يكرس تكليف البرلمان الإسباني لرئيس الوزراء بيدرو سانشيز بتكوين حكومة جديدة بعد انتخابات سابقة لأوانها التقارب بين مدريد والرباط، في ظل مساع تقودها أحزاب اليمين المتطرف للمس منه.
ويعتبر منح الثقة مجددا لسانشيز استمرارا للنهج الذي استقرت عليه العلاقات بين الرباط ومدريد منذ رسالته إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس، في مارس 2022، التي أعلن فيها دعم بلاده لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء تحت السيادة المغربية، باعتباره الأكثر جدية وواقعية ومصداقية.
ورسم المغرب وإسبانيا خارطة طريق جديدة لتعزيز علاقاتهما الثنائية، والتي تم تضمينها في البيان المشترك بين البلدين الذي تلا اجتماع سانشيز بالملك محمد السادس في الرباط في أبريل 2022، ثم الاجتماع رفيع المستوى بين حكومتي البلدين برئاسة سانشيز وعزيز أخنوش بداية فبراير من هذا العام، ليصل الأمر إلى التنظيم المشترك لكأس العالم 2030 رفقة البرتغال.
وركز أخنوش، خلال المنتدى الاقتصادي المغربي – الإسباني، الذي انعقد على هامش القمة رفيعة المستوى بين البلدين، في فبراير الماضي، على متانة العلاقات المغربية – الإسبانية، مؤكدا أن البلدين وجدا دائما سبل تجاوز سوء الفهم بينهما، مضيفا أن “علاقاتنا الثنائية تعرف عهدا جديدا، في ظل دعم حكومتكم لخطة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية وهو الأمر الذي لا يسعنا إلا أن نشيد به عاليا، دولة وشعبا”.
وكان من بين الاتفاقيات التي تم الخروج بها في الاجتماع رفيع المستوى الذي جمع حكومتي البلدين في العاصمة المغربية الرباط، فتح مكتب جمركي في باب سبتة من أجل تنظيم حركة عبور البضائع بطريقة قانونية بعد إيقاف أنشطة التهريب المعيشي، وإعادة فتح المكتب الجمركي في معبر مليلية الذي كان يقوم بأنشطته بطريقة قانونية قبل الإغلاق بسبب وباء كورونا.
وأكد محمد الطيار الخبير في الدراسات الأمنية والإستراتيجية أن نجاح سانشيز في تشكيل حكومته وفشل خصومه داخليا وخارجيا في المراهنة على فشله ستكون له نتائج مهمة منها قيام إسبانيا بتوسيع شراكتها الإستراتيجية مع المغرب، بعدما ترسخت قناعة في أوساط حزب سانشيز وفي العديد من الأوساط السياسية والاقتصادية الإسبانية أن مستقبل إسبانيا أصبح مرتبطا بالمغرب وأفريقيا أكثر مما سبق، وأن عقدة الصحراء المغربية يجب تجاوزها بشكل نهائي من أجل بناء شراكة إستراتيجية كاملة مع المغرب.
التعاون وعلاقة الصداقة الوطيدة بين الرباط ومدريد سييسران نقاط الاختلاف على أساس قانون البحار بما يضمن تنزيل بنود خارطة الطريق
وضمن سانشيز بقاء حزبه في السلطة ما يعني إغلاق الباب على اليمين المتطرف المُعاكس لمصالح المغرب، وغير المتوافق تماما مع المواقف الدبلوماسية لحكومة سانشيز خصوصا انضمام مدريد إلى الدول المؤيدة لمغربية الصحراء، كما أنهم يشوّشون على الحكومة باستغلال ملف ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، مع رغبة المغرب بالاستفادة من السواحل البحرية في المحيط الأطلسي بشكل أكبر.
ويعد هذا الملف من أهم النقاط التي تحتاج إلى مداولات بين الطرفين، والتي لم يثرها البيان الختامي للقمة المغربية – الإسبانية في فبراير 2022، والذي أثاره قبل أيام عدد من السياسيين في جزر الكناري.
وسُرعان ما رد وزير الخارجية الإسباني خوسية مانويل على هؤلاء بأن الرباط “شريك إستراتيجي لإسبانيا، وجميع القرارات التي تهم الطرفين ستكون مبنية على الصداقة الثنائية، وهو ما يضمن عدم المس بمصالح جزر الكناري وإسبانيا عموما، حيث أكد أن “هناك العديد من فرق العمل المشتركة بين إسبانيا والمغرب، ومن بينها فريق عمل حول ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، وبالتالي لا يوجد أيّ داع للقلق”.
وأكد مراقبون أن التعاون وعلاقة الصداقة الوطيدة بين الرباط ومدريد سييسران نقاط الاختلاف على أساس قانون البحار بما يضمن تنزيل بنود خارطة الطريق التي اتفق عليها الطرفان قبل سنتين، ومنع تحول مسألة ترسيم الحدود البحرية إلى عائقا أمام المصلحة المشتركة وعلى تحسن العلاقات بين المغرب وإسبانيا.
واعتبر الطيار في تصريح لـه أن “تطور الشراكة بين المغرب وإسبانيا بعد فوز سانشيز وتجاوز عقدة النزاع المفتعل في الصحراء سيشكلان ضغطا سياسيا مضاعفا على خصوم المغرب الذين ينكمش دورهم يوما بعد يوم في المنطقة، للخروج بموقف واضح يؤكد سيادة من المغرب على صحرائه”.