خروقات مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج تتعدى كل التوقعات
بعد أن فتح الخطاب الملكي النقاش حول قضايا المهاجرين المغاربة المقيمين بالخارج، تسلطت الأضواء بشكل كبير على مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج ، لا سيما بعد خروقات بعض موظفي المؤسسة داخل القنصليات و خارجها في دول الاقامة، التي أعادت الجدل حول مدى نجاح المؤسسة في القيام بالمهام المسنودة لها.
33 سنة مرت على تأسيس مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج من طرف المغفور له الملك الحسن الثاني و عهدت الرعاية الفعلية لصاحبة السمو الملكي الأميرة للا مريم و ذلك بمقتضى القانون رقم 19-89 و الظهير رقم 1-90-79 ل 20 ذي الحجة 1410 (13 يوليوز 1990).، تكفي بالنسبة لمتخصصين للحكم بفشلها في القيام بمهامها المحددة ضمن القانون المؤسس .
وراكمت مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج العديد من الإخفاقات طيلة ثلاثة عقود من الزمن، ذلك أنها فشلت في ضمان استمرار العلاقات الأساسية لمغاربة العالم التي تربطهم بوطنهم، و إلى مساعدتهم على تذليل الصعوبات التي تعترضهم بسبب اغترابهم، إضافة إلى فشل المؤسسة على مستوى الحكامة والتسيير في مجال تعليم اطفال الجالية اللغة العربية بدليل تحكم المساجد في هذا المجال، بالإضافة إلى اشتغالها خارج منطق المحاسبة، والأكثر من ذلك فشل موظفيها داخل القنصليات مما خلق أزمة بين هذه الأخيرة و وزارة الشؤون الخارجية و التعاون و المغاربة المقيمين بالخارج .
كل هذه المستويات وأخرى، التي يتناول جوانبها هذا الملف، جعلت مؤسسة الحسن الثاني من بين أكثر المؤسسات المساءلة من خلال الخطاب الملكي، إلى جانب مؤسسات أخرى، الأمر الذي يدعوه إلى إعادة النظر في تركيبتها وتكوينها وطريقة اشتغالها، وفق فاعلين.
أسئلة الخطاب الملكي شاملة لجميع المؤسسات
قال بوشعيب البازي الصحافي المهتم بقضايا الجالية ″، أن الخطاب الملكي رد الاعتبار للمواطنين المغاربة المقيمين بالخارج، وفتح ورشا جديدا للسياسة المغربية فيما يخص المغاربة المقيمين بالخارج، وطرح عدة أسئلة موجهة للمؤسسات المعنية، دون ذكرها، ذلك أن الملك طلب إعادة النظر لتأهيل المؤسسات والمرافق المهتمة بقضايا الجالية، يضيف المتحدث.
ويشرح البازي أن من بين هذه المؤسسات مرافق موجهة بصفة كاملة للجالية، مثل مؤسسة الحسن الثاني المغاربة المقيمين بالخارج، والمجلس الأوروبي للأئمة المغاربة فيما يخص التأطير الديني، ومن جهة أخرى هناك عدة مؤسسات وقطاعات حكومية ووكالات لها عدة أدوار منها المتجهة للجالية.
في الوقت الذي يسعى به المغرب للإصلاح الإداري والانتقال من العمل الورقي إلى الرقمي وإعادة هيكلة المؤسسات العامة والبلديات، مازالت مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج تعاني من تفشي ظاهرة “الموظفين الأشباح” الذين يتقاضون رواتب شهرية من دون عمل أو بذل مجهود، و خصوصا الذين طردوا من منصبهم داخل القنصليات بسبب النصب و الاحتيال و السرقة و لازالوا ليومنا هذا و بدعم مالي من مؤسسة الحسن الثاني يتوعدون رؤساء جمعيات و يتواطؤون مع آخرين لتشويه صورة بعض المهاجرين المغاربة ببلجيكا.
وتساهم ظاهرة “الموظفين الأشباح” التي تشجع عليها مؤسسة الحسن الثاني وفقا للأستاذ البازي، في إهدار الميزانية العامة للدولة، حيث تصل بسببها الخسائر إلى أكثر من 10 مليارات درهم (نحو مليار دولار) سنويا.
مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج هي الأخرى، وفق المتحدث بحاجة إلى الإصلاح وإلى تغيير في مسيريها و في قانونها المنظم الذي صودق عليه في البرلمان في بداية التسعينات من القرن الماضي، لأنه تقادم في وقت حصلت مجموعة من التغيرات، ومن ناحية الحكامة التي ألح عليها الخطاب الملكي، كما أن شيخوخة المسؤولين عنها جعلت الامر ملحا للتغيير رغم تعيينهم بظهير ملكي ، فالرأي الملكية تتطلب اشخاص أكفاء يعملون بجدية للصالح العام و ليس اشخاص يدعمون الريع و يساهمون في الفساد.
وسجل المتحدث، أن هذه المؤسسة تعيش اختلالات، أولها على مستوى تكوين مجلسها الإداري، لكونه مكون من ممثلي القطاعات الحكومية والوزارات من جهة، ومن جهة أخرى ممثلي الجالية المجسدة في الوداديات القمعية المرتبطة بسنوات الرصاص، مضيفا أن “المغرب تقدم على مجموعة من الأصعدة، والتي لا يمكن أن تبقى مؤسسة جوهرية خاضعة لقانون قديم وغير ديمقراطي، والحكومة مطالبة بأن تهيئ قانون يغير القانون الحالي لمؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج وتقديمه للبرلمان”.
إذن فالخطاب الملكي، وفق البازي ، ساءل مختلف هذه المؤسسات، كل حسب مجال تدخله فيما يخص المغاربة المقيمين بالخارج، لأن الخطاب الملكي وضع قضايا الجالية في إطار عام يجعل أسئلة الخطاب الملكي موجهة لها جميعا، وهذه المؤسسات جميعها مطالبة بإعادة تأهيل نفسها.
ويتساءل الأستاذ الباحث في قضايا الهجرة حول ما أنجز بهذه الميزانية من طرف مؤسسة الحسن الثاني، مقارنة بالمهام المنوطة بها قانونيا، والحصيلة بالنسبة للبازي فارغة إلى حدود الساعة، مما يطرح تساؤلات حول مصير الميزانيات.
مؤسسة بلا رقابة!
وضعية المؤسسة من ناحية المراقبة تطرح العديد من التساؤلات، إذ يتضح أن مؤسسة الحسن الثاني تفتقد كل أشكال الرقابة الممكنة، سواء عبر المساءلة البرلمانية من طرف مجلس النواب، أو عبر افتحاصها من المجلس الأعلى للحسابات.
وأكد البازي أن البرلمانيون يصوتون على الميزانية وأضعف الإيمان أن يعرفوا أوجه صرفها، والأمر لا يتعلق هنا باتهامات الاختلالات أو ما شابهها، بل من أجل تمحيص البرامج التي صرفت فيها ومناقشة ما إذا كانت تدخل ضمن اختصاصات المؤسسة أم لا، وفق المتحدث نفسه.
وأوضح الأستاذ الباحث أن المجلس الأعلى للحسابات بدوره لا يبت فيما يتعلق بالمؤسسات التي تعنى بقضايا الجالية، باستثناء إنجاز تقرير واحد حول العمل الثقافي، في حين أن باقي المؤسسات المكلفة بالهجرة لم تخضع لأي افتحاص.
الأمر الذي يجعل المجلس الأعلى للحسابات مسائلا بدوره من خلال الخطاب الملكي، وفق البازي، لأن عمله دقيق ويمتلك الكفاءة والخبرة، ويدقق في إنجاز المهام الموكولة للمؤسسات ويراقب المردودية على جميع المستويات.
وسجل البازي أنه إضافة لما سبق وفي غياب الجمع العام الذي يسمح بالنقاش الداخلي، تصبح “المساءلة غائبة سواء داخليا أو مؤسساتيا”.
حلول مستقبلية
وإذا كان الخطاب الملكي ل6 نونبر 2007، قد نص “على استبعاد التعيين المباشر، لأسباب مبدئية، لأن الأمر يتعلق بهيأة تمثيلية، وليس بوظيفة إدارية أو منصب سياسي، لذلك، نعتبر أن الانتخاب يظل هو المنطلق والمبتغى في إقامة هذه المؤسسة”، فإن البازي يرى أنه “الحل بالنسبة لتكوين مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج ، أنها ستحل مشكلة المؤسسة، وتساهم كذلك في ضمان تمثيلية مستقبلية للجالية بالغرفة الثانية، لأن هذه الأخيرة يكون فيها الانتخاب غير مباشر.
هذا الأمر يتطلب، حسب الأستاذ الباحث في قضايا الهجرة، تعديلا دستوريا، الذي يكفي من أجل تطبيقه تصويت مجلس النواب ومجلس المستشارين. أو أن يأتي قانون من الحكومة أو البرلمان.
تمثيلية الجالية المغربية في الغرفة الثانية حق من الحقوق، وفق البازي، يمكن أن ينضاف كتكملة للتمثيلية التي يجب إقرارها بالغرفة الأولى، لأن الدستور والخطاب الملكي نص عليها.
كما يلزم وفق البازي وضع مخطط عمل تشريعي بين الحكومة والبرلمان، لبرمجة القوانين الواجب تهييئها، ومنها القانون المعدل لقانون مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج والقانون التنظيمي لمجلس النواب في شقه المتعلق بالمغاربة المقمين بالخارج، والتنسيق البرلماني لوضع المدة الكافية لمناقشة القوانين والمصادقة عليها.