مثّلت زيارة المفتش العام للقوات المسلحة الملكية المغربية، قائد المنطقة العسكرية الجنوبية الفريق أول محمد بريظ، إلى نواكشوط ولقائه مع قائد أركان الجيش الموريتاني المختار بله شعبان، تقاربا أمنيا وعسكريا بين البلدين، في ظل التحديات الأمنية المشتركة.
وعقد الطرفان جلسة عمل للمشاركة في أعمال الاجتماع الرابع للجنة العسكرية المشتركة الموريتانية – المغربية التي عقدت الخميس في نواكشوط، وناقشا “التعاون العسكري والأمني وقضايا تهم أمن واستقرار المنطقة”.
وأورد بيان للقيادة العامة للقوات المسلحة الملكية أن “المفتش العام للقوات المسلحة الملكية أشاد، خلال الاجتماع، بجودة التعاون المغربي – الموريتاني وحصيلته الإيجابية في مجال الأمن والدفاع”، مشددا على “ضرورة تعزيز تبادل التجارب والخبرات بين القوات المسلحة في البلدين، والمساهمة في إرساء الأمن والاستقرار بالمنطقة”.
وأفاد الخبير في الدراسات الأمنية والإستراتيجية محمد الطيار بأن “اجتماع الفريق أول محمد بريظ مع قائد الأركان العامة للجيوش الموريتانية، وقبله اللقاء الذي جمع السفير المغربي في نواكشوط مع وزير الخارجية، مرتبط بمناقشة التنسيق الأمني والعسكري والسياسي الذي يجمع الدولتين، كما أن موريتانيا تعد خاصرة رخوة بالنسبة للأمن القومي المغربي، حيث تعرف انتشارا كبيرا للأسلحة الصغيرة في أوساط السكان، وضعف وسائل مراقبة حدودها الشرقية التي تشكل مجالا واسعا لسيطرة عصابات التهريب والجريمة المنظمة، فضلا عن كونها تشكل مجالا لعناصر التنظيمات الإرهابية العاملة بشمال ووسط مالي”.
ولفت في تصريح له إلى أن “في ضوء المستجدات الميدانية فإن هذه اللقاءات تخرج عن سياقها المعتاد”، مشيرا إلى أن “عدم قدرة موريتانيا على السيطرة على مناطقها الشمالية، يجعلها مجالا مفتوحا لمحاولات استهداف الأراضي المغربية، وهو أمر يفرض على المغرب وموريتانيا إيجاد حل لهذه المعضلة الأمنية التي باتت تشكل تهديدا سافرا للتراب الوطني المغربي والموريتاني على حد سواء، الأمر الذي جعل ضبط ومراقبة الحدود أول نقطة في جدول أعمال هذا اللقاء”.
وتبعا لقرار تعزيز التعاون العسكري الثنائي بين البلدين وتأمين الحدود المشتركة، توقع محمد الطيار أن “في حالة استمرار عجز موريتانيا عن الحد من تدفق عناصر ميليشيات بوليساريو إلى أراضيها، سيقوم المغرب بإنهاء وضع المناطق العازلة شرق الجدار الأمني المغربي خاصة المحاذية منها للحدود الموريتانية في مرحلة أولى، وتعزيز الإجراءات الأمنية المشتركة بين الدولتين للحد من المخاطر والتهديدات المشتركة”.
واعتبر الطيار أن “تواجد ميليشيات بوليساريو المسلحة على الأراضي الجزائرية المحاذية للحدود الموريتانية الشمالية وانتشار العديد من عناصرها في ولاية تيرس زمور وغيرها من الأراضي الموريتانية، دفعا نواكشوط إلى إعلان المناطق المتاخمة للحدود الجزائرية مناطق عسكرية سنة 2017، كما صادقت حكومة نواكشوط سنة 2021 على مشروع مرسوم يقضي بإنشاء منطقة دفاع حساسة شمال البلاد بمحاذاة الحدود المغربية، غير أن ذلك لم يؤد إلى النتائج المرجوة بحكم محدودية إمكانيات موريتانيا والتواجد الكثيف لعناصر بوليساريو التي تتعاطى أنواع الجريمة المنظمة”.
وأشار بيان القوات المسلحة الملكية إلى أن التعاون العسكري بين المملكة المغربية والجمهورية الإسلامية الموريتانية تؤطره مذكرة التفاهم الموقعة عام 2006، والتي تم بمقتضاها إحداث اللجنة العسكرية المختلطة من أجل تعزيز العلاقات الثنائية في مجال الدفاع، والذي يشمل تبادل الزيارات الاستطلاعية بين القوات المسلحة لكلا البلدين والمشاركة في مختلف التدريبات والدعم التقني والدورات التكوينية.
موريتانيا تعد خاصرة رخوة بالنسبة للأمن القومي المغربي، حيث تعرف انتشارا كبيرا للأسلحة الصغيرة في أوساط السكان، وضعف وسائل مراقبة حدودها الشرقية
وجاء اللقاء العسكري رفيع المستوى بعدما اعترفت بوليساريو الأحد الماضي، بأنها من نفذ هجمات استهدفت أحياء سكنية بمدينة السمارة في الصحراء المغربية.
وأكد محمد لكريني، أستاذ العلاقات الدولية، في تصريح لـه أن “اللقاء بمثابة رسالة تؤكد استيعاب الطرفين لحجم التحديات الأمنية والعسكرية التي تهدد مصالح الجانبين وخطورتها على مستوى الحدود”.
وفي ضوء تفجيرات السمارة جنوب المغرب، دعا برلمانيون حضور كل من وزير الداخلية ووزير الخارجية لمناقشة خلفيات وأبعاد الحادث المذكور، والتداول في الإجراءات الممكنة للحيلولة دون تكرار مثله، سواء في مدينة السمارة أو غيرها من المدن الحدودية.
وقبل اللقاء العسكري، تم لقاء سياسي ودبلوماسي بين محمد سالم ولد مرزوك، وزير الشؤون الخارجية والتعاون والموريتانيين بالخارج، والسفير المغربي لدى نواكشوط حميد شبار، استعرض فيه الطرفان “علاقات الإخاء والتعاون بين البلدين ومجموعة من القضايا ذات الاهتمام المشترك، حسب ما أفاد به رئيس الدبلوماسية الموريتانية في منشور له على منصة إكس.
ويأتي هذا اللقاء مباشرة بعد قرار مجلس الأمن الدولي الذي دعا إلى العودة إلى آلية الموائد المستديرة التي بدأها هورست كولر، المبعوث الشخصي السابق للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، بمشاركة كل من الجزائر وموريتانيا إضافة إلى الأطراف المعنية بهذا النزاع المفتعل، وهو ما ظلت ترفضه الجزائر على وجه الخصوص.
كما يأتي أيضا في سياق التحسن المستمر في العلاقات المغربية – الموريتانية منذ وصول محمد ولد الشيخ الغزواني إلى الحكم، حيث أكد رئيس الجمهورية الموريتانية، في مقابلة مع إحدى الصحف الفرنسية، أن “بلاده تحافظ على موقف محايد من نزاع الصحراء منذ وصوله إلى السلطة”، مشددا على حرصه على جعل هذا الحياد إيجابيا بما يضمن الوصول إلى تسوية سياسية دائمة لهذا النزاع.