المغرب ينشئ مؤسسة جديدة لدعم الفنانين والمبدعين
يواجه الفنانون والمبدعون والمثقفون في العالم العربي واقعا صعبا خاصة مع غياب عناصر الصناعة الثقافية المتكاملة، وهو ما دفع بالكثير من الدول العربية إلى محاولات إصلاح عاجلة للقطاعات الثقافية، وعلى رأسها المغرب الذي أطلق عدة مبادرات كان آخرها مؤسسة لرعاية الفنانين والمبدعين المغاربة.
تقترب الحكومة المغربية من إحداث وتنظيم مؤسسة جديدة تهدف إلى رعاية الفنانين والمبدعين المغاربة، تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، ومن مهامها النهوض بالأوضاع الاجتماعية والمادية لهذه الفئة وتكريمهم والاحتفاء بهم، وتقديم خدمات اجتماعية لهم خاصة لمن هم في وضعية هشة.
وفي هذا الصدد كشف وزير الشباب والثقافة والتواصل محمد مهدي بنسعيد أن الوزارة بصدد إعداد مشروع نص قانوني تحدث بموجبه “مؤسسة لرعاية الفنانين والمبدعين المغاربة”، تتولى القيام بمجموعة من المهام، مشيرا إلى أن الوزارة قامت بإدراج هذا المشروع في مسطرة المصادقة، في أفق التوقيع عليه من طرف القطاعات المعنية، والنشر بالجريدة الرسمية.
عناية بالمثقفين والمبدعين
أوضح وزير الثقافة، في معرض جوابه على سؤال تقدم به فريق التجمع الوطني للأحرار بمجلس المستشارين، أن هذه المؤسسة ستتولى النهوض بالأوضاع الاجتماعية والمادية للفنانين والمبدعين المغاربة، وتكريم المثقفين والمبدعين، والاحتفاء بهم والتعريف والإشادة بإنجازاتهم، إضافة إلى المساهمة في خلق توازن بين الوضع الاعتباري والاجتماعي للمبدع والمثقف، والقيام بحملات تحسيسية وتواصلية لتحسين صورة المثقف والفنان بالمجتمع.
وفي ظل دعم سياسة ثقافية مندمجة كرافعة للتنمية ومنصة لخلق فرص الشغل فقد سبق لرئيس الحكومة عزيز أخنوش أن أكد أن لا أحد ينكر التقدم الملحوظ في السياسات المتعلقة بتثمين الرأسمال الثقافي خلال العقدين الماضيين، مستدركا أنه مازالت هناك مواطن قصور تتطلب من الحكومة العمل على إصلاحها وتجاوزها خاصة على المستويين المؤسساتي والتنظيمي، لافتا إلى أنه من بين هذه المشاكل أيضا تبخيس صورة الفنانين والمبدعين كوسطاء ومنشطين ومنشئين للرابط الاجتماعي، ونقص مؤسسات التكوين والمعاهد المرتبطة بالنشاط الثقافي.
المؤسسة تنهض بالأوضاع الاجتماعية والمادية للفنانين والمبدعين المغاربة، وتكرم المثقفين وتحتفي بهم
وهناك عدد من الفنانين المغاربة لا يملكون شقة للعيش أو تقاعدا وتأمينا صحيا ضد المرض، خاصة ممن تقدم بهم السن وطالهم المرض والنسيان، ولهذا لفت محمد بنسعيد إلى إطلاق الوزارة منذ فترة مبادرات أخرى تهدف إلى الارتقاء بوضعية الفنان المهنية والمادية والاجتماعية، من بينها تمكين الفنانين وتقنيي وإداريي الأعمال الفنية من البطاقة المهنية للفنان في صيغتها الجديدة، والتي تمنحهم مجموعة من الحقوق المرتبطة أساسا بأولويات التشغيل والحماية الاجتماعية وضبط العلاقة الشغلية وتخصيص دعم مالي سنوي لفائدة الفنانين بصفة عامة والرواد بصفة خاصة، يهم مجالات متعددة، بالإضافة إلى تفعيل الإجراءات والمساطر المرتبطة بالرعاية الاجتماعية للفنانين، خصوصا ما يتعلق بالتغطية الصحية.
ولا يتعدى واجب الانخراط السنوي في التعاضدية الوطنية للفنانين 700 درهم (حوالي 70 دولارا)، وهي أرخص مساهمة من بين تعاضديات التأمين في المغرب، إلى جانب أنها “التعاضدية الوحيدة التي تحظى بدعم الدولة”، وعادة ما يتكلف العاهل المغربي الملك محمد السادس بمصاريف علاج الفنانين الذين يعيشون وضعية صحية متدهورة.
وسجل وزير الشباب والثقافة والتواصل التزام الوزارة بمواصلة تمويل التعاضدية الوطنية للفنانين بمبلغ 4 ملايين درهم سنويا، إلى جانب احتفاء الوزارة بالفنانين وتكريمهم في جميع أنشطتها الثقافية والفنية، معتبرا أن كل هذه الإجراءات ستكون لها انعكاسات إيجابية على وضعية الفنانين المغاربة.
وأكد بنسعيد أنه تطبيقا لمقتضيات القانون المتعلق بنظام التأمين الإجباري الأساسي على المرض الخاص بفئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا، والقانون المتعلق بإحداث نظام المعاشات لفائدتهم، وكذلك المراسيم التطبيقية المتعلقة بهذين القانونين، قامت الوزارة، بصفتها هيئة الاتصال المكلفة، بموافاة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بلائحة الفنانين الحاصلين على البطاقة المهنية للفنان (وعددهم حوالي 9000)، على أن يتكلف مسؤولو الصندوق بالقيام بعملية الفرز داخل هذه اللائحة لمعرفة الفنانين غير المنخرطين في أي نظام للحماية.
حلول بنيوية
المبادرة الحكومية تعتبر خطوة جيدة لتكريم الفنان الذي يعيش ظروفا صحية واجتماعية صعبة في تخصصات مختلفة
تعتبر هذه المبادرة الحكومية جيدة لتكريم الفنان الذي يعيش ظروفا صحية واجتماعية صعبة في تخصصات مختلفة، حيث يؤكد توفيق عمور نقيب النقابة المهنية المغربية لمبدعي الأغنية، في تصريح ، أن العمل في القطاع الفني يقع ضمن خانة القطاعات غير المهيكلة، وذلك بسبب غياب صناعة فنية ومؤسسات عامة أو خاصة تعنى بهذا القطاع وتتجرأ على الاستثمار فيه بما يضمن قدر الإمكان جعله قطاعا منتجا ومتحركا يخلق فرص العمل ويحفز العاملين على الإبداع والإنتاج هو الجواب الأمثل لدعم الفنان المغربي.
ويضيف عمور أنه “باستثناء الدعم المتواضع والمحتشم جدا الذي تمنحه الدولة بين الفينة والأخرى في هذا الإطار ضمن برنامج دعم الفنون السنوي منذ سنة 2011، أو ضمن بعض التعاون والشراكات التي يبرمها قطاع الثقافة موسميا وعرضيا مع بعض الجمعيات والهيئات المدنية، فإن هذا القطاع يبقى رهين اجتهادات بعض الغيورين من الأشخاص والهيئات المدنية التي تحاول جاهدة وبوسائل جد محدودة دعم المشتغلين بالقطاع الفني بصفة عامة”.
وسبق لوزارة الثقافة والشباب والرياضة أن أكدت أنها بصدد الاشتغال على حلول بنيوية لدعم الفنان المغربي، من ضمنها تنزيل الورش الملكي المتعلق بتعميم الحماية الاجتماعية، منها نظام التأمين الإجباري الأساسي على المرض والخاص بفئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا، والقانون المتعلق بإحداث نظام للمعاشات لفائدة فئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا.
يقول عمور ، “إن التعامل مع هشاشة هذا القطاع ظل لعقود مرهونا بمبادرات الدولة، ومرتكزا على علاقات الشد والجذب التي تتغير بمزاجية بتغير المسؤولين ومدى اهتمامهم بالفنون والثقافة، ورهينا ببرامج ومخططات لا تكتمل للأسف بسبب التعديلات الحكومية المتكررة، نرجو أن تترجم كل الأفكار والوعود التي أكد عليها المسؤول الحكومي إلى واقع يعيشه الفنان والمبدع في مختلف الفنون، كما يبقى أملنا كبيرا في توحيد صفوف الفنانين والمبدعين ضمن منظمة فنية واحدة تجمع كلمتهم وتجعل مطالبهم المشروعة واضحة وواصلة بقوة إلى الجهات المعنية”.
وأبرزت النائبة البرلمانية والفنانة فاطمة خير، ضرورة الاشتغال على الملفات المرتبطة بالشق القانوني والاجتماعي، مع إعادة النظر في الدعم الموجه لقطاع الثقافة والفنون لضمان الاشتغال في مناخ تنافسي يحتكم لتكافؤ الفرص، مشيرة إلى أن الفنان المغربي ينتظر رعاية ووضعا اعتباريا لعطائه وإبداعه، خصوصا عندما تنطفئ الأضواء ويعيش خريف العمر.