الاقتصاد المغربي ينتقل من القدرة على الصمود إلى التعافي
توقع البنك الدولي، في تقرير أصدره حديثا بعنوان “من القدرة على الصمود إلى الرخاء المشترك”، أن يتعزز تعافي الاقتصاد المغربي في المدى المتوسط، وأن يصل نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي إلى 3.1 بالمئة في 2024، و3.3 بالمئة في 2025، و3.5 بالمئة في 2026، مع تعافي الطلب المحلي تدريجيًا من الصدمات الأخيرة.
ويشهد المغرب تحولات ضخمة ونقلة اقتصادية نوعية في مختلف القطاعات، يرصدها الفاعلين الدوليين من خلال المؤشرات الإيجابية التي برزت خصوصا بعد أزمة كورونا ومحنة زلزال الحوز، حيث أثبت المغرب قدرته على الصمود والاستجابة للأزمات بالسرعة القصوى ما جعل تأثيرها محدودا على اقتصاد البلاد.
واعتمدت المملكة مخططات تنمية شاملة امتدت الي الأقاليم الجنوبية للمملكة مستفيدة من شراكات واسعة مع فاعلين دوليين من بينهم الولايات المتحدة ورفع مستوى التعاون مع الشريك الأوروبي، فيما يضطلع صندوق محمد السادس للاستثمار بدور أساسي فيما يخص تنمية الاستثمار الخاص، من خلال تعبئة رؤوس الأموال الوطنية والأجنبية لزيادة حجم الاستثمار الخاص بالمغرب بشكل كبير.
ويأتي توقع البنك الدولي على ضوء إصلاحات المغرب الطموحة لتحسين الرأسمال البشري وتحفيز الاستثمار الخاص الذي بات يشكل رهانا رابحا للفاعلين الاقتصاديين لاغتنام الفرص التي تتيحها المملكة، وبدعم مباشر من العاهل المغربي محمد السادس الذي يحرص على تلازم تحقيق التنمية الاقتصادية بالنهوض بالمجال الاجتماعي، وتحسين ظروف عيش المواطنين.
وأظهر تقرير البنك الدولي فاعلية خطة إنعاش الاقتصاد التي وضعها الملك محمد السادس في مقدمة أولويات هذه المرحلة لدعم القطاعات الإنتاجية، خصوصاً المقاولات الصغيرة والمتوسطة، والرفع من قدرتها على الاستثمار وخلق فرص الشغل، والحفاظ على مصادر الدخل.
ويتطلع المستثمرون إلى المشاريع الرائدة التي أطلقت مؤخرا خصوصا خط أنابيب الغاز نيجيريا-المغرب، ومشروع مد خط القطار فائق السرعة نحو مراكش وأكادير، وخطوط التيار المستمر عالي التوتر لنقل الكهرباء الخضراء من المناطق الجنوبية للمملكة نحو مناطق الاستهلاك الرئيسية، فضلا عن توسيع أسطول طائرات الخطوط الملكية المغربية بحلول سنة 2037.
وهناك العديد من الموانئ والمطارات الوطنية وغيرها من البنى التحتية الرئيسية التي سيتم إطلاقها، لاسيما منذ الإعلان عن الترشيح المشترك للمغرب وإسبانيا والبرتغال من أجل تنظيم كأس العالم 2030″.
وتمول هذه الاستثمارات بشكل مشترك من قبل فاعلين مغاربة ودوليين، وهو ما يدفع بالمغرب إلى آفاق جديدة ويؤكد على أن المملكة أرض مميزة للاستثمار، وهي المؤشرات التي حددت رؤية البنك الدولي لمستقبل الاقتصاد المغربي.
كما يشكل ميثاق الاستثمار الجديد دعما كبيرا للمشاريع الاستثمارية ويوفر حوافز استثمارية مهمة، مرتبطة بتحقيق الأهداف بخلق فرص العمل والقيمة، والتنمية المستدامة والعدالة المجالية.
ورصد المسؤولين في البنك الدولي مؤشرات إيجابية للغاية لتطور الاقتصاد المغربي في سياق دولي متذبذب، وقال جيسكو هنتشل المدير الإقليمي لدائرة المغرب العربي ومالطا بالبنك الدولي، “أظهر المغرب قدرة قوية على الصمود في وجه عدد من الصدمات، كان آخرها زلزال سبتمبر/أيلول ”. مضيفا أن ”الإصلاحات التي خطط لها البلد بالفعل تعد أمرا ضروريا من أجل البناء على قدرة المغرب على الصمود خارجيًا وقبل كل شيء، لتعزيز الرخاء، لا سيما لتحقيق الأهداف الإنمائية الطموحة المحددة في النموذج التنموي الجديد”.
بدوره أكد خافيير دياز كاسو، كبير الاقتصاديين في مكتب مجموعة البنك الدولي بالمغرب بأن “الصمود والمرونة اللّذين اظهرهما اقتصاد المغرب منذ أواخر العام الماضي وطيلة 2023 استأثَرَا بقسط وافر من النقاشات المعمقة خلال الاجتماعات السنوية للبنك وصندوق النقد بمراكش (أكتوبر/تشرين الأول الماضي)”، معتبرا أنه “رغم توالي الجفاف وتبعات الزلزال فإن المغرب كشف عن استجابة فاعلة في ضمان قدرة الاقتصاد على منع الصدمات المتتالية-المتداخلة من التحول إلى أزمة مستدامة”.
المملكة تعتمد مخططات تنمية شاملة امتدت إلى الأقاليم الجنوبية مستفيدة من شراكات واسعة مع فاعلين دوليين من بينهم الولايات المتحدة والشريك الأوروبي
ووفق الملخص التنفيذي لتقرير البنك الدولي، فقد أظهر المغرب قدرته القوية على الاستجابة بفعالية للصدمات في السنوات الأخيرة، آخرها زلزال الحوز الذي وقع في 8 سبتمبر الماضي، وكان الأخير في سلسلة من الصدمات التي ضربت البلاد منذ جائحة كورونا.
وشدد البنك الدولي على أن المغرب تمكن من إدارة الاستجابة الإنسانية للزلزال بنجاح، ووضع خطة تنموية طموحة لإطلاق إمكانات التنمية في الأقاليم الأكثر تضررًا، مبرزا أن الزلزال كانت له آثار بشرية ومادية مدمرة، تركزت بشكل رئيسي في المجتمعات الجبلية المعزولة، بيد أنه رجح ألا تكون له آثار كبيرة على الاقتصاد الكلي.
وأشار إلى أن زلزال الحوز كانت له عواقب إنسانية ومادية مدمرة تركزت بشكل أساي في المجتمعات الجبلية المعزولة، إذ فقد ما يقرب من 3 آلاف شخص أرواحهم، ودِّمر 60 ألف مبنى، بما في ذلك أكثر من 500 مدرسة يقع معظمها في الأقاليم الريفية؛ الحوز، شيشاوة وتارودانت، في حين نجت المراكز الحضرية الكبرى إلى حد كبري، مؤكدا أنه على الرغم من أن هذه الكارثة ستؤدي حتما إلى تعطيل الأنشطة الاقتصادية، وسبل العيش المحلية، إلا أن الزلزال سيكون له آثار محدودة على المستوى الكلي، حيث أن المناطق الأكثر تضررا مثلت حصة صغيرة من إجمالي الناتج المحلي للمغرب.
وذكر بأن الحكومة المغربي استجابت للكارثة بتقديم المساعدات المالية للأسر المتضررة، إضافة إلى خطة تنمية جديدة طموحة لمقاطعات الأطلس الكبير، والتي لديها القدرة على تحفيز نمو أكثر شمولا على المدى المتوسط والطويل.
وسلط البنك الدولي الضوء على قدرة المغرب على الصمود الخارجي رغم الأزمات العديدة التي مر بها، المتمثلة في الطلب الخارجي القوي على سلع وخدمات البلاد على الرغم من التباطؤ الاقتصادي على المستوى العالمي.
وأوضح أن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر أيضا ظلت قوية وموجهة بشكل متزايد نحو قطاع الصناعات التحويلية، مضيفا “ظهرت مجالات صناعية حديثة مختلفة، ترتبط بشكل جيد بسلاسل القيمة العالمية، كما حافظت البلاد على إمكانية الوصول إلى أسواق رأس المال الدولية، على الرغم من التشديد المستمر للأوضاع المالية العالمية”.
وأنجز المغرب مشاريع كبرى خلال العشرين سنة الماضية في مجال البنيات التحتية من طرق سيارة وسريعة وسكك حديدية وموانئ ومطارات باستثمارات تفوق 40 مليار دولار، وتم اعتماد عدة إصلاحات جوهرية للقطاع بهدف التحرير التدريجي لأنشطة النقل، فضلا عن اعتماد مدونة متطورة للسير على الطرق ومدونة حديثة للطيران تتماشى مع القواعد المعمول بها على الصعيد الدولي.
ويخطط المكتب الوطني للسكك الحديدية لطرح طلبات عروض لشراء ما يصل إلى 120 قطارا جديدا، لتحل محل العربات الحالية التي توجد في نهاية عمرها الافتراضي. حيث خصص المغرب ميزانية قدرها 1.167 مليار يورو لشراء عربات قطار جديدة حتى عام 2026، مما يفتح الباب أمام طلبات محتملة للقطارات فائقة السرعة.
وكان المغرب قد استضاف الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، الأمر الذي اعتبره خبراء اقتصاد أنه يمثل أولا وقبل شيء شهادة تميز بالنسبة لهذا البلد وتأكيدا على الاستثناء الذي يجسده في القارة الإفريقية.
وأكد الكاتب والمحلل البرتغالي في الشؤون الإفريقية، راوول براغا بريش، أن الثقة التي يحظى بها المغرب من قبل المؤسسات المالية الدولية والمجتمع السياسي والمالي العالمي لم تأت من فراغ، “بل هي نتيجة طبيعية للإصلاحات والجهود التي ما فتئ يبذلها هذا البلد في جميع المجالات”.
وأضاف أن “على المغاربة أن يفخروا بالإنجازات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المحققة تحت قيادة الملك محمد السادس”. مشيرا إلى أن المملكة قامت بعدة إصلاحات اقتصادية وسياسية متزامنة ومتكاملة، ما يسمح لها بأن تضمن التوازن، مؤكدا في الوقت نفسه أن “ذلك يجعل المغرب، بلا أدنى شك، أفضل ممثل لدول الجنوب وإفريقيا من أجل إعطاء بعد رمزي للإصلاحات الجارية في إطار سياسات مؤسسات بريتون وودز الموجهة للجنوب وإفريقيا”.
وأضاف براغا بريش أن “المغرب يعد البلد الوحيد في القارة الذي أوجد طبقة متوسطة مستقرة وقوية”، معتبرا أن ذلك يعد أقوى مرتكز لدعم الديمقراطية وتكريس ريادته على مستوى القارة في مجالات مختلفة.
وشكلت الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك وصندوق النقد الدوليين، التي تعود إلى القارة الإفريقية بعد 50 سنة، فرصة للفاعلين الدوليين في مجالات الاقتصاد والمالية، لمناقشة الرهانات الرئيسية المرتبطة بشكل خاص بسياسات التمويل والنمو الاقتصادي وتغير المناخ.