اسلاميو المغرب يدفعون لتأجيج أزمة التعلم لإجهاض حوار تقوده الحكومة
يخوض أساتذة التعليم العمومي، احتجاجات غاضبة في الشوارع منذ أكثر من شهر توقفت معها الدراسة بشكل تامّ، وذلك رفضا لقانون النظام الأساسي الذي وضعته وزارة التربية، مع دعم واسع من حزب العدالة والتنمية الذي كان رافضا لمطالبهم عندما كان على رأس الحكومة قبل العامين.
ودخل حزب العدالة والتنمية على خط أزمة التعليم في المغرب مؤججا الاحتقان الشعبي للعودة إلى المشهد السياسي مستغلا التصعيد المتواصل في قطاع التربية الذي أدخل المدرسة العمومية في نوع من “الشلل”، عقب سلسلة من الإضرابات المتواصلة التي يخوضها العاملون في القطاع التعليمي إعلانا “للرفض المطلق للنظام الأساسي لموظفي التربية الوطنية”.
ومع غضب الطلاب وأولياؤهم القلقين على مصير السنة الدراسية المهددة، يحاول حزب العدالة والتنمية اللعب على الوتر الاجتماعي لاستقطاب الدعم بعد أن بلغت شعبيته مستويات متدنية، وبدأ بإظهار دعمه للأساتذة لتأجيج الأزمة في معركة لي الأذرع مع وزير التربية شكيب بنموسى وظهر ذلك جليا من خلال لغة الخطاب التصعيدية التي استعملها الحزب بهذا الشأن بدلا من التهدئة لاحتواء الأزمة وتقريب وجهات النظر لفائدة المصلحة العامة.
ودعا عبد الله بووانو رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، وزير التربية بنموسى إلى الاستقالة “حفاظا على ماء الوجه”، واستغل المناسبة لمهاجمة الحكومة وتأليب الشارع عليها على وقع احتجاجات الطلاب وأولياؤهم، قائلا “إن الحكومة تعيش على وقع الارتباك والتضارب في الاختصاصات والأرقام”.
ولقي حزب العدالة والتنمية المغربي (البيجيدي) برئاسة عبدالاله بنكيران هزيمة قاسية في الانتخابات التي جرت في سبتمبر/أيلول، على أيدي خصومه السياسيين وفي مقدمتهم حزب التجمع الوطني للأحرار. كما فشل أمينه العام ورئيس الحكومة سعد الدين العثماني في تأمين مقعد نيابي له، وعلى إثره قدمت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية استقالتها ودعت إلى عقد مؤتمر استثنائي.
ومنذ ذلك الحين يستغل بنكيران كلّ فرصة للكلام حول القضايا الهويّاتية، للخروج والتأكيد على أن الحزب لا زال محافظًا على المرجعية الإسلامية في محاولة لاستقطاب الشارع المغربي المعروف بميله للتدين والمحافظة، إضافة إلى تركيز الحزب على أي أزمة اجتماعية تحصل في البلاد لتحريك الشارع والتأليب على حكومة عزيز أخنوش، رغم أنه لم يلق أي تجاوب شعبي في محاولاته السابقة.
ويؤكد متابعون أن خطاب قيادة الحزب اتّسم بالاختلاف حدّ التناقض، بين مواقف الحزب وهو على رأس الحكومة لولايتين، ومواقفه وهو في صفوف المعارضة عقب الانتخابات التشريعية.
وقال رشيد لزرق أستاذ العلوم السياسية، إن “حزب العدالة والتنمية لا زال يعيش على وقع صدمة السقوط خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة”. واعتبر أن “الصدمة لم تهضم بعد بالنسبة للحزب”.
وشدّد أن “بنكيران حاول اللعب على القضايا الاحتجاجية، كما اعتمد العزف على التابوهات (القضايا الخلافية أو المحظورة) وقضايا الحريات الفردية، للعودة للكتلة الناخبة الحاضنة له تاريخيًا”. ورأى أن “هناك تنصّلًا من مواقف الدولة في محاولة لتوسيع شريحة المتعاطفين، لكنه لا يلاقي التعاطف السابق نفسه”.
وفي موضوع النظام الأساسي للتعليم، يحرص حزب العدالة والتنمية على توجيه انتقادات للحكومة بالقول أنها سجلت “ارتباكا جديدا من خلال تدخل رئيس الحكومة وعقده للقاءات مع النقابات من جديد، بحضور وزير التربية الوطنية، والاعلان عن إخضاع النظام الأساسي للتطوير، رغم أن الوزير سبق له أن عقد عدة لقاءات لمدة سنتين، ووقع على اتفاق مع النقابات، وحوله إلى مرسوم صادقت عليه الحكومة، بعد مروره من رئاستها”.
ويؤكد متابعون للقضية أن إضرابات الأساتذة التي يدعمها الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب مرتبط ايديولوجيا وفكريا بحزب العدالة والتنمية والتوتر في قطاع التعليم فرصة للحزب الإسلامي لإعادة التموقع سياسيا.
وقال البرلماني عن حزب التجمع الوطني للأحرار محمد السيمو، إن من “يعمل على تأجيج الاحتقان الحالي في قطاع التعليم، هم الذين كانوا ضد فتح باب الحوار طيلة عشر سنوات مع ممثلي هذا القطاع”.
وحمل السيمو خلال جلسة مناقشة الميزانية الفرعية لقطاع التعليم بلجنة التعليم والثقافة والاتصال، الجمعة الماضي حزب العدالة والتنمية مسؤولية أزمة قطاع التعليم الحالية، مشددا على أنهم “كانت لديهم نقابة متغولة”.
وطالب منتقدي أوضاع التعليم حاليا إلى “النزول إلى الميدان، والوقوف على حجم المنجزات في مجال التعليم وعدم إخفاء الحقائق”، مضيفا أن ما يروج له زملاؤه من حزب المصباح “مغالطات بشأن وضعية الأساتذة”.
وشدد البرلماني على أن حزبه كان “أول من طالب بالاهتمام بوضعية الأساتذة رغم معارضة حكومة العدالة والتنمية لذلك وأن الوزير الحالي جاء بعدة إصلاحات منها الترقية خارج السلم التي لا يذكرها منتقدوه”.
وتدخل أخنوش وطُرح للنقاش من جديد الدور الذي يمكن أن تلعبه الفعاليات المدنية في إطار الوساطة، خصوصا جمعيات آباء وأولياء التلاميذ المُمثلة لحق الطلاب. وقال إنه سيتم تشكيل لجنة وزارية من أجل معالجة الإشكاليات المرتبطة بالنظام الأساسي لموظفي التربية الوطنية.
وأكد أخنوش، في كلمة خلال اجتماع للأغلبية الحكومية بحضور فرقها بالمجلسين، أن باب الحوار “مفتوح دائما”، وأن الحكومة مستعدة لتجويد بعض مقتضيات النظام الأساسي على “أساس أن جوهر أي تجويد هو جودة التعليم”، لافتا إلى أن تحقيق أهداف الدولة الاجتماعية يمر أساسا عبر “تحقيق إنجازات ملموسة تقطع مع الهدر المدرسي والضعف المهول في التعليم”.
من جهته، قال الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة المشارك في الحكومة عبد اللطيف وهبي، إن وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، شكيب بنموسى منذ توليه للقطاع وهو في حوار مع النقابات، مضيفا أنه “لا يمكن أن نشك في نيته، ونحن ندعمه في الأغلبية الحكومية وفي حزب الأصالة والمعاصرة”.
وأضاف وهبي، خلال اللقاء الذي حضره وزراء وبرلمانين من فرق الأغلبية، أن 40 ألف أستاذ فقط من احتجوا في الرباط، في حين أن هناك 280 أستاذ يريدون الحوار، مضيفا أن “على النقابات التي تتحاور مع الأساتذة أن تتحمل مسؤوليتها ويكونوا أيضا أوفياء”، مؤكدا أنه “لا يمكن أن نسمح لأحد بلي ذراع الدولة”.
وخرجت مسيرات تلاميذ برفقة أمهاتهم مستنكرينَ ما وصلت إليه أوضاع التعليم عموما، وهدر الزمن المدرسي على وجه الخصوص، مطالبين الوزارة الوصية بـ”التدخل الفوري والعاجل لإيجاد حل توافقي يرضي الأساتذة ويراعي المصلحة الفضلى للتلاميذ، ويرد الاعتبار للمدرسة العمومية”.
وطُرح سؤال “الوساطة والتوفيق” حين خرجت هذه الجمعيات في مسيرات احتجاجية جمعت التلاميذ والآباء في مدن مغربية عدة، وبدا بعدها أن “النمط الاحتجاجي القديم لم يعد مجديا”، لكون العاملين في القطاع عازمين على البقاء في الساحة الاحتجاجية حتى تحقيق “مطالبهم المشروعة”، التي يتهمون فيها وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة التي يقودها شكيب بنموسى بأنها “تتعنت في الاستجابة لهم”، ما أفضى إلى هدر لوقت طويل من الزمن المدرسي منذ انطلاق السنة الحالية.
وقال علي فناش، نائب رئيس الفيدرالية الوطنية لجمعية آباء وأمهات وأولياء التلامذة بالمغرب، إن “مسألة الوساطة التي يخولها القانون للهيئات المدنية مطروحة للنقاش داخل هياكل الفيدرالية، لن تتردد مجددا في حماية الزمن المدرسي وحماية حق التلاميذ في تعليم جيد بفرص متكافئة”، لكنه استدرك بأن “هناك صعوبة اليوم في تحديد أطراف الوساطة”.
وشدد فناش على أن “الفيدرالية لعبت هذا الدور الذي يخوله لها القانون كهيئة مدنية، سابقا في الأقاليم الجنوبية منذ عقد من الزمن، وبالتالي تلك التجربة كانت ثمارها تأكيداً للدور الذي يمكن لجمعيات الآباء المعترف بها القيام به”، مبرزا أن “الإشكال الذي نواجهه هو التشتت الذي يطبعُ الصف المقابل للوزارة، وذلك بعدما اتضح أن النقابات الأكثر تمثيلية لم تعد حاصلةً على الإجماع”.
وأكد أن “الحوار من المفترض أن يكون مع النقابات التمثيلية، لكن ظهور تنسيقيات حاضرة في النقاش بقوة أربك هذا المُخاطب التقليدي، الذي صار يبدو غير ممثل للجميع حسب ما تقوله الشغيلة التعليمية المعنية ذاتها”، موردا أن “الوزارة بدورها صارت تجد مشكلة في هذا الجانب، فكل حوار مع النقابات يمكن أن ترفضه بعض التنسيقيات”.
في المقابل نظم معلمون وقفات احتجاجية في عدة مناطق الأربعاء رفضا للقانون، مطالبين “بتحسين وضعية المعلمين المالية، واحتساب سنوات الأقدمية من أجل ترقيتهم، وعدم استثنائهم من التحفيزات والزيادات في الأجور، فضلا عن مطالب أخرى”، وفق بيانات منفصلة.
ومن المنتظر أن تحيل الحكومة مشروع النظام الأساسي لموظفي التعليم على البرلمان بغرفتيه (مجلس النواب ومجلس المستشارين)، لمناقشته والتصديق عليه، ويدخل حيز التنفيذ بعد نشره في الجريدة الرسمية.