الجزائر تهادن مدريد دبلوماسيا بعد أشهر من التصعيد العبثي
كشفت صحيفة “الكونفيدينثيال” الإسبانية، أن الجزائر تعتزم إرسال سفير إلى إسبانيا وإنهاء الأزمة المستمرة منذ 19 شهرا، بعدما تبين أن لا نية لمدريد في تغيير موقفها من الصحراء المغربية، وبالتالي لن تستطيع الجزائر نيل تنازلات بهذا الشأن.
وذكرت الصحيفة أن السلطات الجزائرية تنوي إرسال عبد الفتاح دغموم، الذي كان يشغل منصب الرجل الثاني في السفارة الجزائرية في مدريد. ثم تم تعيينه سنة 2019 سفيرا للجزائر بغينيا كوناكري، وقبل أشهر قليلة عاد إلى وزارة الخارجية بالعاصمة الجزائر.
وكانت الجزائر قد استعادت سفيرها في إسبانيا سعيد موسي في مارس 2022 احتجاجا على رسالة وجهها رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس أشاد فيها سانشيز بالمقترح المغربي في قضية الصحراء المغربية.
وتسببت هذه الرسالة التي تعتبر إعلان عن دعم مدريد للمقاربة المغربية في حل قضية الصحراء بغضب واسع للجزائر التي تدعم الجبهة الانفصالية البوليساريو وتعرقل الحلول التي دعا إليها المجتمع الدولي والأمم المتحدة. فأعلنت من جانب واحد تجميد اتفاق الشراكة الإستراتيجية، ووقف المعاملات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، حيث اعتبر الرئيس عبدالمجيد تبون الموقف الإسباني “تنصلا من المسؤوليات السياسية والأخلاقية لإسبانيا على الصحراء المغربية”.
ونقلت الصحيفة الإسبانية عن مسؤول كبير سابق في الحكومة الجزائرية، على دراية جيدة بالعلاقات مع إسبانيا، قوله “إن العودة إلى العلاقات الطبيعية ليست فكرة جديدة، ولكن كان لا بد من إيجاد اللحظة المناسبة للقيام بذلك”، وأضاف “يبدو لي أنني أفهم أن خطاب سانشيز في الجمعية العامة للأمم المتحدة كان لصالح إرسال سفير جزائري إلى مدريد”.
ويرى مراقبون أن الجزائر تبدو ملزمة بخفض سقف التوترات المحيطة بها، لاسيما مع الضغوط التي تواجهها في عدد من الملفات، حيث باتت القطيعة الجزائرية مع إسبانيا والموقف من أطراف الصراع في الأزمة الأوكرانية، ترمي بكل ثقلها في العلاقات الجزائرية الأوروبية، باعتبار أن بروكسل منزعجة من وقف المبادلات التجارية والاقتصادية بين الجزائر ومدريد، ومن العلاقات الوثيقة بين الجزائر وموسكو، خاصة في مجال صفقات التسليح.
والموقف الإسباني من الصحراء يوافق الطرح المغربي، وقد دعا سانشيز في 22 سبتمبر الماضي، أمام الجمعية العامة الثامنة والسبعين في نيويورك، إلى البحث عن حل لنزاع الصحراء المغربية “في إطار ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن”. ودافع عن “حل سياسي ومقبول من قبل الطرفين”.
وبعد وقت قصير من اندلاع الأزمة الثنائية، طالبت السلطات الجزائرية عبر عمار بلاني، الأمين العام السابق لوزارة الخارجية والمكلف بملف الصحراء المغربية، الحكومة الإسبانية من أجل العودة إلى العلاقات الطبيعية، بالإدلاء ببيان يوضح فيه أن الحدود الدولية المعترف بها للمغرب لا تشمل المستعمرة الإسبانية السابقة. ولم تمتثل إسبانيا لهذا المطلب.
ومن غير الواضح ما إذا كان تعيين سفير جديد في مدريد سينهي سريعا مقاطعة الجزائر للمنتجات الإسبانية. حيث علقت رئاسة الجزائر في 8 يونيو 2022، معاهدة الصداقة والتعاون الموقعة مع إسبانيا عام 2002. ثم قاطعت دون الاعتراف بذلك علنا التجارة مع إسبانيا واستبعدت الشركات الإسبانية من المناقصات العامة. ولم تحافظ إلا على تصدير الغاز عبر خط أنابيب الغاز ميدغاز، من بني صاف إلى ألميريا.
وقبل شهرين من دخول الحظر التجاري حيز التنفيذ، اعتمدت الجزائر عقوبة أخرى. فمنذ 2 أبريل 2022، علقت عمليات ترحيل المهاجرين الجزائريين غير الشرعيين الذين يصلون إلى شبه الجزيرة وجزر البليار. وحتى ذلك الحين، كانت عمليات الإعادة إلى الوطن تتم عن طريق السفن.
وكان مسؤولون في الاتحاد الأوروبي أعربوا في أكثر من مناسبة عن قلقهم من التوتر المستمر بين الجزائر ومدريد، وتعمد خرق المبادلات الاقتصادية والتجارية بين الطرفين، على اعتبار أن إسبانيا هي عضو من أعضاء الاتحاد.
وكشف تقرير نشرته صحيفة “إلبيريوديكو” الإسبانية، إن القطيعة الدبلوماسية والاقتصادية بين إسبانيا والجزائر بسبب الصحراء المغربية، تسببت في تسجيل خسائر مالية لشركات تنتمي إلى البلدين، وليست منحصرة فقط لدى الشركات الإسبانية، وفق ما روجت له بعض المنابر الإعلامية الجزائرية.
ونقلت الصحافة الإسبانية مطالب لبعض الشركات الإسبانية موجهة لحكومة بيدرو سانشيز، تُطالب بتعويضات مالية جراء تعرض أنشطتها المرتبطة بالسوق الجزائري لبعض الخسائر، مشيرة إلى أن مبلغ التعويضات الإجمالي بلغ 800 مليون أورو.
وتلقفت الصحافة الجزائرية هذه المطالب من بعض الشركات الإسبانية ونشرتها عبر تقارير على نطاق واسع، في محاولة لإظهار أن إسبانيا هي الطرف الخاسر من قرار قطع العلاقات مع الجزائر.
غير أن صحيفة “إلبيريوديكو” الإسبانية قالت بأن التأثيرات السلبية لقطع العلاقات الثنائية هي تأثيرات متبادلة، وأن شركات جزائرية بدورها تعرضت لخسائر جراء الوضع المتأزم القائم.
وعلى عكس الشركات الإسبانية، يرى متتبعون للعلاقات الإسبانية الجزائرية، أن الشركات الجزائرية التي تعرضت لخسائر جراء قرار النظام الجزائري قطع العلاقات مع إسبانيا، لا تملك سوى أن تتكتم عن الوضع، ومسايرة النظام الحاكم وقراراته السياسية التي تتعارض مع المصالح الاقتصادية للبلدين، ما دام أن الأمر يتعلق بالصحراء والعداء للمغرب.