منافسة مصرية – مغربية لتصنيع سيارات كهربائية بتكنولوجيا صينية
محاولة مصر منافسة المغرب لاستقطاب تكنولوجيا صينية لتصنيع مركبات كهربائية خطوة تريد من خلالها القاهرة اقتحام مجال جديد عليها يضعها في صدام مع طموح الرباط بتجربتها الميدانية التي تنافس فيها عمالقة التصنيع في هذا القطاع.
تُجري مصر محادثات مع شركة دونغ فينغ الصينية لصناعة السيارات بهدف إقامة مصنع لها في السوق المحلية، بالتزامن مع مفاضلة الجانب الصيني بين القاهرة والرباط لاتخاذ إحداهما نافذة للإنتاج في الشرق الأوسط وأفريقيا.
ويخوض البلدان عمليا صراعا اقتصاديا للفوز باستثمارات جديدة في مجال السيارات، وهو ما يعزز تحول أحدهما إلى مركز إقليمي لهذه الصناعة في المنطقة.
ويثير سعي القاهرة لجذب دونغ فينغ تساؤلات حول مدى قدرتها على ذلك، فإذا كان من السهل توفير الموقع والبنية التحتية، لكن ستظل كيفية توفير الأيدي العاملة الماهرة غير واضحة بجانب القدرة على توفير الموارد المالية.
وسيكون ذلك الوضع في ظل أزمة نقص العملات الصعبة في البلاد، مع غياب المحفزات الاستثمارية المطلوبة. وفي حال الاعتماد على أيد عاملة محلية فإنها ستصطدم بعائق التدريب المهني المسبق في صناعة متقدمة مثل صناعة السيارات، خاصة في مجال السيارات الكهربائية كوافد جديد على البلاد.
وجددت وزارة التجارة والصناعة المصرية مفاوضاتها مع المجموعة الصينية لتصنيع سياراتها محليا وتدشين مشروع إنتاج إقليمي يغذي المنطقة. وتأتي الخطوة بعد توقف ناهز العامين على المفاوضات بين الحكومة ودونغ فينغ لم تنجح في التوصل إلى اتفاق بسبب رفض مصر نسبة المكون المحلي التي ترغب أن تكون الغلبة من داخلها.
وتخوض القاهرة مفاوضات مكثفة مع ممثلي الشركة والرهان على الامتيازات التي تمنحها للمنتجين المحليين، وتتمثل في التخفيضات الجمركية على مكونات الإنتاج، وتهيئة البنية التحتية مع وجود رخصة تسرّع منح تراخيص التشغيل.
ولدى المغرب حظوظ أكبر لاستقطاب دونغ فينغ بعد أن خطا خطوات كبيرة في مجال صناعة السيارات وبات وجهة للعديد من الشركات التي تشغل عشرات الآلاف من العمال، ما جعل الدولة تحقق أرقام معاملات كبيرة بلغت السنة الماضية نحو 11 مليار دولار.
ونجح المغرب في جذب عدد من المصنعين للمركبات الكهربائية مثل شركات فيات وأوبل ورينو وبي.أس.أي، ما وضعه على الخارطة العالمية لصناعة هذه الأنواع من السيارات.
وربما يكون ذلك سلاحا ذا حدين، ويمكن أن تجذب الشركة الصينية أو تفضل الاستثمار في مصر لأنها لن تجد منافسة من جهات داخلية أخرى حاليًا.
وقال خالد سعد الأمين العام لرابطة مصنعي السيارات في مصر إن “المغرب متفوق في صناعة السيارات، والدخول في منافسة معه مغامرة غير مضمونة، لأن الأساس في صناعة السيارات الخبرة وآلية وطريقة التصنيع ومواكبة التطورات الجديدة”.
وأضاف في تصريح لـه أنه “يصعب الانسحاب من المنافسة، لكن يجب أن تبذل السلطات قصارى جهودها لجذب الاستثمارات الصينية كي تضع البلاد خطوة على طريق التقدم في هذا القطاع، خاصة ما يتعلق بالسيارات الكهربائية”.
وحال نجحت مصر في استقطاب دونغ فينغ ستستفيد من انضمامها إلى تجمع بريكس، حيث تتم المعاملات باليوان الصيني والجنيه المصري من دون الحاجة إلى الدولار.
وسيكون المسار خطوة تُحدث انفراجة في سوق السيارات المحلية، فضلاً عن كونها تنطوي على مرونة في التفاوض بين الحكومة والشركة الصينية.
وتعزز التقارير الدولية فرص المغرب في المجال، فقد كشف مؤشر الجاهزية العالمية للنقل الكهربائي لعام 2023 الصادر عن شركة الاستشارات الأميركية آرثر دي ليتل احتلال المملكة المرتبة 22، بينما جاءت مصر في المرتبة 28.
ويشمل المؤشر 35 سوقا على مستوى العالم، وتم تصنيف قطاع التنقل الكهربائي في مصر على أنه “سوق مبتدئة”.
وحذر تقرير المؤسسة من ضعف البنية التحتية للشحن في المغرب، لكنه توقع أن تكون الرباط مركزا مهما لتصنيع السيارات الكهربائية مع إقبال العديد من الشركات العالمية على الاستثمار فيها.
وتخطط مصر حاليا لتجهيز مدنها بالبنية الأساسية للسيارات الكهربائية ونجحت في توفير نحو 300 نقطة شحن تزيد مع الوقت في القاهرة الكبرى، وتضم محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية، وبعض المناطق خارجها.
وتستهدف السلطات الوصول إلى ثلاثة آلاف محطة شحن في البلاد خلال عام ونصف العام.
وأوضح أسامة أبوالمجد رئيس رابطة تجار السيارات في مصر أنه يصعب إنكار صعوبة موقف مصر في المنافسة، لأن التجربة المغربية في صناعة السيارات ذاع صيتها عالميًا، ولم تصل مصر إلى مستواها في مراحل التصنيع أو التجميع للمركبات.
وقال إنه “ينبغي على السلطات المصرية لتقوى على التنافس توفير مناخ جاذب لكل نواحي الاستثمار في ما يخص صناعة السيارات، مثل عدم التوسع في الضرائب، وزيادة مدتها ووصلت إلى نحو 25 عامًا في المغرب مع بدء عمل الشركات”.
وأوضح كذلك أن المشروع الصيني لن يواجه أزمة تمويل، حيث يعتمد على الشركة الأم في بداية التصنيع الجديد.
ويشهد قطاع السيارات في مصر حالة من شبه الركود بسبب أزمة شح العملات الأجنبية، الأمر الذي يجعله يبحث عن سبل لتخفيف الأضرار.
ويواجه المصنعون والتجار عقبات تمنعهم من فتح اعتماد مستندات بالبنوك للاستيراد من الخارج أو الاتفاق مع الشركات الأم على الحصول على عدد من السيارات لعدم وفرة الدولار، ما أدى إلى عدم تلبية احتياجات السوق من المركبات.
ومع ذلك، تبذل القاهرة جهودًا للنهوض بالقطاع، فمع إطلاق إستراتيجية خاصة به، قررت الحكومة في يوليو الماضي إنشاء المجلس الأعلى لصناعة السيارات، وهو هيئة تنظيمية تختص بوضع السياسات الخاصة بتوطين الصناعة بما في ذلك تجميع السيارات الكهربائية.
ووافقت السلطات على إطلاق صندوق جديد يقدم حوافز للشركات المسؤولة عن تجميع السيارات الصديقة للبيئة، وفي يونيو الماضي وافق مجلس النواب على مبادرتين بهدف اعتماد السيارات الكهربائية في مصر.
لدى المغرب حظوظ أكبر لاستقطاب دونغ فينغ بعد أن خطا خطوات كبيرة في مجال صناعة السيارات وبات وجهة للعديد من الشركات
ووسعت مصر قائمة المستوردين المؤهلين للحصول على خصومات جمركية تصل إلى 90 في المئة شرط أن تشكل نسبة المكون المحلي ما لا يقل عن 30 في المئة من المنتج النهائي، ليشمل الشركات المشاركة في تصنيع وتجميع المركبات الكهربائية.
وعلاوة على ذلك، قررت خفض الحد الأدنى من الرسوم الجمركية إلى 10 في المئة، لتشجيع تجميع السيارات الكهربائية.
وأصبح المغرب منصة إقليمية مهمة في صناعة السيارات على المستوى الأفريقي، واستثمر مبكرا في تأهيل أيد عاملة في المجال، بعد التوجه منذ سنوات إلى إنشاء إستراتيجية “مدن المهن والكفاءات” لتكوين أيد عاملة بجودة عالية تدعم قطاع السيارات.
ودشنت الرباط مناطق صناعية مجهزة وموانئ عصرية، مثل ميناء طنجة المتوسطي وقدرته العالية على تفريغ الحاويات وإنجاز الطلبيات في مدة قليلة، إلى جانب سلاسل الإمداد اللوجستية الحديثة.