السيسي لإسرائيل: خذوهم إلى النقب
أحدثت تصريحات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده مع المستشار الألماني أولف شولتس في القاهرة الأربعاء، ردود فعل متفاوتة داخل مصر وخارجها، خاصة ما تعلق منها بفكرة نقل فلسطينيي غزة إلى صحراء النقب في إسرائيل بدلا من سيناء، وهي الفكرة التي طرحها بنوع من السخرية.
ووجد مؤيدو السيسي في الفكرة وسيلة يمكن أن تحرج إسرائيل سياسيا وأمنيا وقد تقلب عليها الطاولة، حيث تنطوي على تصدير أزمة إلى حكومة بنيامين نتنياهو التي لا تتوانى عن قصف الفلسطينيين وحصارهم وإجبارهم على الذهاب إلى جنوب غزة ومنه إلى سيناء.
كما لا يخلو الطرح من تذكير للعالم بأن هناك منطقة فلسطينية قليلة السكان وتحتلها إسرائيل أيضا هي أولى باستيعاب أهالي غزة الفارين من الدمار، وهو ما يؤشّر على وجود محاولة تبتغي تصدير القلق إلى مواطني إسرائيل، باعتبار أن هؤلاء الفلسطينيين غير بعيدين عنهم.
رفْض التوطين في سيناء قرار مصري لا رجعة فيه، ولا أحد يستطيع خرقه، وتسنده المؤسسة العسكرية منذ مدة طويلة
في الوقت ذاته تعامل معارضون ورافضون لما طرحه السيسي مع الفكرة بجدية وأخرجوها من سياقها الساخر ورأوا فيها روشتة إيجابية لإنقاذ إسرائيل من حيرتها الحالية، دون التوقف عند ما يحمله الطرح من سلبيات عديدة لإسرائيل نفسها، والتي تسعى لتفريغ الأراضي الفلسطينية من سكانها الأصليين، سواء في الضفة الغربية أو في غزة.
وتحدث عبدالفتاح السيسي بهدوء خلال شرح الثوابت المصرية تجاه القضية الفلسطينية، ودعمها على طول الخط لمنهج السلام، وتثمين الحلول السياسية، وإدانة العنف المسلط على المدنيين عموما، لكنه اتخذ موقفا صارما ضد المساس بالأمن القومي المصري.
وحاول الرئيس المصري إبعاد شبح التوطين في سيناء باستخدام مفردات تقلق إسرائيل ودولا غربية عديدة تريد الحفاظ على الهدوء بين مصر وإسرائيل؛ فقد لوّح بأن التهجير إلى سيناء يعني خلق مقاومة فلسطينية جديدة فيها ضد إسرائيل، سوف تبادلها العنف من على أرض سيناء، وهو ما ترفضه القاهرة ويقود إلى خلط الأوراق في المنطقة، في تلميح مبطن إلى أنه قد يستدعي ردا مصريا عسكريا وتخليا عن معاهدة السلام.
واتخذ الخطاب المصري حيال التعامل مع الحرب على غزة طابعا تصعيديا أكثر من السابق الذي بدا فيه التريث والحذر لافتين عندما كانت الأزمة في بداياتها، ومع السخونة الشديدة التي طرأت عليها بعد قصف مستشفى المعمداني في غزة مساء الثلاثاء، لم تعد نبرة الهدوء مناسبة، وأخذ الإعلام المصري يضاعف جرعات الإدانة للتصرفات الإسرائيلية والتعاطف بدرجات مختلفة مع المقاومة الفلسطينية.
وقال اللواء حمدي بخيت، المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية التابعة للجيش المصري، إن “حديث الرئيس السيسي رسالة واضحة وصارمة إلى الولايات المتحدة يفيد مضمونها بأن السلام مع إسرائيل على المحك، وعلى الدولة الداعمة للاحتلال تحمّل مسؤولية انهيار معاهدة السلام ودخول المنطقة في دوامة من عدم الاستقرار تصعب السيطرة عليها.
وأعلنت وزارة الخارجية الإٍسرائيلية الأربعاء أنها قامت بإجلاء أطقم العاملين في سفارتها بمصر (والمغرب أيضا) بعد مؤشرات من السيسي على عدم استبعاد حدوث انتفاضة شعبية ضد تصرفات قوات الاحتلال.
ورأى اللواء بخيت أن تهديدات الرئيس السيسي هي التي دفعت تل أبيب إلى سحب أطقم سفارتها من القاهرة “لاقتناعها بأن القادم مع مصر قد يكون أسوأ”، وما يمنح الرئيس السيسي دفعا معنويا قويا هو أنه أصبح مدعوما من جموع المواطنين، ما يجعل مواقفه وقراراته ووجهة نظره قوية في التفاوض مع الداعمين لإسرائيل.
وأضاف أن زيارة المستشار الألماني إلى مصر جاءت بتكليف من الاتحاد الأوروبي، وربما بإيعاز من الولايات المتحدة نفسها، للتفاوض مع القاهرة وتليين موقفها، لكن مصر ردت بأن تقديرات القاهرة ثابتة ولن تتغير مهما كانت هوية الطرف المفاوض.
رفض التوطين في سيناء قرار مصري لا رجعة فيه، ولا أحد يستطيع خرقه، وتسنده المؤسسة العسكرية منذ مدة طويلة، وتعي فكرة التوطين والخيوط التي تتحكم فيها
ووضعت القاهرة الكرة في ملعب الشعب المصري للتأكيد على رفض فكرة التوطين، حيث لوح السيسي بأن هناك الملايين من أفراد الشعب مستعدون للخروج إلى الشوارع لدعم موقفه، وعقب هذا التصريح تصاعدت التظاهرات في عدد من الجامعات المصرية بصورة غير معتادة منذ سنوات، وقد تزداد انتشارا كلما كثر الحديث عن التوطين في سيناء.
ويتعرض النظام المصري لضغوط غربية شديدة تحت قيادة الولايات المتحدة التي لا تخفي تأييدها لمقترح ترحيل سكان غزة إلى سيناء، مع تلميحات بمغريات مادية للقاهرة تخفف عنها أزمتها الاقتصادية، وينبغي له الخروج من هذا المأزق بطريقة مرنة تجنّب بلاده خوض حرب حاليا ضد إسرائيل وتبعده عن صدام مع أي قوة غربية.
وأفادت مصادر إعلامية محلية، نقلا عن مصدر سيادي مصري، الأربعاء بأن مصر لن تسمح بإجلاء الرعايا الأجانب في غزة عن طريق معبر رفح، “والتصعيد سيقابل بتصعيد”، وذلك ردا على تصريحات أدلى بها نتنياهو عقب اللقاء مع الرئيس الأميركي جو بايدن بشأن عدم السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة من مصر، ليتم لاحقا الإعلان عن موافقة إسرائيل على إدخال المساعدات عبر رفح.
ويقول مراقبون إن رفض التوطين في سيناء قرار مصري لا رجعة فيه، ولا أحد يستطيع خرقه، وتسنده المؤسسة العسكرية منذ مدة طويلة، وتعي فكرة التوطين والخيوط التي تتحكم فيها، واتخذت ما يلزم من إجراءات ميدانية في سيناء لمنع عملية فرضها بأي شكل من الأشكال.
ويضيف هؤلاء المراقبون أن إشارات السيسي المتباينة إلى التوطين تعني أنه قد يتحول إلى كرة ثلج أو قضية محورية خلال الفترة المقبلة، لتصدير أزمة حادة إلى بلاده تبعدها عن القضية الفلسطينية أو تُوقع الفتنة بينها وبين الشعب الفلسطيني، وهو ما جعل حديث التوطين يطفو على السطح من القاهرة وعدم الصمت على ما ينطوي عليه من ألاعيب سياسية.
وأكد السيسي أن مصر ترفض تصفية القضية الفلسطينية بالأدوات العسكرية أو أي محاولة لتهجير الفلسطينيين قسريا من أرضهم، أو أن يأتي ذلك على حساب المنطقة. وأقر بأن بلاده ستظل على موقفها الداعم للحق الفلسطيني المشروع في أرضه ولنضال الفلسطينيين.
وقد تشهد الأيام المقبلة شدا وجذبا كبيرين في المواقف الإقليمية والدولية، لأن استمرار الحرب على ما هي عليه يمكن أن يدخلها في سيناريوهات قاتمة تؤدي إلى فوضى أمنية.