دراسات حول جدوى البناء بالمواد المحلية لمواجهة الزلازل في المغرب
ينكب مهندسون وخبراء مغاربة وأجانب من مختلف التخصصات يشاركون في لقاء دراسي بالرباط على بحث موضوع “البناء بالمواد المحلية قصد مواجهة التحدي المزدوج للزلازل والتغيرات المناخية”، وذلك بهدف توطيد مكتسبات ما بعد الزلزال.
ويبحث المشاركون في اليوم الدراسي الثاني الذي تنظمه أكاديمية المملكة المغربية مجموعة من المواضيع ذات الصلة بأهمية الحفاظ على الهوية المعمارية المحلية للمناطق المتضررة، مع التفكير في أساليب مبتكرة لعصرنتها، دون التخلي عن مواد البناء المحلية، وذلك بالنظر إلى أن المواد المحلية تكسب البنايات قدرة على مقاومة التقلبات المناخية وكذلك الزلازل.
وقال أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية عبدالجليل لحجمري إن اللقاء يمثل فرصة للتفكير عمليا في اقتراحات قابلة للتنفيذ تراعي مميزات الحياة في المناطق المتضررة، خاصة المتواجدة في القرى الجبلية النائية بأعالي جبال الأطلس، معتبرا أنه تحدّ مزدوج يعيد البناء ويراعي أيضا تبعات الاحتباس الحراري الذي يشهده العالم نتيجة للتغيرات المناخية المتسارعة.
وأوضح أن التفكير في المسائل التقنية بمناسبة اليوم الدراسي يسترشد بالأوراق العلمية التي يلقيها خبراء ينتمون إلى آفاق وتخصصات متعددة ومتكاملة تشمل الهندسة والاقتصاد والأنثروبولوجيا والآثار والسوسيولوجيا، والتهيئة العمرانية، والجغرافيا والتاريخ وفنون العمارة، بحيث يتم عرض تجارب متميزة لإعادة الإعمار والبناء في ضوء هيكلة جديدة للمجال بخصوصياته المعمارية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية وبإشراف تقني وهندسي يحترم تراث المنطقة وبيئتها المتفردة.
وسجل لحجمري أن التنسيق والتخطيط المحكمين بين كل المؤسسات المهتمة ووكالة الأطلس الكبير التي ستشرف على تنفيذ برنامج إعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررة من زلزال الحوز، يتماشيان مع رؤية العاهل المغربي الملك محمد السادس التي عبر عنها في خطابه السامي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الحالية.
وذكر أمين السر الدائم للأكاديمية المغربية بمخرجات اليوم الدراسي الأول حول موضوع “إعادة الإعمار، الترميم، الإعداد: وتنفتح آفاق جديدة للكرامة بعد الكارثة” الذي أوصى بمواصلة التفكير النظري والعملي من أجل مواءمة التقنيات الحديثة لإعادة الإعمار مع خصوصية الأمكنة وتعقيد التشكيلات المجالية المحلية التي تضررت من آثار الزلزال سواء في القرى أو المدن.
من جهتها، دعت المهندسة المعمارية والمتخصصة في الأنثروبولوجيا سليمة الناجي إلى ضرورة الحفاظ على الهوية المعمارية المحلية للمناطق المتضررة مع التفكير في عصرنتها وحفظ خصوصياتها التي اعتمدت على مواد محلية من حجر وتراب وخشب، وهي مواد تكسب البنايات قدرة على الاستدامة والصمود في مواجهة التقلبات المناخية، فضلا عن مرونتها ومقاومتها للزلازل وسهولة إعادة استعمالها.
واستعرضت الناجي تجارب ونماذج متميزة من إعادة الإعمار والبناء في ضوء هيكلة جديدة للمجال بخصوصياته المعمارية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وبإشراف تقني وهندسي يحترم تراث المنطقة وبيئتها المتفردة، وبتمويل محلي وفرته المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
أشغال اليوم الدراسي تتوزع على ثلاث موائد مستديرة، تُخصص الأولى لموضوع “البناء البيئي في مواجهة التحدي المزدوج لمخاطر الزلزال والتغيرات المناخية”
وأوضحت أنه ينبغي أن تتم إعادة الإعمار انطلاقا من قاعدة حفظ روابط الإنسان بالمكان، مما يوفر إطارا معماريا متكيفا مع السياق المناخي وممارسات العيش، ويقدم نظاما إيكولوجيا ومعماريا مبتكرا، يدمج بين متطلبات العصر والتقنيات التاريخية النابعة من الأرض والحجر، وينتج بذلك نموذجا بديلا يجمع بين عمال البناء والمقاولات المتخصصة والمهندسين والمعماريين.
وأضافت أن النموذج استمد قوته من النتائج الملموسة التي حققها، موضحة أن عملية توحيد المعايير (البناء بمواد عصرية) تسرّع تدهور الظروف المعيشية من خلال استعمال مواد دخيلة وملوثة تزيد حدة الاحتباس الحراري، سواء على المستوى المحلي أو العالمي، مبرزة أن “هذه التجربة العلمية دفعت الأكاديمية إلى الانخراط في إحداث إطار بحث عملي متكيف مع سياق ما بعد الكارثة في منطقة الأطلس الكبير”.
وعبرت عن ارتياحها لكون اليوم الدراسي سيتيح تدخل كل الفئات والأطراف المعنية التي ساهمت في التجربة العلمية من خلال تعبئة الباحثين والخبراء الذين واكبوها والذين يتوفرون على معرفة عميقة ومفصلة بالحقائق المعقدة للمناطق المعنية.
وتتوزع أشغال اليوم الدراسي على ثلاث موائد مستديرة، تُخصص الأولى لموضوع “البناء البيئي في مواجهة التحدي المزدوج لمخاطر الزلزال والتغيرات المناخية” عبر مناقشة مسألة تعميم البناء البيئي من خلال ممارسات جيدة تضمن السلامة من الزلزال وإرساء مبان متكيفة مع السياق المناخي.
أما المائدة الثانية فتتناول موضوع “نقل التقنيات التاريخية العريقة” وأهمية إصلاح التراث الجماعي في المناطق المتضررة باعتبارها فضاءات للتعلم والتدريب لفائدة القوى العاملة الحية، بينما تتطرق المائدة الثالثة إلى “الآفاق الجديدة للعيش الرغيد”، حيث يشارك فيها الأعضاء المغاربة في مشروع البحث المسمى “التجديد” الذي تابع كل المبادرات، وقام بتحليل العمليات التي أجريت وتداعياتها الاجتماعية باعتبارها جمعت ما بين استخدام المواد المحلية والأشكال المعمارية الخاصة.