إقالة مفاجئة لرئيس الوزراء الجزائري وشخصية من قصر المرادية لخلافته
أنهى الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون مهام رئيس الوزراء أيمن بن عبدالرحمن، وعيّن مدير ديوان الرئاسة نذير العرباوي خلفا له، بينما لم تمسّ الحركة أيّا من الوزراء، حسب توقّعات سادت خلال الأشهر الأخيرة حول تعديل حكومي عميق.
يأتي هذا في وقت لم تخف فيه أوساط جزائرية استغرابها من الإقالة لأن رئيس الوزراء لم تصدر دعوات لإقالته وإنما لإقالة البعض من وزرائه بسبب تقصيرهم في بعض القطاعات المهمة.
وذكر التلفزيون الحكومي نقلا عن بيان لمؤسسة الرئاسة بأن “رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون عين نذير العرباوي وزيرا أول للحكومة خلفا لأيمن بن عبدالرحمن الذي أنهيت مهامه”. ولم يوضح التلفزيون الرسمي أسباب إنهاء مهام بن عبدالرحمن.
وأضاف البيان “عين الرئيس تبون مستشاره للشؤون القانونية والقضائية والعلاقات مع المؤسسات بوعلام بوعلام مديرا لديوان الرئاسة بالنيابة، خلفا للعرباوي”، ولم يذكر بيان الرئاسة إذا كان الرجل يحتفظ بمهامه الأولى، أم يتفرغ كلية لمنصبه الجديد في قصر المرادية.
ومنذ الأسابيع التي سبقت الدخول الاجتماعي، ذهبت تكهنات في الجزائر إلى تعديل حكومي عميق، قد يشمل منصب رئيس الوزراء، قياسا بفشل الحكومة الحالية في إدارة العديد من الملفات، لاسيما تلك المتعلقة بالوضع الاجتماعي والاقتصادي، غير أن الترقب ظل قائما إلى غاية الآن.
وتداولت أوساط سياسية وإعلامية اسم وزير الصناعة والإنتاج الصيدلاني الحالي علي عون للاضطلاع بمهام رئاسة الوزراء، كما رشحت العديد من الوجوه الوزارية لمغادرة الطاقم الوزاري، بعدما أثبتوا فشلا ملحوظا في إدارة قطاعاتهم، غير أن التوازنات على ما يبدو سارت عكس السيناريو المذكور.
ومنذ انتخابه رئيسا للبلاد، سن الرئيس تبون تقليدا سياسيا وإداريا غير مسبوق في تاريخ المؤسسات الرسمية، حيث عمد إلى تنحية عدة وزراء بشكل فردي لا يرتقي إلى مستوى التقاليد السابقة، وظلت الرئاسة تكتفي ببيانات مقتضبة لا تقدم للرأي العام الأسباب الكامنة وراء تلك الإقالات، وفي أحسن الأحوال تعلل الأمر بـ”الخطأ الجسيم”، كما حدث مع وزير النقل عيسى بكاي في شهر مارس من العام الماضي، أو “الضلوع في ممارسات فساد”، كما كان الشأن مع وزير المؤسسات المصغرة نسيم ضيافات، الذي أودع شهر أبريل الماضي السجن المؤقت.
وكان آخر وزير أقاله الرئيس تبون وزير الاتصال السابق محمد بوسليماني، الذي بقي منصبه شاغرا لمدة شهرين، ثم عين مدير حملته الانتخابية وعضو مجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان) محمد لعقاب خلفا له.
وجاءت إقالة بن عبدالرحمن مفاجئة للشارع الجزائري، فهو لم يكن يملك من الصلاحيات التي تحمّله مسؤوليات الوضع الاجتماعي والاقتصادي، فقد ظل منذ تعيينه نهاية شهر يونيو العام 2021، خلفا لسلفه عبدالعزيز جراد، مجرد منسق لعمل الحكومة لا غير، فالقرارات ترد من قصر المرادية، وليس من قصر الدكتور سعدان (رئاسة الحكومة).
ويخول دستور البلاد لرئيس الجمهورية صلاحية تعيين رئيس للوزراء إذا كانت الأغلبية البرلمانية داعمة له، أما إذا كانت من المعارضة فيكون رئيسا للحكومة، وهو سيناريو نادر في المشهد السياسي الجزائري.
ومنذ انتخابه رئيسا للبلاد نهاية العام 2019، كمرشح مستقل، عمد الرئيس تبون إلى تعيين رؤساء للوزراء تكنوقراط، وحتى غالبية أعضاء الحكومات غلب عليها طابع التكنوقراط، كما أعطت قرارات التنحية الانطباع بأن الرجل الأول في الدولة، يتعاطى مع الحكومة بمنطق الموظفين الحكوميين الذين تتم تنحيتهم أو تعيينهم دون أيّ خلفيات أو دلالات.
واللافت في حركة الرئيس الجزائري ترقية رجل ثقته في مؤسسة الرئاسة المستشار بوعلام بوعلام، المكلف بالشؤون القانونية والقضائية والأمنية والعلاقات مع المؤسسات، إلى منصب مدير ديوان ليكون بذلك صمام الأمان الذي يراهن عليه جناح الرئاسة للحيلولة دون أيّ اختراق للمؤسسة من طرف الأجنحة الفاعلة الأخرى غير المتوافقة مع الرئاسة.
ويرى متابعون للشأن الجزائري أن أهمية التعديل تكمن في ترقية بوعلام بوعلام لتأمين مؤسسة الرئاسة من الاختراقات المنتظرة من منافسين لها داخل دوائر السلطة، أكثر ما تكمن في تعيين الدبلوماسي المخضرم نذير العرباوي خلفا لأيمن بن عبدالرحمن.
وتألق رجل السلطة الخفي الجديد بوعلام بوعلام بشكل متسارع منذ استقدامه من طرف ابن جهته الرئيس تبون، حيث تدرّج في مختلف المواقع والمناصب داخل رئاسة الجمهورية، ليصبح في ظرف قياسي رجل الظل الجديد في قصر المرادية، كما كان عليه المستشار السابق سعيد بوتفليقة، إبان حقبة شقيقه الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، وقبله من كان يعرف بـ”الكاردينال” الراحل العربي بلخير إبان حقبة الرئيس الشاذلي بن جديد.
ويعتبر بوعلام بوعلام الذراع القوية للرئيس تبون، فهو صاحب التأثير وتوجيه وصناعة القرارات داخل مؤسسة الرئاسة، وكل فريق المستشارين والمقربين يخضع لإرادته، ولا شيء يتحرك دون موافقته، مستفيدا في ذلك من منصب قضائي شغله خلال حقبة الرئيس بوتفليقة، لمّا كلف بمهمة إدارة مصلحة التنصت لما انتزعت حينها من جهاز الاستعلامات، وهو ما مكّنه من امتلاك ورقة ضغط قوية وثقيلة، لعلمه بمحتوى اتصالات رموز ورجالات السلطة، المؤيدين لتبون والمعارضين له.
وبوعلام بوعلام يستحوذ على أسرار رموز وأجنحة السلطة، ولذلك فان الرئيس تبون يحاول تقريبه قدر الإمكان، فهو مالك لعبة حماية وتأمين جناح الرئاسة الطامح إلى تجديد عهدته في انتخابات نهاية العام القادم، والماسك بمؤسسة رصد أفكار وحتى كلام الدائرين في كوكب السلطة. وبحسب تقاليد السلطة الجديدة لا تستبعد الاستفادة من خدمات أيمن بن عبدالرحمن، في موقع آخر، قياسا بخبرته في المجال المالي، كما حدث مع وزير التجارة السابق كمال رزيق الذي أقيل من منصبه ليعين مستشارا في رئاسة الجمهورية لشؤون التجارة والمعاملات البنكية واحتياطي الصرف.