الجزائر تنجح في تفخيخ قمة الرياض لتجنب حضورها كرقم هامشي في معادلة التنمية بأفريقيا والمنطقة العربية
الهدف الأصلي لدخول الجزائر على خط القمّة العربية – الأفريقية التي كانت السعودية تعتزم احتضانها، السبت، قبل أن تعلن عن إرجائها إلى أجل غير مسمّى هو تفخيخها ومنع عقدها نظرا لتوجّس القيادة الجزائرية من المناسبة التي كانت ستحضرها قوى وازنة اقتصاديا وسياسيا، ما سيجعل الجزائر مجرّد رقم هامشي في معادلة التنمية العربية والأفريقية.
اضطر دخول الجزائر على خطّ الاستعدادات للقمّة العربية – الأفريقية التي كانت السعودية تعتزم تنظيمها، السبت في الرياض، المملكة إلى خفض طموحها لجمع العرب والأفارقة ضمن مناسبة استثنائية مختلفة عن سابقاتها ويكون التعاون الاقتصادي عمودها الفقري، إلى مجرّد لقاء سعودي – أفريقي بعيد عن الهدف الأصلي المتمثّل في جعل المملكة قائدة لمرحلة جديدة من التعاون العملي بين العرب والأفارقة بما للطرفين من فرص كبيرة للتكامل.
وحوّل إصرار الجزائر على إقحام جبهة بوليساريو الانفصالية تحت مسمى “الجمهورية العربية الصحراوية” ضمن المشاركين في القمّة من مناسبة للدعاية الإيجابية للسعودية إلى مصدر إحراج لقيادة المملكة التي لم تكن لترضى باستقبال ممثلي الجبهة الانفصالية على قدم المساواة مع قادة الدول ومشاركتهم الجلوس تحت سقف القمّة.
وتدرك المملكة أنّ موافقتها على الطلب الجزائري سيكون تصرّفا مضادّا للوحدة الترابية للمملكة المغربية، وعامل تهديد جدّي لعلاقة السعودية مع المغرب بما له من وزن على الصعيدين العربي والأفريقي.
وعلى الطرف المقابل لا يبدو أنّ الجزائر كانت تنتظر موافقة الرياض على طلبها، بقدر ما كانت تدرك بشكل مسبق أن ضغوطها ستفضي في الأخير إلى تفجير القمّة، وهو ما حدث فعلا بإعلان السعودية عن تأجيلها والاكتفاء بقمة سعودية – أفريقية أدنى شأنا وأقلّ صدى.
تأجيل القمة جنب الجزائر حضور مناسبة كبيرة كانت ستكشف مجددا عن ضآلة تأثيرها على الساحتين العربية والأفريقية
واعتبر مراقبون أن انعقاد القمّة كان سيكشف مجدّدا عن ضآلة التأثير الجزائري على الساحتين العربية والأفريقية، وأن الجزائر كانت ستحضر كرقم هامشي لا يمتلك ما تمتلكه قوى أخرى من مقترحات وبرامج لتطوير العلاقات بين أفريقيا والعالم العربي وتنشيط التنمية فيهما.
وبرّرت السعودية قرارها بتأجيل القمّة العربية – الأفريقية بما يجري في المنطقة من أحداث. وقالت في بيان لخارجيتها إن “بعد التنسيق مع أمانة جامعة الدول العربية ومفوضية الاتحاد الأفريقي، وحرصا على ألا تؤثر الأحداث السياسية في المنطقة على الشراكة العربية – الأفريقية التي ترتكز على البعد التنموي والاقتصادي، فقد تقرر تأجيل موعد انعقاد القمة العربية – الأفريقية الخامسة إلى وقت يحدد لاحقا”.
وأوضح البيان أن تأجيل القمة العربية – الأفريقية يعود “إلى التطورات الحالية في غزة والتي استدعت الدعوة إلى انعقاد قمة عربية غير عادية وقمة إسلامية تختصان ببحث الأزمة الحالية وما تشهده من تداعيات إنسانية خطيرة”.
ونقلت مصادر دبلوماسية من أديس أبابا أن السفارة السعودية في العاصمة الإثيوبية وجهت رسالة عاجلة لمفوضية الاتحاد الأفريقي، أبلغتها فيها بأن تأجيل عقد القمة العربية – الأفريقية جاء بعد خلاف حاد حول حضور عضو في الاتحاد الأفريقي للقمة ويتعلق الأمر بجبهة بوليساريو الانفصالية.
وفي المقابل، حافظت المملكة على موعد القمة السعودية – الأفريقية الأولى التي انعقدت الجمعة بحضور عدد من الزعماء الأفارقة بعد أن تم الإعداد لها عبر التنسيق الثنائي بين المملكة والدول الأفريقية.
وافتتح ولي العهد الأمير محمد بن سلمان القمة بكلمة عرض فيها للأحداث الدامية في قطاع غزة، مُدينا ما يتعرّض له القطاع من “اعتداء عسكري”، وداعيا إلى “ضرورة وقف الحرب والتهجير القسري”.
كما أعلن في كلمته عن تطلّع بلاده إلى ضخ استثمارات جديدة في مختلف القطاعات بالقارة الأفريقية بما يزيد عن 25 مليار دولار، وتأمين وتمويل 10 مليارات دولار من الصادرات وتقديم تمويل إضافي بـ5 مليارات دولار لأفريقيا حتى 2030.
وأعلن أيضا عن إطلاق مبادرة إنمائية في أفريقيا تحمل اسم الملك سلمان بن عبدالعزيز عبر تدشين مشروعات وبرامج إنمائية في القارة بقيمة تتجاوز مليار دولار على مدى 10 سنوات.
وتوقّعت مصادر مواكبة للقمّة أنّ الإعلان عن تلك الأرقام الضخمة كان ضمن البنود المقرّرة على جدول القمّة العربية – الأفريقية، وأنّ الرياض قامت بالإعلان عنها لإدراكها أن تلك القمّة باتت في حكم الملغاة رغم أنّ المعلن بشأنها هو مجرّد تأجيل.
وبحسب الأوساط الدبلوماسية، فإنّ الجزائر استندت في محاولتها إقحام بوليساريو في القمّة إلى كون ما يسمى “الجمهورية العربية الصحراوية” عضوا في الاتحاد الأفريقي منذ العام 1984، وهو ما رفضته الرياض التي تعترف بالسيادة المغربية الكاملة على أقاليمها الجنوبية.
وأكدت ذات الأوساط أن الجزائر وجنوب أفريقيا تزعمتا حملة مشاركة “الجمهورية الصحراوية” في قمة الرياض العربية – الأفريقية، لكن الموقف السعودي المبدئي كان واضحا وهو عدم استقبال أي ممثل عن جبهة بوليساريو.
وجعلت الجزائر من نجاحها في تفخيخ قمّة الرياض وسيلة للدعاية بأن أوعزت لبوليساريو بإصدار بيان جاء فيه أنّ “المغرب فشل للمرة السادسة في كسر الإجماع الأفريقي حول موضوع الشراكة، ما تسبب في تأجيل المؤتمر الخامس للشراكة بين كل من الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، الذي كان مزمعا عقده في الرياض”.
وأوضح البيان الصادر عما يسمى “وزارة الخارجية الصحراوية” أن “السبب هو محاولة المغرب مرة أخرى، إقصاء عضو مؤسس للاتحاد الأفريقي هو الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، الأمر الذي تم رفضه جملة وتفصيلا من طرف معظم الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي”.
الجزائر وجنوب أفريقيا تزعمتا حملة مشاركة “الجمهورية الصحراوية” في قمة الرياض العربية – الأفريقية، لكن الموقف السعودي المبدئي كان واضحا وهو عدم استقبال أي ممثل عن جبهة بوليساريو
وعلى طرف نقيض مما ورد في البيان، قالت مصادر سياسية إن أغلب الدول الأفريقية دعمت الموقف السعودي الرافض لدعوة بوليساريو لحضور القمة، كما أنّ الغالبية العظمى من الدول العربية لم تكن ترغب في أن يشاركها حضور القمّة ممثلون عن “جمهورية” غير موجودة عمليا على أرض الواقع وغير معترف بها من أغلب دول العالم ولا تحظى بعضوية الجامعة العربية ولا الأمم المتحدة.
ولم يكن باستطاعة السعودية أن تشذّ عن الموقف العام لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي أكّدت في مناسبات عدة عن دعمها لمغربية الصحراء.
وخلال قمة الرياض التي انعقدت في أبريل 2016 بين قادة تلك الدول وبين العاهل المغربي الملك محمد السادس تمّ التشديد على الموقف الخليجي المبدئي من أن “قضية الصحراء المغربية هي أيضا قضية دول مجلس التعاون”، مؤكدين موقفهم الداعم “لمغربية الصحراء، ومساندتهم لمبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب، كأساس لأي حل لهذا النزاع الإقليمي المفتعل”.
وفي نوفمبر من العام ذاته، انسحبت كلّ من السعودية والإمارات والبحرين وقطر والأردن وعُمان واليمن والصومال من القمة العربية – الأفريقية بمالابو عاصمة غينيا الاستوائية بسبب حضور ممثل عن بوليساريو.
واستعادت المملكة المغربية عضويتها بالاتحاد الأفريقي في العام 2017 بعد انسحابها منه في العام 1984، ونجح الملك محمد السادس في إدارة حملة دبلوماسية واسعة في القارة الأفريقية للتعريف بقضية السيادة المغربية على الأقاليم الصحراوية، وأفضى ذلك إلى قيام عدد من الدول بسحب أو تجميد أو تعليق اعترافها بـ”الجمهورية الصحراوية”، وهي زامبيا وبوروندي والرأس الأخضر وجمهورية أفريقيا الوسطى وغينيا الاستوائية وإيسواتيني وغينيا بيساو وليبيريا وملاوي وساو تومي وبرينسيبي.
كما قررت دول أخرى دعم اقتراح الحكم الذاتي للصحراء المغربية تحت سيادة المغرب وهي بوركينا فاسو وجزر القمر وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجيبوتي والغابون وغامبيا وغينيا كوناكري وساحل العاج والسنغال وسيراليون والصومال. بالإضافة إلى جمهورية توغو التي تعترف بالصحراء المغربية كجزء من المملكة المغربية من خلال إعلان رسمي.