.
وبحسب الرئيس الجزائري فقد اجتمع الثلاثاء، مع نظيره التركي بخصوص العديد من القضايا السياسية والاقتصادية، قائلا أن أردوغان “أبدى وجهة نظر قريبة من الطرح الذي يدعمه قصر المرادية، في إشارة إلى “استفتاء تقرير المصير”.
وعلى الضفة المقابلة، لم تشر وسائل الإعلام التركية على اختلافها الرسمية والخاصة لا من قريب ولا من بعيد إلى قضية الصحراء المغربية، وكانت القضية الفلسطينية لا قضية الصحراء، هي محور حديث أردوغان.
وتحدثت وكالة أنباء “الأناضول” الرسمية التركية، عن الاجتماع الثاني لمجلس التعاون التركي الجزائري رفيع المستوى الثلاثاء، وذكرت “تكلل بالتوقيع على 12 اتفاقية تعاون بمختلف المجالات”، وتابعت “وقع الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والجزائري عبد المجيد تبون على البيان المشترك في حفل خاص بعد اجتماع مجلس التعاون والذي تضمن 12 اتفاقية تعاون”.
وبحسب الوكالة فإن اتفاقيات التعاون التي وقع عليها المسؤولون الأتراك والجزائريون، شملت مجالات التجارة والتعليم والثقافة والسينما والبيئة والعلوم، دون أي إشارة لتطرق الرئيسيين أو أي من الوزراء الحاضرين لموضوع الصحراء.
أما شبكة “تي.أر.تي” العمومية التركية فلم تنسب لأردوغان أي تصريح يهم الصحراء ونقلت عنه قوله، خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع تبون أن “أولوية تركيا في قطاع غزة هو التوصل لوقف إطلاق نار دائم وإيصال المساعدات الإنسانية من دون عوائق”.
ويتماشى الموقف التركي مع المغربي بخصوص القضية الفلسطينية، حيث ذكر أردوغان “لا يمكن تأسيس استقرار وسلام دائم في منطقتنا من دون التوصل إلى حل سياسي عادل للقضية الفلسطينية، مشددا على أنه “لا مفر من تأسيس دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وسنواصل فعل ما بوسعنا في هذا الاتجاه”.
ويبدو أن التلفيقات الجزائرية بخصوص المواقف الدولية من قضية الصحراء المغربية تشمل جميع اللقاءات الرسمية الجزائرية مع مسؤولي الدول الغربية والإقليمية، إذ قام الإعلام الجزائري بتحوير التصريحات الأميركية بهذا الخصوص لترد واشنطن وتدحض الشائعات الجزائرية حول موقفها.
وجددت الولايات المتحدة ثبات موقفها إزاء قضية الصحراء المغربية، على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، مؤكدة دعمها للمخطط المغربي للحكم الذاتي باعتباره “جادّاً وذا مصداقية وواقعياً”، وهو استمرار لنهج واشنطن الذي أرساه قرار ترامب الاعتراف بمغربية الصحراء (منذ ديسمبر/كانون الأول 2020).
وقطع ميلر الشك باليقين بخصوص الزيارة الأخيرة لسفيرة الولايات المتحدة في الجزائر، إليزابيث مور أوبين، إلى تندوف، مشددا على أنه “لم يتم إجراء أيّ محادثات ثنائية مع البوليساريو خلال هذه الزيارة”.
وأوضح ميلر في معرض رده أن الزيارة كانت نشاطاً للسفيرة “يندرج في إطار زيارة نظمتها الأمم المتحدة وجمعت عددا كبيرا من المانحين الدوليين”، مذكرا بأن “الولايات المتحدة تعد أكبر مساهم في الجهود الإنسانية عبر العالم”.
وبهذا التصريح الرسمي دحَض المسؤول الأميركي “ادعاءات رُوّجت إعلامياً” لاسيما في الإعلام الجزائري في الأيام القليلة الماضية، ما جعلها تنسج أحاديث عن لقاءات مزعومة بين السفيرة الأميركية وقيادات في الجماعة الانفصالية.
وقال الناطق باسم الخارجية الأميركية: “ندعم بشكل كامل المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة خلال عمله على تكثيف العملية السياسية الجارية تحت إشراف الأمم المتحدة حول الصحراء، من أجل التوصل دون مزيد من التأخي إلى حل دائم”.
ورغم أن المسؤولين الأتراك سيتجاهلون الرد على الإدعاءات الجزائرية ويغضون الطرف عنها، إلا أن عدم ورود النقاش في قضية محورية وهامة في الإعلام التركي أكبر دليل على زيف المزاعم الجزائرية بخصوصها، وبالإضافة إلى التوضيح الأميركي، فإن هذه الوقائع تقطع الطريق على كل توظيف سياسي للقاءات المسؤولين الجزائريين مع مسؤولي دول العالم.
وقال الأكاديمي المغربي الخبير في شؤون الصحراء والساحل موساوي العجلاوي، ، بأنه “ليست هذه أول مرّة تتدخل الخارجية الأميركية لتوضيح الأمور ووضع النقاط على حروفها، خاصة أن الأمر تلا ترويجاً واسعاً من إعلام النظام الجزائري والموالين له على أن الزيارة تعد مؤشر تقرّب من الإدارة الأميركية”.
وربط الخبير في قضية الصحراء المغربية بين زيارة سفيرة الولايات المتحدة بالجزائر وزيارة سابقة كان قد قام بها قبيل اجتماع مجلس الأمن الدولي وقراره في أكتوبر 2023 جوشوا هاريس، نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن إلى المنطقة برمتها، والتقى خلالها الأطراف الفاعلة في النزاع، وعلّق قائلا “هي زيارة في إطار جهود أميركية داخل الإطار الأممي لحل نزاع الصحراء سيراً على ما قام به جوشوا هاريس”.
وخلص العجلاوي إلى أن واشنطن مازالت متشبثة بموقفها “دعماً لجهود وتحركات المبعوث الشخصي الأممي في قضية الصحراء المغربية ستافان دي ميستورا”.
من جانبه، اعتبر لحسن أقرطيط خبير في العلاقات الدولية أن “تصريح ميلر أكد ثبات موقف الولايات المتحدة الأميركية فيما يتعلق أساسا بدعم مغربية الصحراء، وخصوصا مبادرة الحكم الذاتي على أساس أنها حل واقعي وذو مصداقية ووحيد لنزاع مفتعل”.
وأكد أقرطيط، في حديث لموقع هسبريس المغربي أن تصريح ميلر “تصريح رسمي أميركي يُسقط الدعاية الجزائرية التي طالما روّجت-في الأسابيع القليلة الماضية-بخصوص دلالات الزيارة التي حملت السفيرة الأميركية بالجزائر إلى مخيمات تندوف”، مشيرا إلى أن الخارجية الأميركية “أكدت بما لا يدع مجالا للشك أنها زيارة تأتي في إطار زيارة أممية بأهداف إنسانية وتضم مانحين كبارا، باعتبار الولايات المتحدة المانح الأكبر فيما يخص قضايا اللاجئين”.
وقال بهذا الشأن “هي زيارة ضمن أجندة أنشطة أممية لا علاقة لها بما روّج له إعلام الانفصاليين والعساكر في الجزائر”، ولفت إلى أن “الدعاية الجزائرية مازالت تحاول استغلال أي حدث للترويج لطُروحاتها البائسة ومواقفها البائدة، محاولة إيهام ما تبقى لها من حاضنة بأن هناك تغيرا ما في موقف الدول الكبرى”.
وخلص أقرطيط إلى أن “تصريح ماثيو ميلر يسقط آخر أوراق التوت عن عورة النظام الجزائري وجبهة البوليساريو لأنه يفضحهُما بشكل مكشوف”، من خلال توسلهما بـ”دعاية ما فتئت تحصد هزائم دبلوماسية وسياسية مقابل اختراقات مغربية كبيرة في مسلسل إنهاء النزاع حول مغربية الصحراء”.