الجزائر تداري إخفاقها الدبلوماسي بإرجاء وساطتها في النيجر
قررت الجزائر سحب المبادرة الدبلوماسية التي أعلنتها بشأن أزمة النيجر بدعوى عدم توفر الظروف المناسبة لبعث مسار سياسي لحلحلة أزمة البلد الجار، في وقت يقول فيه مراقبون إن الخطوة جاءت كنتيجة لتكذيب المجلس العسكري في النيجر الذي نفى أن يكون قد قبل بالمبادرة الجزائرية، وهو ما هزّ صورة الجزائر ومصداقية دبلوماسيتها.
وقالت الجزائر إنها أرجأت مشاوراتها التمهيدية بشأن الوساطة السياسية التي أعلنتها منذ أسابيع لحل أزمة النيجر، وذلك في أعقاب تكذيب السلطة العسكرية في نيامي لبيان صادر عن وزارة الخارجية الجزائرية، وهو ما أحرج السلطة الجزائرية وأسقط رهانها على لعب دور “حكيم” منطقة الساحل والصحراء.
ولا يستبعد المراقبون أن يكون قرار سحب المبادرة خطوة لتلافي إخفاق جديد في نشاطها الدبلوماسي، وتجنب موجة انتقادات باتت تطال أداء الجهاز الدبلوماسي الذي تديره بشكل أساسي مؤسسة الرئاسة ثم وزارة الخارجية.
وأشاروا إلى أن الإيحاء بأن سحب المبادرة ناجم عن تذبذب موقف السلطات العسكرية في النيجر ليس سوى مناورة من الجزائر حتى تتجنب الاعتراف بالفشل، خاصة أن مبادرتها السابقة في مالي لم تفض إلى ما كانت تخطط له الجزائر من تأمين حدودها الجنوبية مع عودة الصدام بين القوات الحكومية والانفصاليين وتزايد نفوذ الجماعات الإسلامية المتشددة.
قرار الجزائر بسحب المبادرة لتلافي إخفاق جديد، وتجنب موجة انتقادات باتت تطال أداء دبلوماسيتها في الإقليم
ويبدو أن أزمة النيجر التي دخل فيها أكثر من لاعب أصبحت عصية على الدور الجزائري وعلى آلياته الدبلوماسية، خاصة في ظل الرفض الذي أعلنه مبكرا وزير خارجية نظام الرئيس المعزول محمد بازوم، ولاحقا نفْي المجلس العسكري أن يكون قد قبل بالمبادرة.
وقال حسومي مسعودو، وزير الخارجية في حكومة بازوم، إن “وجهة النظر الجزائرية لا تهمنا؛ فالجزائر لم تشاركنا يوما في تسيير شؤوننا، ذلك أن المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) التي نحن جزء منها هي المعنية بهذا الأمر”، مضيفا “مسألة المرحلة الانتقالية غير مطروحة؛ ذلك أن قبولها يعني قبول الانقلاب”.
وترتبط الجزائر مع دولة النيجر بمصالح إستراتيجية؛ ذلك أنهما تشتركان في شريط حدودي يبلغ طوله نحو ألف كلم، مما يحتم على الجزائر حشد إمكانيات ضخمة لتأمين حدودها من المظاهر المسلحة وعصابات التهريب والهجرة غير النظامية.
كما أن النيجر تمثل جزءا من الطريق البري الأفريقي الذي تقترحه الجزائر، ومن مشروع الغاز الأفريقي، فضلا عن مشروعي استغلال النفط في شمال النيجر، ومد الألياف البصرية للاتصالات.
وجاء قرار الجزائر بسحب مبادرتها بشأن النيجر في خضم مسار دبلوماسي مرتبك في الآونة الأخيرة، خاصة بعد خيبة الأمل الناتجة عن فشل محاولات الانضمام إلى بريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا)، والذي كانت تراهن عليه من أجل التسويق لإنجاز يساعد السلطة على رفع مؤشراتها الشعبية داخليا، وعلى توسيع دورها الإقليمي خارجيا.
ويبدو أن القرار كان بمثابة خطوة استباقية لتفادي الإعلان عن إجهاض المبادرة، ولذلك تم اختيار الإرجاء لإبقاء إمكانية العودة إليها حين تصبح الظروف ملائمة، خاصة وأن الفشل سيعني التسليم بوجود حاجز بين الجزائر والقادة العسكريين الجدد في المنطقة وظهورها بمظهر المعادي لهم. وقال بيان الخارجية الجزائرية إن “السلطات قررت إرجاء الشروع في المشاورات التحضيرية المزمع القيام بها، إلى حين الحصول على التوضيحات التي تراها ضرورية بشأن تفعيل الوساطة الجزائرية”.
ورغم أن المبادرة الجزائرية حظيت بموافقة أطراف فاعلة في أزمة النيجر، على غرار الولايات المتحدة ودول أوروبية كإيطاليا وألمانيا، أربك تواجد لاعبين إقليميين آخرين في الملف، خاصة فرنسا وإيكواس وروسيا، مسارها منذ الخطوات الأولى.
واعتبر محللون سياسيون أن مهلة المرحلة الانتقالية المقدرة بستة أشهر والمساواة بين العسكريين ونظام الرئيس المعزول كانتا مؤشرا على الفشل. كما أن توقيت جلوس السلطة السابقة والسلطة القائمة إلى طاولة الحوار غير محدد إلى حد الآن.
ويبدو أن نظام الرئيس محمد بازوم، المدعوم من طرف فرنسا وإيكواس، والمجلس العسكري المعزز بتيار مناهض في النيجر ومنطقة الساحل عموما ويرفض الوجود الفرنسي ويرحب بالتمدد الروسي، كانا أكثر ثقلا من المبادرة الجزائرية التي لم تراع ذلك، خاصة وأن اللاعبين المذكورين ينظران إلى الجزائر على أنها منافس في المنطقة.
وظهر الخلاف بشكل جلي بين الجزائر وإيكواس منذ اللحظات الأولى للانقلاب العسكري في النيجر، حيث تبنت المجموعة خيار التدخل العسكري لإعادة بازوم إلى رئاسة البلاد، بينما رفضت الجزائر الخيار المذكور، وشددت على ضرورة انتهاج مسار سياسي يجنب النيجر والمنطقة انزلاقا إلى العنف المسلح.