حرب غزة تؤجج الاستقطاب بين العدالة والتنمية المغربي وذراعه الدعوي
تنظم حركة التوحيد والإصلاح الذراع الدعوي لحزب العدالة والتنمية الإسلامي المغربي الأحد مهرجانا خطابيا تضامنا مع غزة يحضره عضو المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل وذلك بالتزامن مع مهرجان خطابي آخر ينظمة الحزب الإسلامي ويحضره السفير الفلسطيني لدى الرباط، في تظاهرتين تعكسان خلافات بين الطرفين، بحسب متابعين لشؤون إخوان المغرب.
وثمة بالفعل جفاء بين حركة التوحيد والعدالة والتنمية (المعروف اختصارا باسم حزب المصباح أو البيجيدي وهي التسمية المختصرة للحزب بالفرنسية) برز في السنوات الأخيرة خلال حكم الإسلاميين لولايتين قبل الهزيمة في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي أخرجت الإسلاميين من الحكم وتسببت في انقسامات حادة وانشقاقات داخل البيجيدي.
لكن رغم الخلافات التي طفت على السطح على اثر تصريحات أدلى بها الأمين العام للعدالة والتنمية عبدالاله بنكيران في العام الماضي قال فيها إنه لن يذهب لزيارة حركة التوحيد والإصلاح منهيا ظاهريا شراكة مع الحركة التي كانت قبل سنوات أهم رافد للحزب بالكوادر وشكلت حلقة التواصل القوية بينه وبين القواعد الشعبية الانتخابية.
وسبق لحركة التوحيد أيضا أن عزفت عن دعم العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية التي أفضت في خواتهما لإنهاء عقدين من حكم الإسلاميين وهو ما أكد حقيقة الخلافات بين الطرفين.
وعكس تنظيم ما يفترض أنهما شريكان على الأقل في الفكر والايديولوجيا، مهرجانين تضامنا مع غزة في نفس اليوم والتوقيت حجم تلك الخلافات، لكن المتابعين يعتقدون أنها مجرد لعبة تبادل أدوار لتعزيز الذراع الدعوي للحزب وتمكينه من استقطاب المزيد من الأنصار في ذروة انهيار شعبيته.
وروج حزب العدالة والتنمية على حساباته بمنصات التواصل الاجتماعي للمهرجان الخطابي الذي يعقد مساء الأحد بمسرح محمد الخامس بالرباط، دون أن يتضح ما إذا كان الأمر منسقا مع حركة التوحيد التي تنظم مهرجانا ممثالا، أو أن هذا التنظيم غير منسق ويعكس خلافا بين قيادتيهما.
وبحسب موقع زنقة 20 المغربي، وجه حزب العدالة والتنمية دعوة للسفير الفلسطيني للمشاركة في المهرجان الخطابي بينما يشارك خالد مشعل عضو المكتب السياسي لحركة حماس ورئيس مكتبها السياسي في الخارج سابقا، في المهجران الخطابي الذي تنظمه حركة التوحيد والإصلاح.
ويبدو أن الخلاف القائم بين القيادتين يتعلق باستضافة حركة التوحيد لخالد مشعل، حيث اكتفى عبدالاله بنكيران، بتوجيه الدعوة لأصدقائه من اليسار وللسفير الفلسطيني لدى الرباط جمال الشوبكي.
ويُفترض كذلك أن يكون هناك تنسيق بين الجانبين حول تنظيم مهرجان واحد للتضامن مع الشعب الفلسطيني لا أن يتم تنظيم مهرجانين وفي نفس اليوم بشكل يفضي إلى تشويش مهرجان على آخر ويظهر أيضا تشتتا بين الحزب وذراعه الدعوي.
ويحسب حزب العدالة والتنمية المغربي الإسلامي على التيار الاخواني وكذلك حركة حماس الفلسطينية التي تعتبر امتدادا لجماعة الإخوان وتتبنى الفكر والايديولوجيا ذاته.
وتشير توجيه قيادة الأمانة العامة للحزب الإسلامي الدعوة للسفير الفلسطيني واستثناء قادة في حماس في الخارج وتحديدا في الدوحة التي فيها مكتب الحركة السياسي، إلى محاولة البيجيدي تسويق نفسه كحزب مدني بمرجعية إسلامية يتناغم مع توجهات الدولة المغربية التي تدعم السلطة الفلسطينية كممثل شرعي للشعب الفلسطيني.
ويمر الحزب الاسلامي المغربي منذ هزيمته المدوية في الانتخابات التشريعية وخروجه من الحكم من الباب الصغير، بأزمة داخلية وفقد شعبيته حتى في وسط قواعده ويحاول من خلال عدة مبادرات العودة للمشهد السياسي.
ويعتقد متابعون لشؤون الحزب أن دعوة حركة التوحيد والإصلاح لخالد مشعل لا تخرج عن عملية تبادل أدوار مع العدالة والتنمية الذي يبحث من خلال ذراعه الدعوي عن استعادة ثقة قواعده وهي مهمة موكولة للجناح الدعوي بحكم القرب أكثر من الأنصار وبحكم دوره في جهود استقطاب أنصار جدد.
وتدعم حركة التوحيد والإصلاح حركة حماس وتعترف بها كحكومة منتخبة في قطاع غزة وهو ما يفسر اختياره للرجل الثاني في حركة حماس كضيف على مهرجانها الخطابي بالتوازي مع مهرجان العدالة والتنمية.
وعقب أعوام من الشراكة بين حركة التوحيد والإصلاح (الدعوية) وحزب العدالة والتنمية لا يبدو أن العلاقة بين التنظيمين المغربيين تمر اليوم بأحسن أحوالها. وشهدت في العامين الماضيين حالة من الجفاء لكن الشراكة لا تزال قائمة بينهما بشكل أو بآخر رغم الخلافات.
وهذه الفرضية عززتها تصريحات لعبدالإله بنكيران خلال لقاء حزبي في العام الماضي عبّر فيه عن ضمنا عن استيائه من مستوى الشراكة مع حركة التوحيد. وقال حينها خلال اللقاء، “لن أذهب عند الحركة من أجل أي شراكة ونتمنى أن يعينهم الله ليقوموا بمهمتهم”.
وأثارت تصريحاته وقتها الجدل حول سبب رفضه تجديد الشراكة مع الحركة، التي تعتبر الذراع الدعوي للعدالة والتنمية، والخزان البشري الانتخابي الذي طالما أمد الحزب بالكوادر والقيادات.
ولا يخفى على المتتبع للشأن المغربي العلاقة الوثيقة التي تجمع بين العدالة والتنمية والتوحيد والإصلاح والتي توصف بأنها أقرب إلى مشروع واحد، يعمل الحزب والحركة على تجسيده، كلٌ من خلال وظيفته المعينة (السياسة والدعوة).
غير أن قوة هذه العلاقة لم تمنع من حدوث حالات مد وجزر، أبرزها تراجع الحركة عن دعم الحزب في انتخابات 2021 التي خسرها، بعد أن كانت تدعمه في انتخابات 2011 و2016، التي تصدرها الحزب.
وهو تراجع سبقه سلسلة من القرارات التي أظهرت رغبة لدى التنظيمين في وضع مسافة بينهما، كان أبرزها مصادقة حركة التوحيد في أغسطس 2018، خلال مؤتمرها العام، على تعديلات في ميثاقها التأسيسي دعت فيه إلى “تطليق” السياسة وتعميق طابعها الدعوي. كما تم لأول مرة إبعاد قيادات ووزراء الحزب من المكتب التنفيذي للحركة. وعكست تصريحات بنكيران كذلك رغبة الحزب في تعزيز الفصل بين التنظيمين.