يحفل المغرب بالعديد من التجارب الإخراجية الهامة في عالم السينما، تجارب ترقى في أهميتها إلى العالمية، ولعل أبرز ما يميزها انطلاقها من الخصوصية المحلية، ومن قضايا الهامش في المجتمع المغربي، مقدمة رؤية عميقة للثقافة المغربية. ومن هذه التجارب عبدالقادر لقطع، الذي كرمه مؤخرا المهرجان الوطني للفيلم بطنجة.
كرم المهرجان الوطني للفيلم بطنجة في حفل افتتاحه مؤخرا المخرج وكاتب السيناريو المغربي عبدالقادر لقطع نظير تجربته السينمائية الفريدة والتي كرسها لعقود لصالح المهمشين ومعالجة قضايا المجتمع المغربي من زوايا غير مطروقة.
اشتهر عبدالقادر لقطع بفيلمه الذي حمل عنوان “حب في الدار البيضاء”، والذي حقق نجاحا جماهيريا كبيرا، وكان هذا الفيلم جريئا في مواجهة حقائق المجتمع المغربي، بالإضافة إلى أعماله السينمائية الأخرى مثل “الباب المسدود” و”بيضاوة”، فأعماله السينمائية غالبا ما تثير تساؤلات حول السلطة والقيم الدينية والسياسية.
ولقطع مخرج ومؤلف ومونتير من مواليد مدينة الدار البيضاء سنة 1948، وقد نال شهادة الباكالوريا، وهو من بين الخريجين المغاربة الرواد القلائل الذين درسوا الإخراج السينمائي، إذ نال سنة 1975 دبلوم الدراسات العليا من المدرسة الوطنية للسينما والتلفزيون والمسرح بمدينة لودز ببولاند.
عند عودته من دراسته في بولندا شارك في إخراج الفيلم الجماعي “رماد زريبة” بالتعاون مع الأخوين الدرقاوي، وفي فيلمه الأخير “نصف السماء” استعاد أحداث القمع السياسي في المغرب واعتقال عبداللطيف اللعبي بسبب آرائه السياسية في أوائل السبعينات.
المخرج المغربي تعاون مع فنانين بولنديين ذوي اتجاه فني مفهومي وقدم عدة أعمال منفتحة على التوجهات المعاصرة
تعاون عبدالقادر لقطع مع فنانين بولنديين ذوي اتجاه فني مفهومي، حيث قام بدور “سكرتير” وكان مترجما ومساعدا للفنانة إيوا بارتوم، وساهم أيضا في تطوير ممارسته الفنية الخاصة، كما شارك في عروض فنية وفكرية، مثل تلك التي أُقيمت في مدينة إلبلاغ بشمال بولندا، حيث شهدت تحولا عن طريق إدراج جلسة سينمائية مع الفنان أندري بارتوم عبر استخدام إبر الوخز على شاشة السينما.
بالإضافة إلى ذلك، استفاد لقطع من الآلة الكاتبة التي أهداها له الشاعر مصطفى النيسابوري في عام 1968، كما قام باستخدامها لإجراء بحث شعري في أعمال مهمة مثل “قصيدة من واقع حدود الواقع”، “الاختلافات الأولى والثانية” و”التنظيف اللغوي”، وقدم هذه الأعمال في معرض بمكتب الشعر في وارسو.
من بين أهم أعماله السينمائية نذكر فيلم “رماد الزريبة” الذي قام بإخراجه بالاشتراك مع محمد الركاب، ويحكي هذا الفيلم عن مجموعة من سكان المناطق الجنوبية في المغرب، يقودهم عبدالقادر، حيث يقررون الانتقال إلى الدار البيضاء بحثا عن تحقيق أحلامهم. يعتقدون أن المدينة الكبرى يمكن أن تحمل لهم فرصا مالية سهلة. لكن عندما يصلون إلى الرباط، يصطدمون بواقع صعب ويكتشفون أنهم كانوا في وهم مع توالي الأحداث المشوقة.
والفيلم من إخراج محمد الركاب وعبدالقادر لقطع، والسيناريو من كتابة محمد الركاب ومصطفى الدرقاوي. ويضم طاقم العمل محمد الحبشي، أحمد الناجي، صلاح الدين بنموسى، عائشة سعدون، بوشعيب الهلالي وشفيق السحيمي.
أما فيلم “حب في الدار البيضاء” فتمر أحداثه في سياق درامي اجتماعي مؤثر، وتدور حول شخصية سلوى، امرأة شابة تعيش حياة معقدة ومليئة بالعلاقات العاطفية المتعددة. تُظهر القصة رحلتها الشخصية والضغوط التي تضطر إلى مواجهتها مع تقاليد المجتمع القائمة. سلوى تُجبر على التفكير في تغيير حياتها بالكامل والبحث عن شريك جديد يتناسب مع مرحلة حياتها الجديدة.
يسلط الفيلم الضوء على التحديات والصراعات الشخصية التي تواجهها سلوى وكيف تحاول التوازن بين تحقيق طموحاتها الشخصية ومطالب المجتمع المحيط بها.
عمل آخر يعتبر من أهم ما أنجزه لقطع، هو فيلم “بيضاوة” يشترك في بطولته كل من خديجة أسد، كارينا أكتوف، عزيز سعدالله، صلاح الدين بنموسى، محمد بنبراهيم، وممثلين آخرين. ويروي الفيلم قصصا ثلاثا متشابكة: حكاية بائع الكتب الذي يتلقى استدعاء من الشرطة دون معرفة السبب، مما يجعله يعيش في حالة من التوتر والرعب.
وتتمثل الحكاية الثانية في الطالبة الجامعية التي تثير انتباه سكان الحي بسبب تصرفاتها غير التقليدية، بينما تحاول أن تحافظ على حياتها الشخصية وتهتم بدراستها لقضية فتاة أخرى تعيش في الحي.
وأخيرا، تُروى في الحكاية الثالثة قصة تلميذ شاب يتأثر بأفكار متطرفة تروجها جماعة في مدرسته، وتجعله يعتقد أن والديه كفار، وبالتالي يجب عليه قتلهما.
ويروي فيلم “وجها لوجه” قصة كمال، المهندس الشاب الذي يعيش حياة ملتزمة بواجبه المهني بعد خروجه من السجن لأسباب سياسية. يتعهد بأداء مهمته بكفاءة وشغف، وهذا يثير استياء رؤسائه، خاصة عندما يعد تقريرا يكشف عن الآثار الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لبناء السدود. هذا التقرير يجعله هدفا لانتقامات متعددة.
بينما يتحدث فيلم “ياسمين والرجال” عن ياسمين الشخصية الجميلة والمثيرة، وهي تجسد مأساة المرأة في المجتمع الذكوري، حيث تتعرض للتحرش اللفظي والمعنوي بالإضافة إلى التحرش الجسدي. نتابع رحلتها مع القهر منذ طفولتها، حيث تكون علاقتها مع والدها الكولونيل المتقاعد قاسي القلب معقدة. وزوجها الخائن والمتسلق يجعلها تسعى جاهدة للهروب منه، ولكنه يورطها في العديد من المشاكل.
تتعرض ياسمين لمضايقات مستمرة ومحاولات تحرش من قبل صاحب العمل الذي تعمل لديه كسكرتيرة. وقد كتب لقطع بنفسه سيناريو هذا العمل وحواراته. والفيلم يضم مجموعة من الممثلين المتميزين، بما في ذلك محمد زهير وسناء علوي ويونس بيكري وسلمى الشداوي ومحمد مجد.
من الأعمال الأخرى التي أخرجها لقطع فيلم “نصف السماء” يدور محور الفيلم حول مسيرة الكاتب المغربي عبداللطيف اللعبي خلال السبعينات من القرن الماضي، ولكن بتعبير زوجته جوسلين اللعبي، التي قامت بالدفاع بشراسة عن حق زوجها في الحرية.
الفيلم من إخراج عبدالقادر لقطع، والسيناريو من كتابة عبدالقادر لقطع وعبداللطيف اللعبي، وفي أدوار البطولة تجد صونيا عكاشة، أنس الباز، بثينة الفكاك، سارة لور إستراجنا، عواطف لهماني ومارك ساموي.