مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب إستراتيجية مستدامة في المغرب
يبذل المغرب جهودا دؤوبة في التكيف مع الطرق الجديدة والمستحدثة في غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، في ظل مقاربة مستدامة لمواجهة المخاطر الإقليمية والدولية الناجمة عن هذه الأنشطة. وأكد الوكيل العام لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة المغربية الحسن الداكي أن “مكافحة غسيل الأموال، وتمويل الإرهاب ليست عملية ظرفية مرتبطة بتنزيل خطة عمل، أو الخروج من لائحة معينة، بل إنها مبنية على مقاربة مستدامة تقوم على تعزيز المكتسبات، ومواصلة تطوير طرق الاشتغال، وتدارك النواقص بكل مسؤولية”.
وأوضح المسؤول القضائي في كلمة له الثلاثاء بالرباط، بمناسبة حضور افتتاح الدورة التدريبية حول “التحقيق المالي الموازي في مجال غسيل الأموال وتمويل الإرهاب” أنه “إذا كان الإجرام المالي عموما يتميز بنوع من التعقيد وصعوبة الإثبات، فإن جرائم غسيل الأموال وتمويل الإرهاب تبقى أكثر تعقيدا، ولا تنضبط للوسائل التقليدية للمراقبة والتحري والتحقيق نظرا لكون القائمين بها يستخدمون تقنيات متطورة للتمويه والتعتيم والتضليل عبر شبكة معقدة من الإجراءات على درجة عالية من السرية يصعب في أحيان كثيرة اكتشافها والوصول إلى مرتكبيها”. وقال “يبقى الجمع بين وسائل البحث الكلاسيكية والتحقيق المالي الموازي وتقنيات البحث الخاصة، المدخل الأساسي لتطويق جريمة غسيل الأموال وكشفها وتقديم مرتكبيها إلى العدالة”.
واستحضر رئيس النيابة العامة ما ورد في خطاب العاهل المغربي الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى السابعة عشرة لعيد العرش بتاريخ الثلاثين من يوليو 2016، الذي جاء فيه “محاربة الفساد هي قضية الدولة والمجتمع، الدولة بمؤسساتها، من خلال تفعيل الآليات القانونية لمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة، وتجريم كل مظاهرها، والضرب بقوة على أيدي المفسدين. والمجتمع بكل مكوناته، من خلال رفضها، وفضح ممارسيها، والتربية على الابتعاد عنها، مع استحضار مبادئ ديننا الحنيف، والقيم المغربية الأصيلة، القائمة على العفة والنزاهة والكرامة”.
وأطلقت رئاسة النيابة العامة، بداية السنة الجارية، دليلا علميا يحدد تقنيات البحث والتحقيق في جرائم غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، ويقدم الدليل للممارسين في حقل العدالة الجنائية الإطار القانوني الوطني والدولي لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، فضلا عن وصف مسار البحث الجنائي في هذا النوع من الجرائم وفقا لما تتطلبه معايير مجموعة العمل المالي والاتفاقيات الدولية وقرارات مجلس الأمن.
وكان المغرب لاءم منظومته الوطنية لمكافحة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال مع أحدث المعايير الدولية ذات الصلة في هذا المجال، عبر مصفوفة من الإجراءات التشريعية والتنظيمية والتدابير التحسيسية والرقابية، التي حرصت على تنزيلها مختلف السلطات والمؤسسات الوطنية المعنية، بتنسيق من “الهيئة الوطنية للمعلومات المالية” الواقعة تحت وصاية رئيس الحكومة، وبشراكة مع الأشخاص الخاضعين والقطاع الخاص.
وفي فبراير الماضي، خرج المغرب من اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي “غافي” تتويجا لجهوده والإجراءات الاستباقية التي بذلها طيلة السنوات الماضية في مجال تعزيز الترسانة القانونية الوطنية الخاصة بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
وتعمل المؤسسات القضائية المغربية، على رأسها النيابة العامة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، على الرفع من النجاعة القضائية في مجال مكافحة جرائم غسيل الأموال، بتوسيع دائرة الاختصاص المحلي للمتابعة والتحقيق والمحاكمة عن جرائم غسيل الأموال، ما سيؤدي، حسب محللين، إلى المزيد من النجاعة الأمنية والقضائية في مكافحة أشكال غسيل الأموال، ومنع اختراقه بعائدات الأنشطة الإجرامية وتداعيات ذلك على سمعة وشفافية ومصداقية المؤسسات الرسمية لدى الهيئات المالية الدولية.
وعلق الأكاديمي والخبير في العلاقات الدولية هشام معتضد لـ”العرب” أن إستراتيجية المغرب في تطويق تمويل الإرهاب بكل الوسائل الممكنة، تمثل مكسبا سياسيا وازنا على المستوى الدولي نظرا للارتباط الوثيق لهذا التوجه بالإشادة الدولية على شفافية الآلة التدبيرية المالية والتجارية للمغرب واستجابتها للمعايير الدولية التي تحترم معايير الالتزام المسؤول والشفافية التدبيرية في القطاع المالي. وأضاف معتضد “كما تمثل تميزا للميكانيزمات التدبيرية التي اعتمدها المغرب للحد من ظاهرة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب وكذلك انخراطه السياسي في تنزيل رؤية متكاملة المعالم لملاءمة المنظومة الوطنية مع المعايير الدولية”.