عودة كاميرون إلى الحكومة البريطانية: انتهى عهد شعبوية جونسون
أعاد رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك الاثنين رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون إلى الحكومة في منصب وزير الخارجية، ضمن تعديل وزاري جاء إثر إقالة وزيرة الداخلية سويلا برافرمان بعد أن هددت انتقاداتها للشرطة سلطة سوناك.
يأتي هذا التعيين في منحى يؤكد أن عهد الشعبوية الذي أرساه رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون قد انتهى، وأن الاقتصاد البريطاني يحتاج إلى شخصية وسطية وذات علاقات واسعة من أجل التحرك للحد من آثار بريكست.
وعُرف كاميرون بعلاقاته الوطيدة مع دول الخليج، حيث نجح في جلب الاستثمارات الخليجية إلى بلاده، وحافظ على صفقات الأسلحة مع مختلف بلدان المنطقة بما في ذلك السعودية، بالرغم من الانتقادات التي وجهت إلى حكومته.
ويمكن أن تُحدث عودته إلى وزارة الخارجية توازنا في مواقف بريطانيا من قضايا الشرق الأوسط بما يتماشى مع مصالحها وعلاقاتها وتاريخها، خاصة في ظل التوترات الحالية بسبب التصعيد بين إسرائيل وحركة حماس.
رغم أن كاميرون شخصية معروفة ولديه علاقات واسعة، يمكن ألا يؤدي تعيينه إلى نجاح المحافظين في كسب الأصوات
وبدأت بريطانيا تبرز بشكل متزايد كوسيط في أزمة غزة. ومن الأسماء المطروحة بقوة رئيس الوزراء الأسبق توني بلير الذي يرى فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منسقا محتملا للجهود الدبلوماسية الدولية بحكم علاقاته في المنطقة. وتشير عودة كاميرون إلى أن سوناك يريد استقطاب عدد أكبر من الوسطيين وأصحاب الخبرة بدلا من استرضاء يمين حزبه الذي دعم برافرمان.
لكن المتحدث باسم رئيس الوزراء سعى لتبديد أي توقع بشأن تأثير تعيين كاميرون على موقف لندن في الشرق الأوسط. وقال للصحافيين “بكل وضوح، رئيس الوزراء ووزير الخارجية متفقان على (مواصلة) نهجنا إزاء الصراع بين إسرائيل وغزة”.
وهذه أحدث مناورة لسوناك الذي يتخلف حزبه بفارق كبير عن حزب العمال قبل الانتخابات التي من المزمع أن تُجرى في العام المقبل.
كما أن التعديل يثير جدلا قد يتسبب في شقاق وانقسامات وخلاف حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الذي أثاره كاميرون بإجراء استفتاء في عام 2016 على الرغم من دعمه للبقاء في التكتل.
وتعرض سوناك لانتقادات من مشرعين معارضين ومطالبات من أعضاء حزب المحافظين الحاكم بإقصاء برافرمان، ومن ثم نفذ سوناك ما يبدو أنه تعديل وزاري كان مزمعا لوقت لاحق لاستقطاب حلفاء والتخلص من وزراء شعر بأنهم مقصرون في عملهم.
واضطر رئيس الوزراء البريطاني إلى تبكير الخطوة حين تحدته برافرمان المثيرة للجدل الأسبوع الماضي في مقال غير مصرح به واتهمت فيه الشرطة باتباع “معايير مزدوجة” في مواجهة الاحتجاجات، وأشارت إلى أن الشرطة كانت صارمة في تعاملها مع محتجين يمينيين وتساهلت مع محتجين مؤيدين للفلسطينيين.
ولم تكن إقالة برافرمان مفاجئة، لكن تعيين كاميرون أحدث صدمة في حزب المحافظين مع ترحيب المشرعين الأكثر وسطية ونفور بعض اليمينيين الذين وصفوا تعيينه بأنه يمثل استسلاما لتبعات انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
استقال كاميرون (57 عاما) من منصب رئيس الوزراء عام 2016 بعدما خسر في استفتاء بريكست. وتخلى عن مقعده في البرلمان خلال العام ذاته. وأعلن “داونينغ ستريت” أن كاميرون سيحصل على لقب نبيل مدى الحياة في مجلس اللوردات، ما يعني أن بإمكانه تولي منصب حكومي.
وقال رئيس الوزراء السابق إنه “قبل بسعادة” المنصب فيما تواجه بريطانيا “مجموعة من التحديات الدولية الصعبة”. وأضاف “بينما كنت بعيدا عن الخطوط الأمامية في السياسة خلال السنوات السبع الأخيرة، آمل أن تساهم خبرتي كزعيم للمحافظين على مدى 11 عاما ورئيس للوزراء لست سنوات في تمكيني من مساعدة رئيس الوزراء على مواجهة هذه التحديات المهمة”.
وأفاد المحافظون الذين يتولون السلطة منذ نحو 14 عاما بأن التغييرات “تعزز فريقه في الحكومة لتطبيق قرارات بعيدة الأمد من أجل مستقبل أكثر إشراقا”.
ويُتوقع أن تكافئ القرارات الجديدة، التي سيتم الإعلان عنها خلال اليومين المواليين لتعيين كاميرون، النواب الصاعدين الأصغر سنا، في الوقت الذي يسعى فيه الحزب جاهدا لكسب شعبية.
وفاجأت عودة كاميرون غير المتوقعة حتى أولئك الذين يعلّقون يوميا على الأحداث السياسية في بريطانيا، ورأى كثيرون أن القرار اتُّخذ على خلفية الانتخابات العامة المقبلة.
وتقدّم حزب العمال المعارض الرئيسي على المحافظين بفارق أرقام عشرية خلال الفترة التي قضاها سوناك في السلطة ويرجّح على نطاق واسع أن يخسر الانتخابات المقررة العام المقبل.
ورغم أنه شخصية معروفة ولديه علاقات على مستوى العالم، هناك احتمال ألا يؤدي تعيين كاميرون إلى نجاح الحزب في كسب الأصوات.
وأظهرت استطلاعات رأي في سبتمبر الماضي أن 45 في المئة من البالغين في المملكة المتحدة لا يكنّون له مشاعر إيجابية، بينما ينظر إليه حوالي ربع البالغين نظرة إيجابية.
وأفاد أستاذ العلوم السياسية في “جامعة كوين ماري” بلندن تيم بيل بأن سوناك منجذب على الأرجح إلى “نفوذ (كاميرون) في الساحة الدولية” ويأمل في كسب الناخبين من الوسط واليمين الوسط الذين تزداد مشاعر عدم الرضا في أوساطهم.
وقال “أشك إلى حد كبير في أن يحدث الأمر فرقا كبيرا في هذا الصدد أو في أي أهداف أخرى”، مضيفا أن ذلك “ينم عن يأس لأنه فعلا كذلك”. وأثارت برافرمان الجدل خلال عهدها إذ اتّخذت مواقف متشددة خاصة حيال الهجرة وتطرقت مرارا إلى ما يعرف بالحروب الثقافية التي تثير الانقسامات في أوساط الناخبين.
لكن موقفها بات غير مقبول أكثر بعدما كتبت في الأسبوع الماضي مقالا مثيرا للجدل في صحيفة دون موافقة سوناك، اتّهمت فيه الشرطة بالانحياز إلى القضايا اليسارية.
وتم تحميل المقال مسؤولية إثارة التوتر قبيل احتجاجات نهاية الأسبوع التي خرجت للدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة وتزامنت مع إحياء ذكرى “يوم الهدنة”، ما أثار دعوات لإقالتها.
وأفاد معارضون بأن تصريحاتها شجّعت المحتجين اليمينيين المتشددين على تنظيم تظاهرات مضادة على هامش المسيرة الرئيسية السبت، ما أدى إلى تنفيذ العشرات من عمليات التوقيف.
وأطلق “داونينغ ستريت” تحقيقا بشأن الكيفية التي تم من خلالها نشر المقال دون موافقته، وهو ما يقتضيه القانون الوزاري. واعتُبرت تصريحات برافرمان، التي تلقفها الجناح اليميني للحزب المحافظ الحاكم، محاولة للتسويق لنفسها كزعيمة المحافظين مستقبلا.
وتأتي بعدما وصفت المسيرات الداعية إلى وقف إطلاق النار في غزة بأنها “مسيرات كراهية” عقب مرور أيام على إشارتها إلى أن البعض “يختار (التشرّد) كأسلوب حياة”.